الدبيبة يتخوف من المبعوث الأممي الجديد ويدعمه اضطرارا

يشعر عبدالحميد الدبيبة أن المبعوث الأممي الجديد قد تم اختياره ليكون داعما لمسار خصومه الساعي لمحاصرته ودفعه إلى الاستقالة بإرادته أو من خلال مبادرة جديدة لتشكيل حكومة ثالثة تتولى الإشراف على الانتخابات، وهو ما يعني رفع الشرعية عنه.
إسطنبول - في مفارقة لم تكن مستبعدة رحّب رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة بتعيين السنغالي عبدالله باتيلي مبعوثا أمميا إلى ليبيا، رغم أنه كان الوحيد الذي عارض تعيينه عندما جرى تداول اسمه في مجلس الأمن الدولي منتصف الشهر الماضي.
ويأتي هذا في وقت يقول فيه مقربون من الدبيبة إن لديه مخاوف من أن يتحرك المبعوث الجديد نحو تشكيل حكومة ثالثة تتولى الإشراف على الانتخابات بدلا من حكومته.
وقال الدبيبة في تغريدة له “نرحب بتعيين باتيلي مبعوثا أمميا جديدا إلى ليبيا. ونؤكد من جانبنا دعمنا الكامل لعمله، وسندفع باتجاه الحل السياسي الشامل الذي يُعجل بإصدار قاعدة دستورية توافقية لإجراء الانتخابات”.
وفي الخامس عشر أغسطس الماضي، أعلن مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة رفض حكومة الوحدة تعيين باتيلي، وقال إنه “يجب التشاور معنا بشأن ترشيح الممثل الأممي للتأكد من نجاح عمله كوسيط”.
ولم تخف حكومة الوحدة تفضيلها تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم الذي اعترض عليه عقيلة صالح رئيس مجلس النواب في طبرق.
ويحظى باتيلي بدعم كبير من فرنسا ومن خليفة حفتر، وكذلك من الاتحاد الأفريقي الذي تترأسه السنغال حاليا.
ما يثير قلق الدبيبة هو أن يلعب باتيلي، بضغط فرنسي، دورا في ترجيح فكرة تشكيل حكومة ثالثة، بتسهيل اتفاق بين مجلسي النواب والدولة يُنهي ولاية حكومة الوحدة
وما يثير قلق الدبيبة هو أن يلعب باتيلي، بضغط فرنسي، دورا في ترجيح فكرة تشكيل حكومة ثالثة، بتسهيل اتفاق بين مجلسي النواب والدولة يُنهي ولاية حكومة الوحدة.
غير أن ترحيب الدبيبة بتعيين باتيلي مبعوثا أمميا بعد نحو أسبوعين من الاعتراض يعكس فرضيتين؛ إما أنه لم يكن له خيار سوى القبول به، أو أنه جرى تقديم تطمينات له بشأن دور المبعوث الأممي الجديد.
فحكومة الوحدة حتى وإن كانت موافقتها على المبعوث الجديد غير ملزمة لمجلس الأمن، إلا أنها ضرورية لنجاح مهمته في الوصول إلى انتخابات شفافة يقبل بنتائجها الجميع.
ورغم استبعاد المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولاس دي ريفيير لإمكانية أن تشكل معارضة حكومة الوحدة لباتيلي “مشكلة” في محاولة لإنهاء الأزمة السياسية في ليبيا، فباتيلي أصبح أمرا واقعا، لذلك سارع الدبيبة ومعه المجلس الرئاسي للترحيب بدعوته، وكذلك فعل فتحي باشاغا، فيما تريث عقيلة صالح في إبداء موقفه.
واعتبر النائب زياد دغيم في تصريح صحافي لموقع محلي أن “فرض مبعوث دولي رغم اعتراض الدولة المعنية بداية خاطئة لمسار سيتعثر”.
وبطبيعة الحال لن يكلل دور باتيلي بالنجاح إلا إذا كان يحظى بدعم دولي قوي وقبول من الأطراف المتصارعة.
وفي هذا الصدد رحبت عدة دول ومنظمات بتعيين باتيلي على غرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والجزائر وقطر، ما يمثل دعما دبلوماسيا له في مهمة لم ينجح فيها قبله سبعة مبعوثين آخرين.
والملاحظ في بيانات الترحيب أن جميعها حددت لباتيلي كمهمة رئيسية “إجراء الانتخابات”، ولكنّ كلا منها وضع شروطا ضمنية.
الدبيبة مثلا ربط إجراء الانتخابات “بإصدار قاعدة دستورية توافقية”، وهو بذلك يرمي المسؤولية في ملعب مجلسي النواب والدولة.
وباشاغا ربط “إجراء الانتخابات” بضرورة “ترسيخ مبدأ التداول السلمي على السلطة”، ملمحا إلى رفض رئيس حكومة الوحدة تسليم السلطة “إلا لحكومة منتخبة”.
ترحيب الدبيبة بتعيين باتيلي يعكس فرضيتين؛ إما أنه لم يكن له خيار، أو أنه جرى تقديم تطمينات له
بينما شدد المبعوث الأميركي إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند على وجود “حاجة ملحة للأطراف الليبية إلى العمل مع المبعوث الأممي الجديد لوضع خارطة طريق واضحة المعالم لإجراء انتخابات مبكرة”.
وتشكك بعض الأطراف الليبية في إمكانية نجاح السنغالي باتيلي في ما فشلت فيه الأميركية ستيفاني ويليامز مستشارة الأمين العام الأممي في ليبيا.
بل ويسود اعتقاد أن تعيين مبعوث أفريقي مؤشر على تراجع الاهتمام الأممي والدولي بحل الأزمة الليبية.
وكانت تجربة الزيمبابوي ريزدون زينيغا، منسق البعثة الأممية في ليبيا، باهتة ولم تحقق ما يستحق الذكر.
وحتى رئاسة رئيس الكونغو ساسو نغيسو للجنة الاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا لم تمكن الأفارقة من لعب دور فعال في حل الأزمة الليبية خارج الإطار البروتوكولي والرسمي.
ويتساءل كثير من الليبيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي ماذا يمكن أن يحقق المبعوث الأممي الجديد في ما عجز عنه سبعة مبعوثين ومستشارة أممية؟
ويربط عضو مجلس الأعلى للدولة بلقاسم قزيط في تصريح صحافي نجاح باتيلي بحجم “الدعم الذي سيتلقاه من المجتمع الدولي، إضافة إلى الضغط على الأطراف المعرقلة محليا ودوليا”.
ويمثل تعيين مبعوث أممي إلى ليبيا لأول مرة من القارة السمراء انتصارا للاتحاد الأفريقي الذي خاضت دوله معارك دبلوماسية في أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة لسنوات ضد الولايات المتحدة التي عارضت باستمرار وإصرار تعيين شخصية أفريقية لهذا المنصب.
بعض الأطراف الليبية تشكك في إمكانية نجاح باتيلي في ما فشلت فيه الأميركية ستيفاني ويليامز مستشارة الأمين العام الأممي في ليبيا
لكن العبرة ليست فقط بتعيين أفريقي على رأس البعثة الأممية بقدر ما هي القدرة على امتلاك أوراق الضغط على الأطراف المتصارعة لإقناعها بالجلوس على طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات قد تكون قاسية للتوصل إلى حلول واقعية للأزمة الليبية.
وأمسك باتيلي أخيرا بزمام رئاسة البعثة الأممية التي بقيت شاغرة طيلة تسعة أشهر، حاملا معه 40 عاما من الخبرة السياسية والدبلوماسية كوزير وبرلماني ومرشح رئاسي ومبعوث أممي.
وعلاقته بالملف الليبي تعود إلى العام الماضي عندما أوفده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على رأس وفد لتقييم أداء البعثة الأممية، وأوصى حينها بالتخلي عن نظام مبعوث أممي ومعه منسق للبعثة والعودة إلى النظام السابق القائم على مبعوث أممي ونائبين.
وكانت الولايات المتحدة أصرت على تقسيم البعثة الأممية بين مبعوث أممي ومنسق للبعثة، لمنع تولي شخصية أفريقية رئاسة البعثة الأممية في ليبيا، على أن تتولى شخصية أفريقية منصب منسق البعثة والتي عادت لزينينغا من باب ترضية الاتحاد الأفريقي.
وبعد تعيين باتيلي على رأس البعثة الأممية، فليس من المستبعد إلغاء منصب منسق البعثة وتعيين نائبين للمبعوث الأممي.
وليست هذه المرة الأولى التي يتولى فيها باتيلي رئاسة بعثة أممية، إذ سبق وأن عينه الأمين العام الأسبق بان كي مون في 2014 مبعوثا له في أفريقيا الوسطى.
كما عيُن في نفس الوقت رئيسا لمكتب الأمم المتحدة الإقليمي لجمهورية أفريقيا الوسطى، وترأس في 2015 منتدى بانغي الوطني الذي نظمته الحكومة الانتقالية للمصالحة بين مواطنيها.
وسبق أن جرى تعيينه في 2013 نائبا لرئيس البعثة الأممية في مالي (مينسوما)، والتي تشكلت في نفس العام بعد طرد القوات الفرنسية للجماعات المسلحة التي سيطرت على شمالي البلاد.

لذلك ففرنسا تعرف جيدا من هو باتيلي الذي يتحدث الفرنسية وسبق لها وأن تعاملت معه عندما عمل في مالي، لذلك تعد من أكبر المتحمسين لتوليه رئاسة البعثة الأممية في ليبيا.
وعلى الصعيد السياسي، تقلب باتيلي بين السلطة والمعارضة، فبينما كان وزيرا للبيئة في عهد عبدو ضيوف (1981 – 2000)، ترشح ضده في رئاسيات 1993 وخسرها، ولكنه فاز بمقعد في البرلمان في نفس العام، ثم في 1998.
ودعم باتيلي في رئاسيات عام 2000 المرشح المعارض عبدالله واد، والتي فاز بها الأخير، وعينه بعدها وزيرا للطاقة، لكنه دخل المنافسة ضده في رئاسيات 2007 وخسرها للمرة الثانية.
وفي رئاسيات 2012 فضّل باتيلي دعم المرشح المعارض ماكي سال في مواجهة الرئيس واد الذي خسر الانتخابات، وصعد الأول رئيسا للبلاد.
وعيّن سال باتيلي وزيرا للدولة، لكن الأخير لم يترشح ضده هذه المرة في رئاسيات 2019، بعد أن اختار المسار الدبلوماسي في الأمم المتحدة.
والرجل السبعيني، وفوق أنه سياسي ودبلوماسي، حاصل على الدكتوراه من جامعة برمنغهام ببريطانيا، وله مؤلفات في التاريخ والسياسية، ومع ذلك لم تقنع هذه الخبرة مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة الطاهر سني الذي برر اعتراض حكومة الوحدة على اختيار باتيلي برغبتهم في أن يكون المبعوث الأممي “مؤهلًا أكثر”.
وليس المقصود بالتأهيل الدرجات العلمية أو الخبرة السياسية والدبلوماسية، بقدر ما يعني فهم الأزمة الليبية بتعقيداتها المختلفة والقدرة على إيجاد الحلول في ظروف غاية في التعقيد.