الخليج أمام حتمية تضييق فجوة تمويل الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري

تسريع إحلال مزيج الغاز والطاقات المتجددة أو النووية وسيلة لتحقيق هدف صافي الصفر وإستراتيجية التنويع بهدف تخصيص إنتاج النفط للتصدير.
الثلاثاء 2025/01/07
طريقكم لا يزال طويلا

يتفق معظم المحللين على أن دول الخليج العربي أصبحت اليوم أمام حتمية تضييق فجوة التمويل بين الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري أكثر من أي وقت مضى بالنظر إلى الفرص الاستثمارية المتاحة لترك بصمتها ضمن الجهود العالمية لخفض الكربون.

لندن – يشكل التباين الإقليمي واسع النطاق الموجود في أنماط ووتيرة تبني الطاقة المتجددة إحدى سمات التحول الأخضر، حيث لا يزال نظام الطاقة في الشرق الأوسط يعتمد بشكل كبير على النفط والغاز.

ومع ذلك، فإن في هذه المنطقة، وخاصة في الخليج العربي، يمكن رؤية البعض من أكثر مشاريع الطاقة المتجددة نشاطا، وخاصة الطاقة الشمسية، والابتكارات في التقنيات لجعل استخراج النفط والغاز التقليدي أقل كثافة كربونية. ولكن النقطة الأهم تتمحور الآن حول كيفية تقريب حجم التمويلات والاستثمارات الممكنة بين الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري.

ومن المتوقع أن تستفيد دول الخليج في عام 2025 من الارتفاع في الطلب العالمي على الطاقة باستخدام كل من استخراج النفط والغاز التقليديين مع تعميق الاستثمار في سوق الطاقة المتجددة المتنامية باستمرار.

وتقول الخبيرة الاقتصادية كارين إي يونغ إن خطوط اتجاه الطاقة وخاصة الطلب عليها تفرز ديناميكيات جديدة في السوق، حيث توجد حاجة واضحة لتمويل التحول إلى إنتاج طاقة أقل كربونا، ولكن هناك أيضا فرصة كبيرة لتوسيع عروض الطاقة التقليدية.

ويعد توليد الطاقة المتجددة أسرع مصدر للطاقة الأولية نموا في العالم، حيث أضافت طاقتا الرياح والشمس 462 غيغاواط من القدرة الجديدة في عام 2023، بزيادة 67 في المئة على أساس سنوي.

وبينما تبدو الصين وحدها مسؤولة عن 25 في المئة من الطاقة الشمسية الجديدة، شهدت الأسواق الناشئة، التي يهيمن عليها النمو في الهند والصين، زيادة في توليد الكهرباء من الفحم بنسبة 9.3 و6.9 في المئة تواليا بمقارنة سنوية.

متوسط الاستثمار منخفض الكربون يجب أن يتراوح بين 15 و25 مليار دولار سنويا على الأقل
متوسط الاستثمار منخفض الكربون يجب أن يتراوح بين 15 و25 مليار دولار سنويا على الأقل

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تضيف دول المنطقة العربية 62 غيغاواط من قدرة الطاقة المتجددة على مدى السنوات الخمس المقبلة، بحسب منصة “عرب دايجست”. ووفقا لمنصة جمع البيانات ستاتيستا الألمانية، بلغت سعة توليد الطاقة المتجددة الإقليمية حوالي 28.5 غيغاواط في عام 2022.

بالنظر إلى ذلك ترى يونغ التي نشرت تقريرا بالتعاون مع جمعية المصرفيين العرب عبر منصة “عرب بانكر” أنه في حين قد تشكل حاليا حصة صغيرة من الطاقة البديلة العالمية الحالية والمخطط لها، فإن الهدف من الوصول إلى أكثر من 100 غيغاواط في السنوات الخمس المقبلة هو قفزة كبيرة.

ومن الأمثلة على ذلك السرعة التي تطور بها مشاريع الطاقة المستقلة كبيرة الحجم. ففي 2023، منحت المنطقة العربية ما مجموعه 25.3 مليار دولار لعطاءات مشاريع الطاقة والنقل، وفقا لموقع ميد لذكاء الأعمال في الشرق الأوسط.

وشكلت السعودية أكثر من نصف الاستثمارات في تلك السنة، بما في ذلك 4 مشاريع طاقة مستقلة تعمل بتوربينات الغاز بسعة إجمالية تبلغ 7.2 غيغاواط. وشملت المشاريع محطة رابغ للطاقة بقدرة 1.2 غيغاواط إلى جانب 6.7 غيغاواط من مشاريع الطاقة الشمسية.

وفي 2024 استمرت السعودية في طرح عطاءات المشاريع عبر البرنامج الوطني للطاقة البديلة مع 3.7 غيغاواط من الطاقة الشمسية و1.8 غيغاواط من طاقة الرياح.

كما تعمل الإمارات على زيادة مشاريع الطاقة والنقل من مستويات 2023، وفقا لمنصة ميد، حيث تجاوزت في الفترة من يناير إلى مارس 2024 تلك الخاصة بعام 2023 بالكامل.

وتؤكد يونغ وهي باحثة أولى حاليا في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا أن محطات الطاقة التي تعمل بالغاز هي في الواقع مشاريع انتقالية في الخليج. وتمثل المنطقة العربية 27 غيغاواط من 134 غيغاواط من مشاريع الطاقة، التي تعمل بالغاز على مستوى العالم قيد التنفيذ حتى يناير 2024.

وبالنسبة لدول الخليج، فإن استبدال توليد الطاقة بالنفط بمزيج من الغاز والطاقة المتجددة، أو الطاقة النووية، هو وسيلة لتحقيق هدف صافي الصفر وإستراتيجية التنويع لتخصيص النفط للتصدير.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك زخم لتوسيع إنتاج الغاز الإقليمي في الخليج، بتمويل من بيع بعض أصول البنية التحتية، ومن خلال الشراكة مع المستثمرين الأجانب.

وعلى سبيل المثال، وقعت شركة أدنوك الإماراتية اتفاقيات مع شركات طاقة دولية للتخلص من 40 في المئة من مشروع الغاز في الرويس. وستمتلك كل من بي.بي وشل وميتسوي آند كو وتوتال إينرجيز حصة تبلغ 10 في المئة لكل منها.

ويتميز هذا التحول في مجال الطاقة بكل ما سبق باحتضان مزيج متنوع من الطاقة المحلية، والتسارع والاستثمار في منتجات الكربون للتصدير. وتقول يونغ إن في ضوء ذلك، قد تكون هناك فرصة كبيرة لشركات النفط والغاز التقليدية المملوكة للدولة للجمع بين قواها وشركات الطاقة الدولية.

وتشير وكالة ستاندر آند بورز إلى أن متوسط الاستثمار منخفض الكربون لشركات النفط الخليجية يجب أن يتراوح بين 15 و25 مليار دولار سنويا على الأقل لمواكبة حجم استثمارات نظيراتها المدرجة عالميا.

ومع ذلك، من حيث سوق القروض العالمية، تأتي أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في المرتبة الثانية من حيث الحجم بعد الأميركتين، وأكبر من سوق القروض في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وشكل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 10 في المئة من إجمالي الإقراض في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا للفترة التي تغطي عام 2023 حتى نهاية يونيو 2024.

ووفقا لبيانات ديالوجيك سيتي، فإن القطاعات التي تهيمن على الإقراض في المنطقة هي الطاقة، حيث يتصدر قطاع النفط والغاز، يليه قطاع المرافق، الذي يشكل أكثر من 30 في المئة من سوق القروض في المنطقة.

وبالنسبة للتمويل الإقليمي، يعني هذا أنه ستكون هناك فرص هائلة في العقود القادمة من حيث قطاع الطاقة، وتبريد المناطق، والطاقة المتجددة، ومشاريع الطاقة التقليدية.

ووفقا للمحللين في غولدمان ساكس، تخطط السعودية والإمارات لاستثمار ما يقرب من 300 مليار دولار لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عامي 2060 و2050 تواليا.

واستنادا إلى افتراض تمويل الديون بنسبة 70 في المئة، وهو نموذجي لصفقات تمويل المشاريع، فقد تكون هناك فرصة تمويل إضافية بقيمة 200 مليار دولار.

كما تغتنم البنوك الإقليمية الخليجية الفرصة لإنشاء منتجات تمويل مستدامة مثل السندات الخضراء والصكوك، فخلال مؤتمر كوب 28 في دبي عام 2023، تعهد اتحاد مصارف الإمارات بتقديم 272 مليار دولار لتمويل مستدام نيابة عن 56 من المقرضين الأعضاء.

وشملت العروض الخضراء الأخيرة إصدار بنك أبوظبي الإسلامي صكوكا مقومة بالعملة الأميركية بقيمة نصف مليار دولار، وهي الأولى من نوعها عالميا تصدرها مؤسسة مالية.

كارين إي يونغ: خطوط اتجاه الطاقة تفرز ديناميكيات جديدة في السوق
كارين إي يونغ: خطوط اتجاه الطاقة تفرز ديناميكيات جديدة في السوق

كما أصدر بنك أبوظبي التجاري سندات خضراء، بما في ذلك سند بقيمة 500 مليون دولار في 2022 و650 مليون دولار في سبتمبر 2023، تلا ذلك إصدار بنك الإمارات دبي الوطني لسندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار في أكتوبر 2023.

ويتصدر بنك أبوظبي الأول سوق السندات الخضراء الإقليمية بأكثر من 15 إصدارا بست عملات منذ عام 2017. وعرض بنك الرياض على المستثمرين السعوديين عددا من صكوك الاستدامة، بما في ذلك صكوك بقيمة 750 مليون دولار لتمويل المشاريع الخضراء والاجتماعية في عام 2022.

كما تعهد بنك الراجحي بتخصيص 800 مليون دولار لتمويل مشاريع الطاقة البديلة في 2002، بما في ذلك الأموال المخصصة لمشاريع الأمونيا الخضراء والهيدروجين في المنطقة.

وفي خضم ذلك، باتت خيارات الخدمات المصرفية للأفراد المستدامة أكثر شيوعا، حيث يسعى المستثمرون إلى الحصول على “ودائع خضراء” لدعم مبادرات التمويل الأخضر، بما في ذلك إطلاق وديعة التجزئة في عام 2022 من قبل بنك الأول السعودي (ساب).

وهناك أيضا سوق متنامية لتداول أرصدة الكربون. فقد أطلقت السعودية آلية احتساب وتعويض غازات الاحتباس الحراري في أوائل عام 2024، لتكمل بذلك شركة سوق الكربون الطوعية الإقليمية القائمة التي أطلقت في عام 2022.

وفي الوقت نفسه، أطلقت سوق أبوظبي العالمية بورصة الكربون الخاصة بها ومركز تبادل الكربون في عام 2022 وهو ما يشكل أول سوق طوعية منظمة للكربون في المنطقة.

وعلاوة على ذلك، ثمة مبادرات خاصة وفيرة في الخليج لإنشاء أرصدة الكربون من خلال عروض الأراضي والتنوع البيولوجي، بما في ذلك مبادرة شركة بلو كربون التي تتخذ من دبي مقرا لها.

ويعني حجم التحول في مجال الطاقة والطلب المستمر على المنتجات التقليدية كثيفة الكربون أن مجموعة الصفقات وتمويل المشاريع والمنتجات المالية الجديدة ستستمر في التوسع. ومع استمرار الحكومات في زيادة أهدافها الخاصة بالقدرة المتجددة وإنتاج الطاقة التقليدية، فإن التمويل سيكون مطلوبا بشدة.

وتقدر غولدمان ساكس أن ما بين 190 و212 مليار دولار من الاستثمارات قد تكون مطلوبة لتحقيق أهداف تركيب الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي بين 2030 و2035.

ولا يتعلق الأمر فقط بتمويل المشاريع، والذي سيتطلب التمويل والشراكات بين المستثمرين المحليين والأجانب، بل يتطلب أيضا تمكين إزالة الكربون عبر الصناعة ونقل التكنولوجيا، بما في ذلك خطط تطوير التصنيع المحلي للألواح الشمسية في السعودية.

وفي حين تستمر الحكومة في كونها المحرك لاتخاذ القرارات بشأن البنية التحتية للطاقة، هناك دعوات متزايدة للبنوك الإقليمية والمؤسسات المالية الأخرى لبذل المزيد من الجهود للاستجابة للحجم الهائل للتحول في نظام الطاقة الجاري.

11