الخوف من الحياة الزوجية وراء اشتراط المرأة حق تطليق نفسها

خبراء يقولون إن المرأة التي تطلق نفسها مثل المرأة التي يطلقها الرجل من حقها الحصول على كافة حقوقها الشرعية من النفقة هي وأولادها إذا كانت حاضنة وأيضا نفقة متعة.
الاثنين 2019/07/29
الثقة أحد الأعمدة الأساسية لأي علاقة ناجحة

تنص التشريعات في البعض من الدول العربية على حق المرأة في تطليق نفسها من زوجها، فعبارة “اذهب وأنت طالق” يمكن أن تتفوه بها المرأة بحكم شرط أن تكون العصمة بيد الزوجة. لكنّ الأخصائيين في علم النفس يؤكدون أن الأمر ليس مجرد عناد من المرأة بل نابع من شعور بعدم الأمان إلى جانب الخوف من الحياة الزوجية، وهما من المشاعر التي مصدرها قوالب اجتماعية أثرت على طريقة تفكير المرأة، فيما يشدد علماء الاجتماع على أن هذا النوع من العلاقات الزوجية يعكس حالة من عدم الثقة بين الطرفين ما يهدد استقرار العائلة بأسرها.

القاهرة – في بعض الأحيان تطلب الزوجة أن تكون عصمتها بيدها، وهي الحالات التي يكون فيها الزوج مضطرا إلى الخضوع لهذا الشرط من جانب المرأة التي يرغب في الزواج منها، تحت ضغوط مختلفة قد تكون من قبيل تعلقه الشديد بهذه المرأة، أو رغبته في الزواج منها لأسباب معلومة لكل من طرفي علاقة الزواج.

وتترتب على احتفاظ المرأة بحق طلاقها لنفسها نتائج قانونية واجتماعية ونفسية مختلفة، فعلى الصعيد القانوني قد يكون من حق المرأة تطليق نفسها مرة واحدة أو أكثر من مرة، حسب الاتفاق في عقد الزواج.

وهو ما يؤكده عمرو اسماعيل، المحامي في المحاكم المصرية، الذي يقول إن “استعمال العصمة لدى المرأة يكون لمرة واحدة إلا إذا كان هناك عقد بينها وبين زوجها ينص فيه على أن صيغة العصمة تحمل معنى التكرار، أي تستعملها في أي وقت وبأي عدد من المرات”.

ويوضح أن المرأة بمقتضى هذا الاتفاق المدون في عقد الزواج يكون من حقها أن تطلق نفسها مثل الرجل طلقة أولى وثانية وثالثة، لأنها إذا طلقت نفسها فسيكون طلاقا رجعيا، أي أن الزوج يستطيع أن يراجعها في فترة العدة خلال ثلاثة شهور فيردها إلى عصمته بإرادته هو فيكون لها الحق، وعندئذ تطلق نفسها مرة ثانية وإذا راجعها مرة ثانية أثناء الثالثة تطلق نفسها أيضا، أي أنها تستعمل حق العصمة كاستعمال الرجل له تماما.

لا يكون الأبناء بمنأى عن التداعيات الناجمة عن العلاقة المختلة بين الوالدين

ويضيف إسماعيل أنه بالنسبة إلى حقوقها الشرعية، فالمرأة التي تطلق نفسها مثل المرأة التي يطلقها الرجل من حقها الحصول على كافة حقوقها الشرعية من النفقة هي وأولادها إذا كانت حاضنة وأيضا نفقة متعة، رغم أنها هي التي تطلق نفسها طالما لجأت إلى هذا القرار مضطرة نتيجة الضرر الذي وقع عليها من قبل الزوج، ولكن إذا ثبت للمحكمة أنها طلقت نفسها دون ضرر واقع عليها من الزوج تحرم من نفقة المتعة.

وهناك العديد من الدوافع النفسية التي تجعل المرأة تطلب أن تكون العصمة في يدها. وتقول الدكتورة نيفين زيور، أستاذة علم النفس بكلية الآداب جامعة عين شمس، إنه إذا أدركنا دوافع المرأة وراء هذا الشرط سنجد لها العذر لأنها حتما تواجه مشكلة تجعلها تشعر بالخوف والرعب من الحياة الزوجية، ولا تشعر بالأمان والاستقرار، لذلك تظل تبحث عن هذا الاستقرار حتى تجده في الرجل الذي تتمناه زوجا.

وتؤكد زيور أنه رغم ذلك يظل الخوف من الفشل يلاحق المرأة، لذلك تشترط على زوج المستقبل أن تكون العصمة بيدها ظنا منها أن هذا الشرط حماية لها من الفشل أو من معايشة تجربة قاسية، بهذا لا يكون هدفها من وراء هذا الشرط المنفعة المادية أو المصلحة، ولكنه فقط الخوف الذي منعها من أن تحيا حياة طبيعية فهي لا تضمن حياتها مع هذا الزوج.

وتشير الدكتورة زيور إلى أنه في بعض الحالات تخشى الزوجة ألا يحسن الزوج معاملتها أو تخشى أن يتركها فجأة، معتبرة أن مثل هذه الخشية قد تكون نتيجة تجارب في الماضي تركت لديها رواسب سلبية جعلتها تجاهد حتى تضمن استقرارها.

وتضيف أنه عندما تطلب المرأة من زوج المستقبل أن تكون العصمة بيدها فإنه يظن أنها بهذا الطلب تريد إذلاله أو الإطاحة برجولته وكرامته، دون أن يحاول الوصول إلى دوافعها الحقيقية ويتفهمها ودون أن يدرك مخاوفها المرضية، لذلك فهو يرفض.

وفي هذه الحالة تكون المرأة أمام أمرين: إما أن تتنازل عن هذا الشرط إذا كانت تحبه ولا تريد التفريط فيه وتبدأ حياتها معه ولكنها في أعماقها تتوقع الغدر منه في أية لحظة، وإما أن تضحي به رغم حبها له وتجد أنه من الأصلح لها ألا ترتبط بمن أحبت طالما أنه خذلها ورفض شرط قبولها الزواج منه.

المرأة التي تطلب أن تكون العصمة بيدها قد تكون تربت وكبرت وبداخلها إحساس بعدم الثقة تجاه الرجل نتيجة مواقف وأفكار تعرضت لها منذ الصغر

أما عن التحليل الاجتماعي لظاهرة طلب الزوجة أن تكون العصمة بيدها، فتوضح الدكتورة حنان حسن سالم -أستاذة علم الاجتماع- أن الرجل يرى أن كرامته تهدر عندما تطلب المرأة التي يرغب في الزواج بها هذا الطلب. وتعتبر أن الرجل عندما يشعر بمثل هذا الشعور فله الحق في ذلك، لأن الرجل بالفعل في مثل هذه الحالة تهدر كرامته وقيمته ومركزه كزوج وراع لزوجته.

لكن الدكتورة حسن سالم تشير إلى أنه إذا وافق الزوج على هذا الزواج تكون له أسبابه أيضا، فإما أنه يشعر بالتميز الشديد لتلك المرأة التي اختارها ولا يريد التفريط فيها وإما أن يكون لديه شعور بالدونية، وفي كل الأحوال يفشل الزواج في معظم الحالات.

وتفسر الأمر بأنه بعد الزواج نجد أن الزوج يشعر بحالة من عدم التوافق مع هذا النوع من العلاقة الزوجية، فيكون له رد فعل عكسي لمحاولة السيطرة وإثبات رجولته وسيطرته كزوج، ويظهر ذلك في بعض السلوكيات العنيفة تجاه الزوجة، مما يخلق المشكلات التي تتزايد مع مرور الأيام وتتسع الفجوة بينهما ويحدث الطلاق.

وتقول الدكتورة حسن سالم إنه بالنسبة إلى المرأة التي تطلب أن تكون العصمة بيدها فهي قد تكون تربت وكبرت وبداخلها إحساس بعدم الثقة تجاه الرجل نتيجة مواقف وأفكار تعرضت لها منذ الصغر، وكونت هذا الاتجاه لديها، لذلك حينما تتزوج تشعر في قرارة نفسها بأن هذه الزيجة مؤقتة نتيجة فقدان الثقة في الزوج، وبالتالي يؤدي هذا إلى زواج مصيره الفشل لأن الثقة أحد الأعمدة الأساسية لأي علاقة ناجحة، فمن باب أولى أن تكون متوافرة بين الزوجين إلى جانب الاحترام.

ولا يكون الأبناء بمنأى عن التداعيات الناجمة عن العلاقة المختلة بين الوالدين. وتشير الدكتورة حسن سالم إلى أن الأبناء في مثل هذه الحالة يفقدون احترامهم للأب لأنهم أدركوا منذ صغرهم الخلل في العلاقة بين الأب والأم.

وتؤكد أستاذة علم الاجتماع أن عدم احترام الوالد على المستوى الأسري يؤدي إلى انهيار القيم والمبادئ والمثل المستمدة من العرف والتقاليد والقانون وقبل كل ذلك من الكتب السماوية، مما يؤدي في النهاية إلى أسرة فاشلة، وبالتالي إلى مجتمع فاشل. وتعتبر الدكتورة حسن سالم أنه لكل هذه الأسباب لا تعد العصمة في يد الزوجة من الأساليب المفضلة في إتمام الزواج لأنها تحمل في طياتها أسباب انهياره.

21