الخلاف حول تغطية أعمال البرلمان يغيب مؤسسة ديمقراطية عن النقاش العام في تونس

اتهامات تطال الصحافيين بعدم معرفة آليات الإعلام البرلماني.
الأربعاء 2023/04/12
ممنوع حتى إشعار آخر

تونس - عقد مجلس النواب في تونس الثلاثاء جلسة عامة للنظر في مشروع قانون نظامه الداخلي والتصويت عليه. ومنع على وسائل الإعلام الخاصة والأجنبية تغطية المداولات للمرة الثانية على التوالي، فيما سمح بها للإعلام العمومي فقط.

وعلى خلفية ذلك تجدد الجدال حول تغطية وسائل الإعلام لأعمال البرلمان التونسي. وأكدت رئاسة المجلس في بيان على موقع فيسبوك أنه "سيتم تأمين النقل التلفزيوني المباشر للجلسات المخصصة للنظام الداخلي عبر التلفزة الوطنية التونسية، وقناة يوتيوب التابعة للمجلس، مع مواكبتها وتغطيتها من قبل مؤسسات الإعلام العمومي".

لكن البيان أكد أنه سيتم عقب المصادقة على النظام الداخلي دعوة المؤسسات الإعلامية العامة، والخاصة، والأجنبية المعتمدة في البلاد، إلى “تعيين من يمثّلها لمتابعة أعمال البرلمان وذلك في إطار نظام الاعتماد الذي سيقع إرساؤه وفق مقتضيات النظام الداخلي للمجلس".

وقال رئيس لجنة النظام الداخلي في البرلمان عماد أولاد جبريل إن القرار “إداري بحت والتزام بما تم إقراره في الجلسة الافتتاحية، كما أن لجنة النظام الداخلي لا صلاحيات لها لإعطاء موافقة لمشاركة الإعلاميين من عدمها”. وأضاف "النظام الداخلي للبرلمان الذي ستتم المصادقة عليه هو الذي سينظم عمل المجلس والإدارة، وفيه إقرار رسمي يسمح للإعلاميين بمواكبة نشاطه سواء في اللجان أو خلال الجلسات العامة".

لكن نقابة الصحافيين رفضت هذا الإجراء، واعتبرته “خرقا واضحا” للدستور التونسي و”يكرس سياسة التعتيم التي انتهجتها السلطة التنفيذية سابقا وتواصل تنفيذها السلطة التشريعية”، بحسب بيان أصدرته. ونظم العشرات من الصحافيين التونسيين وقفة احتجاجية أمام البرلمان رفضا لمنع المراسلين المحليين والأجانب من تغطية جلسة المصادقة على مشروع النظام الداخلي للبرلمان الثلاثاء.

ورفع الصحافيون خلال الاحتجاج الذي دعت إليه النقابة الوطنية للصحافيين، لافتات كتب عليها "ثابتون في الدفاع عن حرية الصحافة” و"لا لتقييد الصحافيين ولا لمحاربة الصحافة". كما ردد المحتجون شعارات من قبيل "إعلام حر صحافة مستقلة" و"وطنية وطنية.. الصحافة التونسية".

صلاح الدين الدريدي: أنصح المتباكين والمهتمين باقتناء كتاب الإعلام البرلماني
صلاح الدين الدريدي: أنصح المتباكين والمهتمين باقتناء كتاب الإعلام البرلماني

وقال محمد ياسين الجلاصي، نقيب الصحافيين، “قرار منع الصحافيين من تغطية جلسات البرلمان يخفي وصاية يمارسها رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة على الشعب التونسي وعلى النواب بمنعهم أيضا من الإدلاء بتصريحات صحافية". ولفت إلى أن "رئيس البرلمان يريد تحويل هذه الغرفة التشريعية إلى غرفة مظلمة بعيدة عن رقابة الإعلام والمجتمع، يقومون فيها بما يشاؤون دون مساءلة”. وأكد أنه "لا يوجد خلاف بين الإعلاميين والبرلمان، وإن وُجد فسيتم تجاوزه".

ورغم هذا التصعيد، إلا أن هناك آراء أخرى لخبراء إعلام اعتبرت أن هذا التصعيد مبالغ به، ولا يصب في مصلحة المواطن، حيث أصبح الإعلام البرلماني يشكو ضعف اهتمام المواطنين، بالنظر إلى الإمكانات التي باتت متاحة للمواطن في الاطلاع على الأخبار والتحليلات والتعبير عن المواقف والآراء.

وخلال السنوات الماضية، ورغم إتاحة المجال لجميع وسائل الإعلام لتغطية أعمال البرلمان، إلا أن العديد من الجوانب لا تحظى بالتغطية الكافية لتمكين المواطن من تشكيل صورة موضوعية وواقعية حول المؤسسة البرلمانية.

وعلق أستاذ الصحافة والإعلام صلاح الدين الدريدي على الجدل قائلا "سؤالي إلى الصحافيات والصحافيين بعد أكثر من عشرية من الممارسة، ما هي الأشكال الصحافية التي تتطلبها التعددية الإعلامية؟".

وأضاف في منشور على صفحته في فيسبوك “كيف كان دور الإعلام البرلماني في الدورات السابقة؟ الاصطفاف الأعمى مع الحكومات والشيطنة العمياء للمعارضة السياسية تحت مظلة التوافق. كفى تباكيا على حرية الإعلام".

وتابع “الإعلام البرلماني أرقى أنواع الإعلام في المجتمع الديمقراطي. فن له أصوله وقواعده. أنصح المتباكين والمهتمين باقتناء كتاب ‘الإعلام البرلماني’ الصادر عن المركز الفرنسي لتدريب الصحافيين".

ويؤكد متابعون للشأن البرلماني أن غياب مؤسسة مثل البرلمان عن النقاش العام، يعني تلقائيا إفساح المجال للغموض والإشاعة وانتشار المعلومات الخاطئة في شأن حيوي لعيش مشترك يتمثل في التشريع والتمثيل وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية وتقييم أدائها، لذلك فإن الدعوة إلى مقاطعة أعمال البرلمان لا تصب في مصلحة الشأن العام ولا المواطن.

والاثنين، دعت النقابة في تونس الصحافيين لمقاطعة جلسة المصادقة على مشروع النظام الداخلي للبرلمان المقررة الثلاثاء، وعدم نشر كل الأخبار المتعلقة بها.

ويرى متخصصون في الإعلام أن مهنة الصحافة محتاجة إلى مؤازرة المشرعين لها باعتبارهم حماة الحرية الأوائل، وفي الوقت نفسه يحتاج البرلمان إلى مؤازرة إعلام يقدم صورة شاملة ويجعل الرأي العام حاضرا ومواكبا لأعماله، ليتمكن المواطن، الناخب في نهاية المطاف، من تقييم أداء المؤسسة البرلمانية ومن ثم يكون الإعلام البرلماني واحدا من عوامل تثبيت أركان النظام الديمقراطي وضمان سلامة قراراته.

ويتميز الإعلام البرلماني الفعال بالتواصل المستمر مع الجمهور عبر المنصات المختلفة من خلال بث جميع المستجدات والأخبار، مع إفراد لقاءات صحافية مع قيادات ومسؤولي العمل البرلماني، إضافة إلى اللقاءات مع أعضاء المجلس الوطني، للحديث عن المواضيع المهمة التي تهم المجتمع، واستخدامها كأداة للتواصل مع أفراده ومعرفة اهتماماتهم وقياس ردود أفعالهم، والأخذ باقتراحاتهم وآرائهم، وذلك لاعتبارها أحد المقومات الرئيسة للتطوير المستمر والمتواصل في الإعلام البرلماني.

◙ مهنة الصحافة محتاجة إلى مؤازرة المشرعين لها كما يحتاج البرلمان إلى مؤازرة إعلام يقدم صورة شاملة ويجعل الرأي العام حاضرا ومواكبا لأعماله

لكن الأزمة بين رئاسة البرلمان والصحافيين اتخذت منحى متصاعدا بشأن من يحق له التغطية، دون أن يتم طرح أسئلة جوهرية حول طبيعة التغطية ومواطن القصور والضعف في التواصل مع المواطن صاحب الحق الأساسي في المعلومة.

وقد دخلت منظمات أخرى على خط الجدل، حيث اعتبرت الهيئة المديرة للجامعة التونسية لمديري الصحف، الاثنين في بيان أنه لا موجب لقرار مجلس نواب الشعب، استثناء الصحافيين العاملين في مؤسسات الإعلام الخاص والإعلام الجمعياتي والدولي من تغطية الجلسة العامة الثلاثاء لمناقشة مشروع النظام الداخلي للمجلس، واقتصار الحضور والمواكبة على نظرائهم العاملين في المؤسسات المملوكة للدولة.

وعبرت الهيئة في بيانها عن "تضامنها مع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين ومع كافة الصحافيين والمصورين الممنوعين من القيام بدورهم في تغطية تلك الجلسة العامة للبرلمان.

وفي السابع عشر من مارس الماضي، تعهدت رئاسة البرلمان في لقاء مع وفد النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، "باحترام حرية العمل الصحافي داخل المجلس"، بعد أن منعت الجهات المسؤولة عن تنظيم أولى جلسات البرلمان، وسائل الإعلام من تغطية الجلسة الافتتاحية للمجلس في الثالث عشر من الشهر نفسه. ورغم ذلك بطرح خبراء في سياق آخر غياب الإعلام البرلماني في تونس  الذي يبقي حلقة مفقودة في الإعلام منذ عام 2011 وحتى عام 2021.

5