الدبيبة على خطى السراج يرهن ليبيا باتفاقيتين عسكريتين مع تركيا

الاتفاقيتان تتضمنان "بروتوكولات تنفيذ الاتفاقية الأمنية" التي وقعتها حكومة الوفاق في 2019 مع تركيا وأغضبت الدول الأوروبية.
الأربعاء 2022/10/26
اتفاقيات تكرّس الانقسام

طرابلس – وقّع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة اتفاقيتين مع وزير الدفاع التركي الثلاثاء، بناء على اتفاق وُقّع عام 2019 وأغضب الدول الأوروبية حينها.

ويرى مراقبون أن توقيع الاتفاقيتين يعد تطورا خطيرا للتدخلات التركية في ليبيا، لاسيما وأنه يتزامن مع شروع المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي في إجراء حوارات مع الجهات الفاعلة الليبية، لإيجاد مخرج للأزمة المستمرة لأكثر من عشر سنوات، وإيجاد أرضية تفاهم لإجراء الانتخابات بعد فشل الدبيبة في إيصال البلاد إلى الاستحقاق الانتخابي في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن الدبيبة يستمر في رهن ليبيا لتركيا، وذلك لكسب دعمها الدائم له للاستمرار في السلطة، وأيضا تحسبا من معاودة الجيش الليبي شن هجوم على طرابلس، خاصة بعد الدعوات المتتالية للمشير خليفة حفتر لليبيين إلى الانتفاض على الطبقة السياسية وتأكيده أن الجيش جاهز لأي تحركات.

ونشرت إدارة حكومة الدبيبة بيانا قالت فيه إن الاتفاقيتين تضمنتا "بروتوكولات تنفيذ الاتفاقية الأمنية" التي وقعتها في ذلك العام السلطات في طرابلس، والتي بموجبها تم التصدي لهجوم عنيف شنه قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر على العاصمة. ولم يذكر البيان المزيد من التفاصيل.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة المجلس الرئاسي آنذاك فايز السراج، وقعا في نوفمبر 2019 مذكرتي تفاهم، الأولى مرتبطة بالتعاون الأمني والعسكري، والأخرى تخص تحديد الصلاحيات البحرية، وترسيم الحدود المائية بين البلدين، وعلى أساسها تقوم أنقرة بأنشطة التنقيب في مناطق شرق البحر المتوسط.

وأثار اتفاق 2019 ومطالبة تركيا بمناطق كبيرة وغنية بالغاز في شرق البحر المتوسط،  غضب اليونان وفرنسا والاتحاد الأوروبي.

بعد ذلك بوقت قصير، أدى تسليم طائرات تركية دون طيار إلى القوات المتمركزة في طرابلس إلى تغيير مسار المعركة، ومن ثم تغلبها على قوات حفتر المدعومة من روسيا والإمارات العربية المتحدة.

وجاء في البيان الذي أرفق بصور مع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن صفقة أخرى وقعها الدبيبة الثلاثاء تهدف إلى "تعزيز قدرة القوات الجوية الليبية باستخدام الخبرة التركية"، علما أن الدبيبة كان في تركيا لزيارة معرض دفاعي.

وقال وزير الدفاع التركي إن بلاده ليست قوة أجنبية في ليبيا، وإنها عازمة على مواصلة ما وصفه بأنشطة التدريب العسكري والمساعدات والاستشارات، في مخالفة صريحة لاتفاق جنيف والاتفاقات الدولية حول ليبيا.

وقال الناطق باسم الحكومة المنتهية محمد حمودة، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، إن البروتوكول الموقّع يأتي في إطار تنظيم التعاون على مواد مذكرة التفاهم للتعاون الأمني والعسكري المبرمة في عام 2019 بين الجانبين الليبي والتركي.

وأوضح حمودة أنّ البروتوكول قد نصّ على تشكيل لجنة الدفاع العليا للتعاون الليبي - التركي ولجنة التعاون العسكرية، وكيفية عملها ومهامها، وتكوين وحداتها، بالإضافة إلى تحديد مجالات التعاون بين البلدين.

وتابع أن البروتوكول تضمّن في بنوده "تبادل التدريب والاستشارات والخبرات والمعلومات، من أجل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وأمن الحدود، ودعم القطاعات العسكرية بالمعدات والأجهزة المتطورة، بالإضافة إلى الدعم في مجال الخدمات الطبية العسكرية بتوفير أحدث المعدات، وكذلك التعاون في مجال رسم الخرائط".

وأشار حمودة إلى التوقيع بين البلدين على بروتوكول خاص بتدريبات الطيران الحديثة، وتحديد المبادئ والمسؤوليات المتعلقة بتدريبات الطيران، بالإضافة إلى الشروط الواقعة على الطرفين والمتعلقة بمرشحي ومنتسبي هذه التدريبات.

وحذرت أوساط سياسية وشعبية ليبية من أن هذه الاتفاقيات تشرّع لتقسيم ليبيا ورهن جزء من أراضيها لتركيا، التي لا تتوقف عن التورط عسكريا في أكثر من جبهة.

وتتوقع أوساط سياسية ليبية أن تطرأ خلال الأسابيع القادمة تغيرات على المواقف الإقليمية والدولية تجاه ليبيا، بعد توقيع الاتفاقيتين مع تركيا اللتين من شأنهما تغيير موازين القوى في المنطقة.

وتضاف الاتفاقيتان العسكريتان إلى التجاوزات السابقة للدبيبة، بعد توقيعه مذكرة تفاهم مع الحكومة التركية حول النفط والغاز، وهو ما يخالف اتفاق جنيف والاتفاقات الدولية.

وتأتي الاتفاقيتان بعد ثلاثة أسابيع على توقيع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اتفاقا في طرابلس، يسمح بالتنقيب عن النفط والغاز في مياه البحر المتوسط الليبية.

وقد بُني ذلك أيضا على اتفاق 2019، الذي رسم الحدود البحرية المشتركة بين البلدين، لكنه أثار غضبا في اليونان وقبرص.

وتم رفض الصفقة من قبل إدارة منافسة في شرق البلاد التي مزقتها الحرب، وكذلك مصر المجاورة، وكلاهما يجادل بأن ولاية الدبيبة كرئيس وزراء ليبي قد انتهت.

وصل الدبيبة إلى السلطة في إطار عملية سلام بقيادة الأمم المتحدة، في أعقاب المعركة التي اندلعت بعد هجوم حفتر على طرابلس.

ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، عانت ليبيا من الانقسامات والصراع السياسي. إذ تتنافس فيها حكومتان على السلطة: واحدة مقرها طرابلس (غرب) بقيادة الدبيبة منذ مطلع عام 2021، والأخرى بقيادة فتحي باشاغا عينها مجلس النواب في مارس الماضي.