الخوف من الوصم يعيق المدمنين في الأردن عن الالتحاق بعيادات الطب النفسي

يؤكد خبراء علم النفس في الأردن أن العلاقة بين الأهل وأبنائهم اليافعين تلعب دورًا محوريًا في الوقاية من الإدمان؛ كون الأسرة هي المحطة الأولى والأساسية للتنشئة الاجتماعية والتوجيه. وأشاروا إلى أن تثقيف الأبناء وتوفير معلومات دقيقة وشاملة حول مخاطر المخدرات على الصحة والحياة الاجتماعية من أهم الإستراتيجيات التي يمكن للأهل اتباعها لتقليل تأثير الأقران السلبي ومجابهة المخدرات.
عمان - يشير خبراء علم الاجتماع إلى أن الأسرة تتأثر بالإدمان بشكل مباشر وذلك من خلال المعاناة المستمرة من العزلة الاجتماعية والتكتم على سلوكيات المدمن وتحاشي الارتباطات الاجتماعية. وقد تدخل الأسرة أو بعض أفرداها في صدام مع المدمن نتيجة طلبه للمال، وتكون الأسرة في ترقب وخوف دائم ومحاولات مستمرة للإنكار بسبب الخوف من الوصم الاجتماعي الذي يتسبب في قطيعة بين الأسرة والمجتمع.
كما أن أبرز مشكلة للمتعاطين وذويهم هي الخوف من وصمة العار المجتمعي عند الالتحاق بعيادات الطب النفسي وعلاج الإدمان. ويعرّف الأطباء الإدمان بأنه حالة يعتمد فيها الفرد على مادة أو سلوك بشكل مفرط إلى درجة تؤثر سلباً على حياته اليومية، وغالبا ما تحتاج المعالجة إلى استشارة طبية متخصصة أو نفسية والكثير من الدعم من الأسرة والأصدقاء.
ويجمع الأطباء في مختلف أنحاء العالم على أن المخدرات سبب رئيسي في أمراض القلب والكبد والرئتين، ومن شأن تعاطيها تدمير الجهاز العصبي وتزايد احتمالات الإصابة بالسرطان، إضافة إلى المشاكل النفسية والاجتماعية والأضرار المادية.
وبحسب وكالة الأنباء الأردنية (بترا) يوجد في الأردن مركز لتأهيل المدمنين في منطقة شفا بدران، وهو تابع لوزارة الصحة، ووحدة إدخال تابعة لإدارة مكافحة المخدرات في منطقة عرجان، إضافة إلى 54 عيادة نفسية حكومية منتشرة في محافظات المملكة كافة تعنى بعلاج الاضطرابات النفسية المختلفة بما فيها تلك الناتجة عن استخدام المؤثرات العقلية مجانا، سواء للأردنيين أو اللاجئين أو العرب المقيمين في المملكة ودون الحاجة إلى بطاقة التأمين الصحي، مشيرة إلى أن القانون الأردني يعفي مستخدمي هذه المواد من العقوبة في حال توجهوا إلى هذه المراكز والعيادات لتلقي العلاج، وبشكل سري يحفظ خصوصية المرضى.
وقال رئيس قسم تأهيل المدمنين في المركز الوطني لمعالجة الإدمان الدكتور أحمد الحنيطي إن المركز أنشئ عام 2000 إيمانا من الدولة الأردنية ووزارة الصحة بأهمية علاج هذه الآفة، حيث تم رفده بـ56 من الكفاءات وتبلغ سعته 40 سريرا موزعة بين الذكور والإناث، مشيرا إلى أنه تتم متابعة الحالات التي لا تستدعي الإدخال على مدار أيام طيلة أيام الأسبوع.
وبلغ عدد المرضى الذين تم إدخالهم منذ بداية العام 301 مريضا وعدد المرضى الذين تم علاجهم 134 وعدد المراجعات الخارجية 4566. وعزا الحنيطي ضعف الإقبال على هذه المراكز بشكل عام إلى الخوف من أن يتم التبليغ عن المرضى، إلى جانب الخوف من وصمة العار الخاصة بالموضوعات الحساسة المتعلقة بالطب النفسي وعلاج الإدمان.
وأكد الحنيطي خصوصية المعالجة في المركز من حيث سرية المعلومات، مطمئنا الراغبين في تلقي هذا النوع من العلاج بأنه فعال جدا ويتم بسرية تامة وفقا للحقوق الأساسية للمرضى، ومؤكدا أن بروتوكول علاج الإدمان المتبع في المركز الوطني للصحة النفسية هو مجموعة من الإستراتيجيات والخطوات المنهجية التي تساعد المدمن على العودة إلى حياته الطبيعية.
◙ هناك 54 عيادة نفسية حكومية منتشرة في محافظات المملكة تعنى بعلاج الاضطرابات النفسية المختلفة
من جانبه بين اختصاصي الطب النفسي ومعالجة الإدمان الدكتور قاسم الريماوي أن المراكز العلاجية تركز على إزالة سمية المواد المخدرة بطريقة علمية وتحت إشراف طاقم طبي متخصص، وتقديم الدعم النفسي والسلوكي في المرحلة الثانية من العلاج من خلال جلسات العلاج النفسي والنشاطات الرياضية داخل المركز، إضافة إلى مساعدتهم على تبني طرق صحية أكثر للتعامل مع ضغوط الحياة اليومية والمشاكل النفسية التي قد يمرون بها.
وأشار الريماوي إلى أن المركز يقدم خدمات المراجعات في العيادات الخارجية بشكل منتظم بعد الخروج منه، ويضمن إجراء الفحوصات الطبية والنفسية اللازمة، للتحقق من عدم عودة المرضى إلى هذه المواد، كما يعمل على تقديم الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية بما يتناسب مع حالاتهم وبشكل مستدام.
بدورها بينت المتخصصة في علم الاجتماع وعلم الجريمة في الجامعة الأردنية الدكتورة مجد القبالين أنه بالرجوع إلى تعريف المُخدرات الذي أطلقته مُنظمة الصحة العالمية والذي يتمحور حول مواد تُسبِب الإدمان وتُسمِم الجهاز العصبي، فإن لفظ “مُخدِر” يطلق على ما يُذهِب العقل ويُغيبه؛ لاحتوائه على مواد كيميائية تؤدي إلى النُعاس والنوم أو غياب الوعي، أو هي كُل المواد التي تُستخدم في غير الأغراض الطبية، ينتُج عن تعاطيها تغير في وظائف الجسم والعقل، ويؤدي الإفراط في تناولها إلى حالة من التعوُد والإدمان بالإضافة إلى الآثار الجسمية والنفسية والاجتماعية.
وأوضحت القبالين أن تعاطي المُخدرات يُذهب العقل ويسبب الهلاوس، ما يزيد من منسوب الجريمة في المُجتمع، مشيرة إلى أن الكثير من جرائم القتل ارتكبت والجاني تحت تأثير مادة مُخدِرة من شأنها أن تحول الإنسان من شخص سوي مُتزِن نفسياً إلى آخر عدائي للمُجتمع ورُبما مُجرِم.
وعزت القبالين ضعف الإقبال على مراكز علاج المُخدرات من قبل المُدمنين وذويهم بالدرجة الأولى إلى حالة الرُهاب الاجتماعي، أي الخوف من المواقف التي قد يحكم فيها الآخرون على المدمن وذويه حكمًا سلبيًا، موضحة أن مروجي وتُجار المُخدرات هم في الأغلب من ينشر ويرسخ هذه المعلومة الخاطئة لأن من مصلحتهم تشويه صورة مراكز العلاج والتشكيك في سياساتها العلاجية لإبقاء المتعاطي “زبونا دائما” لتجارتهم الخبيثة.
وبينت تالا الكرد، اختصاصية العلاج النفسي، أن الإدمان عند اليافعين يمثل قضية تحتاج إلى اهتمام كبير من قبل المجتمع والأسر، لأن هذا النوع من الإدمان يعتبر تحديًا معقدًا تتداخل فيه العديد من العوامل النفسية والاجتماعية والبيولوجية.
ووفقا للكرد فإن للأقران تأثيرا كبيرا على سلوكيات الأفراد في مرحلة المراهقة، حيث يسعى اليافعون في هذه المرحلة إلى الانتماء وقبول من حولهم وقد يدفع الفضول الطبيعي والرغبة في التجربة بعض اليافعين إلى تجربة مواد قد تكون ضارة، لافتة إلى أنه من أجل مكافحة هذا التأثير من الضروري توفير بدائل إيجابية للشباب، مثل الانخراط في الأنشطة الرياضية والثقافية، لتعزيز مهارات اليافعين في اتخاذ القرارات ومقاومة الضغوط الاجتماعية.
ولفتت الكرد إلى أن العلاقة بين الأهل وأبنائهم اليافعين تلعب دورًا محوريًا في الوقاية من الإدمان؛ لأن الأسرة هي المحطة الأولى والأساسية للتنشئة الاجتماعية والتوجيه، كما أن الأهل الذين يحافظون على تواصل مفتوح ومستمر مع أبنائهم يسهمون بقوة في بناء مستوى عال من الثقة والاحترام المتبادل، موضحة أن هذه العلاقة الإيجابية تتيح لليافعين التعبير عن مشاعرهم ومشاكلهم دون خوف من الحكم أو الانتقاد، ما يقلل من احتمالات اللجوء إلى الإدمان كوسيلة للهروب أو التكيف مع الضغوط.
وعرضت عددا من الإستراتيجيات لتقليل تأثير الأقران السلبي ومجابهة المخدرات، والتي يمكن للأهل اتباعها، منها تثقيف الأبناء وتوفير معلومات دقيقة وشاملة حول مخاطر المخدرات على الصحة والحياة الاجتماعية، وتشجيع ممارسة الأنشطة الإيجابية بما يعزز مهاراتهم، إضافة إلى تقديم الدعم والتوجيه للمساعدة في مواجهة الضغوط الاجتماعية التي قد تواجههم.