الخوف يسكن العلويين في دمشق

حكومة الرئيس الشرع تعين لجنة لتقصي الحقائق في أحداث الساحل.
الجمعة 2025/03/28
الأمان يهجر حي القدم

دمشق - يعيش العلويون القاطنون في العاصمة دمشق حالة من الرعب منذ اندلاع أحداث العنف في الساحل السوري في وقت سابق من الشهر الجاري وما خلفته من مئات الضحايا في صفوف الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السابق بشار الأسد.

وتعرض علويون في دمشق لاعتقالات خلال تلك الأحداث، وذكر 13 شاهدا أن مسلحين اقتحموا منازل عائلات علوية في العاصمة السورية دمشق بحلول منتصف ليل السادس من مارس واعتقلوا أكثر من عشرين رجلا أعزل.

ومن بين المعتقلين من حي القدم بدمشق مدرس متقاعد وطالب يدرس الهندسة وفني إصلاح سيارات، وجميعهم من الطائفة العلوية.

وقبل ذلك بساعات، أطلقت مجموعة من الموالين للأسد تمردا مسلحا في المناطق الساحلية، على بعد نحو 320 كيلومترا إلى الشمال الغربي. وتبعت ذلك موجة من عمليات القتل الانتقامية أسفرت عن مقتل أكثر من ألف من العلويين.

وقال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع لرويترز إنه أرسل قوات في اليوم التالي لوقف العنف في منطقة الساحل السوري، لكنه أضاف أن المناطق كانت “واسعة”، والسيطرة عليها صعبة، وأن بعض المسلحين تدفقوا إلى المنطقة لمواجهة التمرد دون التنسيق مع وزارة الدفاع.

أعمال عنف طائفية وقعت في الأطراف الجنوبية للعاصمة السورية، على بعد بضعة كيلومترات من القصر الرئاسي

ووسط مخاوف من اتساع نطاق الصراع الطائفي في جميع أنحاء سوريا، حرصت حكومة الرئيس الشرع على التأكيد في أعقاب أعمال العنف على أن أعمال القتل كانت محدودة جغرافيا، وعينت لجنة لتقصي الحقائق في “أحداث الساحل”.

غير أن روايات الشهود الثلاثة عشر في دمشق تشير إلى أن أعمال عنف طائفية وقعت في الأطراف الجنوبية للعاصمة السورية، على بعد بضعة كيلومترات من القصر الرئاسي.

وقال أحد السكان، والذي خطف رجال ملثمون قريبه مهندس الاتصالات إحسان زيدان (48 عاما) في الساعات الأولى من السابع من مارس، “أي بيت علوي، خلعوا الباب وأخذوا الرجال.”

وأضاف “أخذوه فقط لأنه علوي.” وطلب جميع الشهود الذين تحدثوا إلى وكالة رويترز عدم نشر أسمائهم خوفا من الانتقام.

وحي القدم معروف بأنه موطن للعديد من العائلات العلوية. وتحدث شهود عن خطف ما لا يقل عن 25 رجلا. وأكد أقارب وجيران لهم لرويترز أن 12 منهم على الأقل تأكدت وفاتهم لاحقا، بعد أن شاهدوا صورا للجثث أو عثروا عليها بالقرب من الحي. ولم يُعرف مصير بقية الرجال.

وقال أربعة من الشهود إن بعض المسلحين الذين قدموا إلى حي القدم عرفوا أنفسهم بأنهم أعضاء في جهاز الأمن العام، وهو جهاز سوري جديد يضم مقاتلين سابقين بقوات المعارضة.

وصرح متحدث باسم وزارة الداخلية، التي يعمل تحتها جهاز الأمن العام، لرويترز “لم نستهدف العلويين بشكل مباشر، قوة الأمن تسحب السلاح من كافة الأطياف.”

ولم يُجب المتحدث عن أسئلة أخرى، بما في ذلك سبب اعتقال رجال عُزل في هذه العمليات.

وقال ياسر الفرحان، المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق في العنف الطائفي، لرويترز “عمل اللجنة إلى حد الآن محصور جغرافيا بالساحل”.

ويمثل العلويون نحو عشرة في المئة من سكان سوريا ويتمركزون في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين. كما تعيش الآلاف من العائلات العلوية منذ عقود في دمشق وحمص وحماة.

في رد فعل على تقرير رويترز، دعت هبة زيادين الباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش إلى إجراء تحقيق شامل في ما تردد عن المداهمات.

وقالت إن العائلات تستحق إجابات، وإن على السلطات ضمان محاسبة المسؤولين عن ذلك بغض النظر عن انتماءاتهم، وأضافت أنه إلى أن يحدث ذلك “ستستمر دوامة العنف والإفلات من العقاب.”

وتأكدت وفاة أربعة رجال في دمشق من نفس العائلة، وفقا لأحد أقاربهم الذي نجا من المداهمة بالاختباء في طابق علوي مع أطفال العائلة الصغار.

والرجال الأربعة هم محسن محمود بدران (77 عاما) وفادي محسن بدران (41 عاما) وأيهم حسين بدران (40 عاما)، الذي لم يلتحق بالخدمة العسكرية لأنه مولود بعيب خلقي في يده اليمنى، وصهرهم فراس محمد معروف (45 عاما).

وقال الشاهد إن أقاربهم زاروا مستشفى المجتهد وسط دمشق بحثا عن جثثهم لكن الموظفين منعوهم من دخول المشرحة وأحالوهم إلى مقر جهاز الأمن العام في حي القدم.

وأطلعهم مسؤول هناك على صور على هاتف محمول للرجال الأربعة وقد فارقوا الحياة. وقال قريبهم إن سبب الوفاة لم يُذكر، ولم يتسن التأكد من أي شيء من الصور.

وطلب المسؤول من العائلة استلام الجثث من مستشفى المجتهد، لكن الموظفين هناك نفوا وجودها لديهم. وقال قريبهم “إلى حد الآن ما قدرنا نلاقيهن وخايفين نسأل أي طرف عنهم.”

وذكرت امرأة من السكان أن أربعة رجال آخرين خُطفوا في الليلة نفسها عُثر على جثثهم في بستان بالقرب من حي القدم، وعليها إصابات طلقات نارية تُشير إلى أنهم قُتلوا “بطريقة الإعدام”، وقالت لرويترز إن أقاربهم دفنوا الجثث على الفور.

وتأكدت وفاة أربعة رجال آخرين، بعد أن تلقى أحد الأقارب صورا للجثث عبر تطبيق واتساب من رقم تركي.

في رد فعل على تقرير رويترز، دعت هبة زيادين الباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش إلى إجراء تحقيق شامل في ما تردد عن المداهمات

وأظهرت الصور، التي أرسلت لرويترز، أربعة رجال على الأرض، وجوههم مغطاة بالدماء والكدمات. وتحدثت رويترز مع قريب لأحد هؤلاء الأربعة والذي أكد أن من بينهم قريبه سامر أسعد البالغ من العمر 45 عاما والمصاب بإعاقة ذهنية، والذي اعتقل ليلة السادس من مارس.

وتساءل الرجل “أنا شو مفروض أعمل هلق؟ انتظر لياخذوني أنا وابني؟ نحن البقيانيين، شو لازم نعمل؟” ولا يزال معظم المخطوفين في عداد المفقودين.

ومن بينهم الطالب الجامعي علي رستم (25 عاما)، ووالده تميم رستم، وهو مدرس رياضيات متقاعد عمره 65 عاما، حسبما ذكر اثنان من أقاربهما. وقال أحدهما “ما عندنا لا أدلة، لا جثامين، لا معلومات.”

قالت إحدى قريبات ربيع عاقل، الذي يعمل فنيا لإصلاح السيارات، إن أفراد العائلة استفسروا في مركز شرطة محلي وأجهزة أمنية أخرى، لكن قيل لهم إنه لا يوجد معلومات حول مكانه.

وقارنت ما حدث بحالات الاختفاء القسري في عهد الأسد، عندما اختفى الآلاف داخل نظام سجون معقد. وفي الكثير من الحالات، علمت العائلات بعد سنوات بموت أقاربها في السجون.

وأكدت هي وشهود آخرون أن لجنة تقصي الحقائق لم تتصل بهم.

وقال جميع الشهود إنهم شعروا بضغوط لمغادرة حي القدم تحديدا لإنهم علويون. وفعل بعضهم ذلك بالفعل.

وأوضح أحد السكان الشباب أن مسلحين زاروا منزله عدة من المرات في الأسابيع التي تلت الإطاحة بالأسد، مطالبين بإثبات ملكية العائلة للمنزل وأنهم غير مرتبطين بعائلة الأسد.

ومنذ ذلك الحين، فر هو وعائلته، وطلبوا من جيرانهم المنتمين إلى طائفة السنة رعاية منزلهم.

وقال آخرون إنهم توقفوا عن الذهاب إلى العمل أو حصروا تنقلاتهم خلال النهار فقط لتجنب احتمالية اعتقالهم.

وذكرت امرأة أخرى في الستينات من عمرها أنها تسعى لبيع منزلها في حي القدم بسبب الخوف من اعتقال زوجها أو أولادها. وأضافت “بعد يللي صار، بس بدي أترك المنطقة.”

2