الدائرة معادل موضوعي لسرمدية الحياة في أعمال السوري فداء منصور

يسعى الفنان التشكيلي السوري فداء منصور إلى تطوير تجربته الفنية التي أطلق عليها اسم “الدائرية”، وذلك عبر ولوجه إلى مواضيع متنوّعة ومناخات لونية مختلفة، مازجا بين الشخوص والأمكنة والطبيعة نحو الدهشة والمفاجأة بعيدا عن التقليدية والمتوقّع.
دمشق - يواصل الفنان السوري فداء منصور الذي اختص في تشكيل شخوص لوحاته بأشكال دائرية صرفة، في معرضه السابع المعنون بـ”أماكن”، والمقام حاليا في غاليري مصطفى علي بدمشق تقديم منجزه الفني الاستثنائي، عبر عشرين عملا زيتيا يجسّد فيها دواخل المرأة والطفل والإنسان وفق مفردات تشكيلية لا يأتيها إلاّ هو.
ويقول منصور حول تجربته الموسومة بـ”الدائرية”، “في الدائرية لا يوجد موضوع محدد، فكل لوحة توحي بحالة أو ذكرى عشتها أو تخيلتها، فيها شيء من السكون والعزلة وحالة الصداقة والأمومة والطقوس والفصول”.
ويضيف “اتجهت إلى الدائرية قبل عامين في معرضي الفردي بصالة أدونيا، وكانت غريبة وصادمة للبعض ولاقت الكثير من الاستغراب والنقد والنجاح في وقت واحد، وجاء مؤشر النجاح عبر اقتناء معظم الأعمال من قبل جمهور الفن في سوريا وخارجها”.
ودعّم منصور نجاح تجربته بمعرض ثان العام الماضي أقامه بنفس الرواق الحاضن لمعرضه الأخير، أي غاليري مصطفى علي، وجاء تحت عنوان “أمومة” ليواصل هذا العام تقديم سرديته البصرية باشتغالات أكثر نضجا وثراء من حيث اللون والموضوعات، التي شملت ما هو تراثي وحداثي على حد سواء.
ويقول منصور “أثارت الدائرة فضولي كونها هي الأصل والشكل الأكثر اكتمالا، وتدخُل في الكثير من التكوينات من حولنا من الأرض والشمس والقمر إلى دوران الأشياء حول بعضها، فعملت على البحث فيها لتأسيس مدرسة فنية خاصة تكون فيها الخطوط المنحنية نجمة اللوحة”.
ويتابع “عملت في البداية على تحليل بعض اللوحات القديمة بمنطق المدرسة الدائرية كالموناليزا، بالإضافة إلى مجموعة أعمال معاصرة عكست من خلالها رؤيتي ومشاعري تجاه مختلف المواضيع مستبعدا في الغالب الخط المستقيم، وإن كان هذا الخط هو جزء من الدائرة”.
وعن تجربة منصور بشكل عام ومدرسته الدائرية بشكل خاص قال الفنان مصطفى علي صاحب الغاليري، إنه يتابع تجارب الفنانين الشباب المتميزين كمنصور، وهذه التجربة الثانية التي يعرضها في الغاليري، وهو يعتمد في أعماله على التشخيص والحركة الدائرية في التكوين والألوان الجريئة والمساحة العريضة، كما يُقيم علاقة بين الخط واللون تتّسم بالجدة والطرافة، الأمر الذي ميّز تجربته باتباعه خطا يشبهه مع تحقيقه للتكنيك والتشخيص والبعد الجمالي والفني.
توصيف اتفق فيه معه الفنان التشكيلي السوري محي الدين الحمصي، الذي اعتبر أن منصور ما انفكّ يطوّر تجربته الدائرية عبر اشتغاله على الدائرة بمكنوناتها وفضاءاتها مع الجنوح إلى الحداثة، في لوحات تحكي الإنسان السوري بهواجسه وانفعالاته.
ويضيف منصور “وهو ما انسحب أيضا على عنصر اللون الذي يوحي بالأمل والفرح والدفء والحميمية، رغم أن بعض اللوحات فيها ضبابية في الخلفيات، إضافة إلى الرمز الشفاف فالقمر والوردة والكأس تشير إلى الأنوثة والبالونات إلى الطفولة”.
وحول حضور المكان في لوحات المعرض، اعتبر منصور أن المكان هو حيث يرسم، ولكن اللوحة تأخذه إلى أماكن أخرى، إذ يُسافر عبرها لتصبح هي المكان والزمان الذي يعيش فيه ومن خلاله معها وسط حالة من الالتحام الحميميّ أقرب إلى الصداقة منه إلى العلاقة النفعية بين الفنان والقماشة، فيبثّها هو أفكاره وتمنحه هي ديمومة لهذه الأفكار.
وأشار الفنان السوري إلى أنه أخذ منحى تشكيليا في الخط الدائري، خاصة وأنه يكتب بالخط العربي، مثبّتا هذه الفكرة عبر أكثر من تجربة، وفي كل مرة يكون هناك شيء أكثر نضوجا وتجديدا، محاولا إحداث مدرسة في هذا الاتجاه تميّزه وتُشبهه.
ويحاول منصور إيصال تجربته الدائرية إلى آفاق من الجمال والخصوصية المتفرّدة ليهرب بها من الزوايا الحادة والضيقة، فالدائرة عنده شكل أنثوي مرن وجميل فيه التكامل والقوة في الوقت ذاته، كما تجيء محمّلة بقيم الحوار والتسامح والتصالح، فتأتي لوحاته فاقدة إلى الأشكال القائمة في حدّة زواياها، لينة في دائريتها التي تجمع كل مكونات اللوحة وكأنها تحتضن ألوانها وشخوصها، لتنتشلها من صخب الحياة الخارجية وتأثيراتها المأسوية على عوالمها الداخلية المشكلة للوحة/ الفكرة بما هي رمز للسكينة والهدوء والطمأنينة المشتهاة.
وحول غلبة الأسلوب الواقعي على أعماله، يقول “لم أختر الأسلوب الواقعي، لكنه غالب في لوحاتي لتقديم رؤيتي للواقع بلمستي الخاصة من خلال اختيار المواضيع التي تروي قصة أو تمنح فرصة للتأمل، وذلك لإيصال اللوحة إلى الحالة التي أقتنع باكتمالها”.
ويجد منصور أن الحركة الفنية السورية تمتلك اليوم العديد من المبدعين، يتنافسون في ما بينهم ضمن الظروف الصعبة التي يعيشونها، مقرا بأن التنافس الإيجابي القاطع مع الفردانية والأنانية سيوصل أصحاب المشاريع الفنية الحقيقية والمتفرّدة إلى العالمية.
وهو في ذلك يعبّر عن تفاؤله بمستقبل التشكيل السوري، بقوله “المخاض الفني الذي يعيشه التشكيل السوري منذ اندلاع الحرب وحتى الآن، سيفرز تجارب جميلة وجريئة عليها أن تأخذ وقتها للنضوج”.
وفداء منصور من مواليد مدينة جبلة تخرّج في كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1999، وأكمل فيها الدراسات العليا، وهو مدرس في معهد الفنون التشكيلية والتطبيقية، له العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سوريا وخارجها، وأعماله مقتناة ضمن مجموعات خاصة.