الدبيبة يشدد قبضته على وزارة النفط لإنقاذ حكومته

طرابلس – لا يزال قرار إيقاف وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية الليبية محمد عون عن العمل يثير الكثير من الجدل داخل البلاد وخارجها، وسط اتساع دائرة الشبهات حول الجهة التي تقف وراء هذه الخطوة، وتداعياتها على مستوى إنتاج الطاقة في ظل الخلافات المحتدمة بين حكومات متنافسة تفاقم اضطرابات الصناعة بوتيرة متسارعة.
وذكر موقع "أفريكا إنتليجنس" الإستخباراتي الفرنسي أن استبدال عون بخليفة رجب عبدالصادق يحمل بصمات إبراهيم علي الدبيبة، ابن شقيق رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة والذراع اليمنى له، فيما اعتبرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية أن هذه الخطوة من شأنها أن تنعش إنتاج النفط وأن تزيل العراقيل أمام الاتفاقيات الأخيرة مع شركات النفط الأجنبية
وخلال الأسبوع الماضي، تم إيقاف عون عن العمل، على خلفية تحقيق تجريه هيئة حكومية بشأن انتهاكات مزعومة تشمل "التحايل على القانون، وإهدار المال العام".
وبعد ساعات قليلة، تم تعيين بديل من داخل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط التي تديرها الدولة، والتي كانت في كثير من الأحيان على خلاف مع الوزارة بشأن السياسة. ونفى عون ارتكاب أي مخالفات، وطالب بالتعجيل في إجراء التحقيق.
ورأى التقرير الفرنسي الذي نشر الإثنين أن ما جرى يفيد إلى حد كبير بأن الدبيبة، هو الذي وقَّع في السادس والعشرين من مارس الماضي خطابا بشأن استبدال عون في منصب رئاسة وزارة النفط.
وأضاف أن "استبدال عون من رأس وزارة النفط يخلق مساحة للمناورة للدبيبة، الساعي لتقوية موقفه في الوقت الذي يواجه فيه منافسة على سلطاته. كما أن خروج عون يفيد فرحات بن قدارة، الذي كان في خلاف دائم معه".
وكشف الموقع الفرنسي كواليس تعيين إبراهيم الدبيبة في وزارة النفط بالعام 2022 وكيف كان القرار جزء من اتفاق تنصيب فرحات بن قدارة رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط.
وقال إن "تبادلا حسن النية كان جزء من الاتفاق مع الأطراف الموالية لقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر. كما حصل عبدالصادق على مقعد في مجلس إدارة مؤسسة النفط".
ولفت التقرير الفرنسي إلى "فتور العلاقات بين عون والدبيبة، والخلافات المنتظمة بين الرجلين حول المشاريع النفطية"، مشيرًا إلى أن عون عارض بشكل خاص التوقيع على مذكرة مع تركيا، في أكتوبر العام 2022، للتنقيب عن المواد الهيدروكربونية في المياه الليبية.
وتتفق وكالة "بلومبيرغ" مع التقرير الفرنسي في أن إيقاف عون عن العمل يفيد بن قدارة لافتة إلى أن تعيين عبدالصادق من شأن أن يحدث انسجاما بين الوزارة والمؤسسة الوطنية للنفط فيما يتعلق بالسياسة .
ورجحت الوكالة أن التغيير المفاجئ لوزير النفط الليبي قد يؤدي إلى تحفيز الصفقات، وإنعاش قطاع الطاقة المحاصر بالأزمات في الدولة العضو بمنظمة "أوبك"، لكن الصورة السياسية المشرذمة لا تزال تلقي بالعديد من العراقيل أمام جهود الشركات العالمية للتفاوض.
وقالت في تقرير نشرته الجمعة الماضي إن انتقال عبدالصادق إلى المنصب المحتدم قد يؤدي إلى التنسيق بين المؤسسة الوطنية للنفط والوزارة، مما قد يمهد الطريق لإنعاش القطاع على المدى القصير، والذي يعد محوريا بالنسبة إلى اقتصاد ليبيا ومصدرا مهمً لإمداد الأسواق العالمية.
وأشارت إلى أنه لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى زيادة مستدامة في الإنتاج، لأن الخلافات المحتدمة في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا والمنقسمة بين حكومات متنافسة يمكن أن تفاقم اضطرابات القطاع بوتيرة متسارعة.
وتوقيف الوزير من شأنه أن تزيح إحدى العقبات التي تعترض الاتفاقيات الأخيرة رفيعة المستوى مع الشركات الأجنبية بالقطاع، وفقاً لما ذكره إلياس صديقي، المدير المساعد في شركة "ويسبرينغ بيل" المتخصصة في إدارة المخاطر. لكنه قال "في ظل ولاية عون أو بدونه" فإن الحكومة في طرابلس "ستجد صعوبة في تنفيذ صفقات جديدة محليا دون أي مقاومة".
وتمتلك ليبيا أكبر احتياطيات من النفط الخام في أفريقيا، ولكنها تأثرت بصراع سياسي امتد لأكثر من عقد، وكثيرا ما يكون الإنتاج رهينة للصراعات بين الإدارات المتنافسة في طرابلس والشرق.
وانخفض الإنتاج الذي وصل إلى ما يقرب من 1.8 مليون برميل يومياً في 2008 إلى حوالي 100 ألف برميل يومياً بعد مقتل معمر القذافي في الحرب الأهلية في عام 2011. ويتعرض الإنتاج لتقلبات منذ ذلك الحين، ويبلغ حالياً حوالي 1.2 مليون برميل يومياً.
تم تعيين عون وزيراً للنفط في عام 2021، حيث حاولت حكومة الدبيبة، فرض ضوابط أكبر على المؤسسة الوطنية للنفط. وكان رئيس مجلس إدارة الشركة الحكومية منذ فترة طويلة، مصطفى صنع الله، يدير القطاع فعلياً لسنوات في غياب وزير للنفط.
وأثارت محاولة عون لفرض سيطرته انقسامات عميقة وفوضى في القطاع، وأسفرت عن محاولات الوزير للإطاحة بصنع الله في 2021. وتمكّن صنع الله من الصمود قبل أن يُجبر على الاستقالة في العام التالي، في خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها حل وسط بين الفصائل الليبية المتناحرة.
كما رفض عون بعض الصفقات والاتفاقات التي دعمها رئيس لمؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة والحكومة في طرابلس، مما زاد من توتر العلاقات.
وانهار اتفاق مع شركة "إيني" الإيطالية لاستثمار 8 مليارات دولار في حقلين للغاز في البحر المتوسط العام الماضي بعد أن قال عون إن الصفقة تمت دون موافقة الوزارة. وقال أيضاً إنها أعطت "إيني" حصة كبيرة جداً.
وتبيّن أن عون لم يكن شخصية "تابعة"، مما يعني أنه لم تعد هناك حاجة إليه، وفق جلال حرشاوي، الزميل المشارك في معهد "رويال يونايتد سيرفسز" ومقره في لندن.
وقال حرشاوي "يحتاج الدبيبة الآن إلى إظهار مبادرات ملموسة للغاية في مجال الطاقة دون التلكؤ لأسابيع وأشهر من المماطلات والحيرة بين المؤسسة الوطنية للنفط ووزارة النفط".
كما عرقل عون صفقة أُبرمت مؤخراً مع الإمارات لتطوير حقل الظهرة في وسط ليبيا.
قال صديقي من "ويسبرينغ بيل" إن المزيد من التنسيق بين الوزارة والمؤسسة الوطنية للنفط لن يؤدي تلقائياً إلى المزيد من الصفقات، مشيراً إلى تواجد "المزيد من العقبات التي يجب التغلب عليها بما في ذلك التحديات الأمنية المحلية وحسابات القبائل، وإدارة الجهات المعنية".
ولكي يعود إنتاج النفط إلى مستويات ما قبل 2011، لا بد من استثمار مستدام، فضلاً عن تحقيق السلام الدائم والاستقرار السياسي.
قال صديقي إنه في حين أن شركات النفط لديها رغبة كبيرة في خوض غمار المخاطرة في ليبيا، فإنها تراقب عن كثب السياسات الداخلية بين مسؤولي النفط، وهو أمر "يقوّض التخطيط طويل المدى، ويستنفذ موارد كثيفة".