الدبيبة في صورة الزعيم الشعبي

هناك الكثير من الأعمال التي يقوم بها الدبيبة على المستوى الداخلي والخارجي لضمان القبول به زعيما مستقبليا لبلاده وما دبلوماسية الصفقات والعقود سوى مؤشرات على أن الرجل يعرف جيدا ماذا يريد.
الاثنين 2021/10/04
المهمة ليست مؤقتة

قال رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في ليبيا خالد السايح، إن قانون انتخاب الرئيس الصادر عن مجلس النواب ليس فيه، ولا في الاتفاق المنبثق عن ملتقى الحوار السياسي، ما يمنع رئيس حكومة الوحدة الوطنية المهندس عبدالحميد الدبيبة من الترشح للانتخابات الرئاسية، وهذا التصريح الأول من نوعه قد يكون منطلقا مهما للنظر في مجريات الأحداث ولمتابعة تلك التحركات اللافتة التي يقوم بها الدبيبة على أكثر من صعيد، وكأنه يعد نفسه بالبقاء طويلا في منصة الحكم.

يباشر الدبيبة حملة دعائية واسعة لتقديم نفسه كقائد وزعيم للمرحلة القادمة، واعتمادا على مقاليد السلطة التي يمسك بها، قام بإقرار جملة من الإجراءات التي رفعت مستوى شعبيته بشكل غير مسبوق، سواء لدى فئة الشباب أو النساء أو الطلبة أو الموظفين أو المتقاعدين أو رموز النظام السابق أو الباحثين عن الجنسية أو ممن كانوا محرومين من رواتبهم وكذلك لدى الأوساط الفنية والرياضية وفي عدد من المدن التي زارها والتي قدم الكثير من الوعود لسكانها، وصولا إلى المناطق المنتجة للنفط في الهلال النفطي والواحات والتي أعلن عن تدشين صندوق لدعمها وتنميتها يتم تمويله من خلال استقطاع نسبة عن كل برميل نفط يباع.

يعلن الدبيبة بشكل يومي عن مشاريع تنموية وأخرى متعلقة بالخدمات وبالبنية التحتية في كامل أرجاء البلاد، وعن تسهيلات للمستثمرين الشبان، وعن إبرام عقود ضخمة ضمن مشاريع إعادة الإعمار، وعن مساع جدية لحل عدد من القضايا المتراكمة، وهو بذلك يتحرك في إطار منظومة عمل لا تقول إنه رئيس حكومة مؤقتة أو أنه سيترك السلطة بعد 80 يوما، وإنما تبدو جميع خطواته مدروسة ويتم التخطيط لها من قبل فريق مقتدر من المستشارين، وبغطاء إعلامي يعرف كيف يخاطب الرأي العام المحلي وكيف يجعله يرى في الرجل قائدا ناجحا في إدارة شؤون البلاد وقلبه على الشعب.

الليبيون عموما يدركون أن بلادهم ثرية، وهم يطمحون لليوم الذي يستفيدون فيه من تلك الثروة، والدبيبة لا يصرف عليهم من ماله الخاص وإنما من مال الدولة الذي طالما كان نهبا للصوص والفاسدين وأمراء الحرب والاعتمادات. وبتفعيله صندوق الزواج والرفع من رواتب الموظـفين والمتقاعدين ومعاشات ذوي الحاجات الخصوصية وتوزيع منح الزوجة والأبناء والإفراج عن المرتبات المجمدة والدعوة إلى إعداد جدول مرتبات موحد للدولة ورفع الحراسة عن أموال رموز النظام السابق وغير ذلك من الإجراءات، استطاع أن يلفت أنظار مواطنيه إلى مبدأ الوفرة الذي تتميز به البلاد وإمكانية الاستفادة منها، فالفئات الكادحة والمهمشة والمطحونة والمحرومة تريد أن تعيش وأن تحقق بعض ما تطمح إليه من رفاه بعد سنوات الغبن والحرمان، إذ ليس من المقبول أن يعيش المواطن تحت وطأة الندرة في بلد الوفرة.

دخل الدبيبة كذلك على خط الفعاليات الشعبية من خلال استقباله وفود القبائل من مختلف مناطق البلاد، وهو يبدي قدرة على الإصغاء إلى المشكلات المعروضة عليه، ولا يبخل بوعوده على كل زائريه، كما أن مكرماته المباشرة لرؤساء البلديات، وزياراته لمدن كبني وليد وزليتن وسبها وغريان وورشفانة والخمس والزاوية وتاورغاء وأحياء طرابلس، واستعداداته لزيارات أخرى سيؤديها لمدن كترهونة وزوارة وأوباري، تشير إلى أنه يسعى إلى أن يجعل من نفسه ظاهرة شعبية بعد سنوات الأزمة التي كان فيها سابقوه لا يغادرون مقر رئاسة الحكومة ويحتاجون إلى تأمين خاص وجحافل من القوات الأمنية والميليشيات للانتقال إلى منازلهم وسط العاصمة دون أن تكون لهم الجرأة على زيارة المدن الأخرى.

تحدث الدبيبة في مناسبات عدة بخطاب فيه تحدّ لمجلس النواب ولقيادة الجيش وقدم نفسه على أنه المدافع الأساسي عن مصالح الشعب في مواجهة من يحاولون عرقلته ممن لا يحبون الخير للبلاد والعباد، ولم يترك فرصة تمر دون أن يوجه انتقادات حادة لمناوئيه، مقابل إبداء التعاطف مع مواطنيه في مواجهة كل المشكلات التي يتعرضون لها. أصبح من الطبيعي أن يجلس في مقهى أو أن يزور ورشة عمل أو أن يتحدث إلى شيخ أو صبي في الشارع، وكل خطوة بحسبان، فصناعة الزعيم الشعبي تحتاج إلى الكثير من القدرة على دغدغة العواطف.

نجح الدبيبة في إعادة الأمل للآلاف من الأسر الليبية، وهذا أمر يحسب له، وكسب ثقة فئات كثيرة من الشعب، ودخل بقوة إلى صدارة الحائزين على أعلى نوايا للتصويت في حال ترشحهم للرئاسيات مع منافسين شرسين هما سيف الإسلام القذافي وخليفة حفتر، وإذا امتنع سيف الإسلام عن الترشح أو مُنع منه، فسينحصر السباق بينه وبين حفتر، وفي هذا الحالة سيكون رئيس ليبيا القادم، والأمر لا يعني استنقاصا من شأن المشير، ولكن الدبيبة استفاد من منصبه كما لم يستفد أحد من قبل، بالاعتماد على اتخاذ إجراءات عملية تساعد على تحسين ظروف العيش للكثير من الليبيين.

وتبيّن لاحقا أن الالتزام الذي وقّع عليه الدبيبة عند ترشحه لمنصب رئيس الحكومة خلال مؤتمر جنيف في فبراير الماضي لم يشر إلى الامتناع عن الترشح للرئاسيات، ويبدو أن مجلس النواب تعمد عدم الإشارة في قانون انتخاب الرئيس إلى اشتراط ألا يكون المترشح بصدد تولي منصب مهم في الفترة الانتقالية الحالية، وزاد قرار البرلمان بحجب الثقة عن الحكومة من التشكيك في طبيعة ما يدور تحت الطاولة.

علينا أن ندرك أنه من الصعب أن نحذر بالضبط ممّا يدور في كهوف السياسة الليبية حيث وراء كل جدار الكثير من المساومات والمقايضات والترتيبات المتصلة بمصالح أصحابها وامتيازاتهم وتحالفاتهم.

في حال لم يترشح الدبيبة للانتخابات الرئاسية، فإنه لن يفلت فرصة الحكم خلال المرحلة القادمة من خلال السيطرة على البرلمان الجديد بقوائم انتخابية يقف وراءها ويكون داعما رئيسا لها، وإلى حدّ الآن تبدو هناك غرف نشطة تعمل على أكثر من صعيد، وتهدف بالأساس إلى تشكيل ائتلاف يجمع كفاءات وطنية وسياسيين مستقلة وناشطين اجتماعيين وحقوقيين ومقربين من النظام السابق أو محسوبين عليه، وهناك اجتماعات عدة تجري لهذا الغرض في الداخل والخارج، وهدفها تشكيل ملامح مرحلة جديدة بتوجه ليبرالي ديمقراطي شعاره الأول المصالحة الوطنية والاندماج المشترك في تسيير شؤون البلاد دون إقصاء.

هناك الكثير من الأعمال التي يقوم بها الدبيبة على المستوى الخارجي لضمان القبول به زعيما مستقبليا لبلاده، وما دبلوماسية الصفقات والعقود وكسب ود القوى الإقليمية والدولية ذات المصالح والمواقف المتناقضة، وقمم النفط والغاز من هيوستن إلى طرابلس، وإبرام الاتفاقيات مع توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، وترطيب الأجواء مع روسيا، وغيرها، سوى مؤشرات على أن الرجل يعرف جيدا ماذا يريد، وهو لم يأت فقط للقيام بمهمة مؤقتة، وإنما للبقاء في صورة الزعيم القادر على قيادة ليبيا إلى شاطئ الأمان، والأهم من ذلك إلى البقاء في الحكم لمدة طويلة.

9