الخلاف بين المحامين والحكومة المصرية يعيد السياسة إلى النقابات

نقابة المحامين المصرية تعلق العمل والحضور أمام محاكم الجنايات.
الجمعة 2023/01/20
انسداد مسالك الحوار

القاهرة - دخل القرار الذي أصدرته نقابة المحامين المصرية بتعليق العمل والحضور أمام محاكم الجنايات وتحقيقات النيابة العامة حيز التنفيذ الخميس، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ فترة طويلة، على خليفة اتهام عدد من أعضائها بالاعتداء على موظفي إحدى محاكم محافظة مرسى مطروح، شمال غرب القاهرة، وصدور حكم يقضي بحبس ستة متهمين، وطالبت بمحاكمة عادلة وسط تهديد بالتصعيد.

وقضت محكمة مصرية الأربعاء بحبس المحامين الستة لمدة عامين مع الشغل، ووضعهما تحت المراقبة لعامين آخرين بتهمة التعدي على موظفي المحكمة، في واقعة مشاجرة بينهما وإحدى الموظفات في محكمة مطروح، وقررت المحكمة إخلاء سبيل اثنين آخرين.

وتتكرر المشاحنات بين المحامين وموظفي المحاكم، ولدى البعض قناعة بأن هناك حالة تضييق تمارس على العاملين بمهنة المحاماة، ويواجه مجلس النقابة تصعيداً ضده من جانب الأعضاء حينما تحدث مثل هذه الوقائع دون اتخاذ مواقف قوية تمنع تكرارها، ما يشي بأن التحرك هذه المرة قد يتبعه المزيد من التصعيد.

فاطمة الزهراء: قرارات التصعيد داخل النقابة ترتبط بحقوق الأعضاء
فاطمة الزهراء: قرارات التصعيد داخل النقابة ترتبط بحقوق الأعضاء

وجاءت الواقعة بعد خروج أول مظاهرة في منطقة وسط القاهرة منذ سنوات، حينما احتج المئات من المحامين أمام مقر نقابتهم رفضا لتطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية، وأدت المظاهرات إلى حالة من الاستنفار، وأعادت أجواء العمل النقابي إلى السياسة، حتى تدخلت وزارة المالية بإرجاء تطبيق هذه المنظومة على أصحاب المهن الحرة لمدة أربعة أشهر.

وشجعت المظاهرات التي نظمها محامون نقابات أخرى على التصعيد ضد الحكومة، من بينها نقابات الأطباء والمهندسين وطب الأسنان، وهو ما يشي بأن إنعاش دور نقابة المحامين للحفاظ على حقوق أعضائها قد توازيه إفاقة لنقابات مهنية تراجع حضورها العام خلال السنوات الماضية، وأن تكرار التصعيد بعد فترة وجيزة يمهد للالتفات إلى مشاكل يعانيها أعضاء النقابات على مستوى المهن التي يعملون بها.

ولم يكن تصعيد المحامين في الواقعتين الأخيرتين مقتصرا على النقابة الرئيسية في القاهرة، وكانت الكثير من النقابات الفرعية في الأقاليم لها مواقف أكثر حدة، ما يشكل هاجسا لجهات رسمية تخشى توظيف هذه التحركات سياسيًا وسط أزمة اقتصادية طاحنة.

وقالت فاطمة الزهراء، عضو مجلس نقابة المحامين، إن قرارات التصعيد ترتبط بحقوق الأعضاء، ونتج عن الواقعة الأخيرة الاحتجاجُ لأن النقابة رأت تعنتًا من قبل القاضي في القضية المنظورة أمامه، ودفاع المتهمين طالب بتفريغ الكاميرات للتأكد من أن الموظفين هم الذين قاموا بالاعتداء على المحامين وليس العكس، وهو طلب رفضه القاضي مصرا على موقفه وأن أثار الاعتداء على وجه أحد المحامين سببها التدافع.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن الدفاع امتنع عن المرافعة بعد رفض طلباته دون سبب مقنع، وجرى اتخاذ القرارات التصعيدية، وقد يكون هناك المزيد من الإجراءات عقب انعقاد اجتماع مجلس نقابة المحامين والنقابات الفرعية الجمعة لمناقشة الأزمة وبحث سبل حلها.

وشددت الزهراء، التي شاركت في المرافعة لصالح المحامين المتهمين، على أن النقابة لن تقبل وعودا لإثنائها عن موقفها، والمطالب المرفوعة تتمثل في تحقيق العدالة والاستجابة لطلبات الدفاع التي قد يتم طلبها في أي قضية أخرى، مشيرة إلى أن الاستجابة لبيان النقابة جاءت واسعة في كافة محاكم الجنايات المصرية.

ويُعنى قرار النقابة بعدم حضور المحامين في أي قضية أمام محاكم الجنايات، وبالتالي ستبطل التحقيقات المتعلقة بالجنايات لمخالفة قانون الإجراءات الجنائية، وستبطل أيضا الأحكام التي تصدر بالإدانة من محاكم الجنايات لعدم حضور المحامين للترافع وإبداء دفاعهم في قضايا الجنايات المعروضة أمام محاكم الجنايات.

ويؤدي القرار إلى تأخير البت في القضايا المرفوعة التي لم يحضرها محامون. ويرى البعض أن القرار، وإن كان يستهدف الضغط على القضاء وبعض الجهات الحكومية، يعاقب أيضا المواطنين، وقد لا يجد ترحيبًا شعبيًا، لأن أعضاء النقابة متهمون بالاعتداء على موظفين عموميين.

وقررت نقابة المحامين في بيانها الذي أصدرته مساء الأربعاء النظر في أمر انعقاد جمعية عمومية طارئة لعموم المحامين، والضغط لاتخاذ إجراءات قضائية تضمن الحياد اللازم في التحقيق والمحاكمة، وبما يحفظ كرامة المحامين.

عبدالمجيد جابر: مواقف المحامين بداية لتصعيد ضد المتاعب التي يواجهونها
عبدالمجيد جابر: مواقف المحامين بداية لتصعيد ضد المتاعب التي يواجهونها

وتحاول نقابة المحامين التأكيد على أن تحركاتها ليست في مواجهة الحكومة وتدافع عن حقوق الأعضاء، لكن ذلك لا يمنع وجود قصور رسمي تسبب في تصاعد الأزمة ارتكازاً على مواقف سابقة لم يكن التصعيد فيها أسلوبًا متبعًا في النقابات المهنية التي تراجع حضورها العام.

وأوضح المتحدث باسم حملة “ادعم نقابتك ومهنتك” (تدافع عن أوضاع المحامين) عبدالمجيد جابر أن مواقف المحامين بداية لتصعيد ضد المتاعب التي يواجهونها في المحاكم مع تزايد طلب رشاوى من بعض الموظفين، وهو ما لم يكن يحدث بهذه الصورة عندما كان للنقابة موقف قوي ضد الممارسات غير الشرعية التي يشكو منها الأعضاء.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن انعقاد جمعية عمومية طارئة لنقابة المحامين سيكون له أثر إيجابي على استعادة العمل النقابي والابتعاد عن السلبية، واستعادة الدور النقابي في الدفاع عن الأعضاء تمنح الأمل في استعادة حضور النقابات المهنية.

وتوقع أن تذهب الجمعية العمومية الطارئة للمحامين إلى سحب الثقة من مجلس النقابة الحالي، في ظل شعور عام لدى المحامين بأن النقيب عبدالحليم علام لا يتسم بالقوة التي تحتاجها نقابة المحامين، وفي حال فشلت النقابة في حل أزمة المحامين المحبوسين والفاتورة الإلكترونية المجمدة حاليا سيكون رحيل المجلس واجبًا.

وتعد نقابة المحامين إحدى القلاع التي كانت هدفًا دائمًا لتنظيم الإخوان والجماعات الإسلامية، ويشكل وجود شخصيات محسوبة على الحكومة على رأسها ضمانة لعدم تسييس أدوارها واتخاذها وسيلة لتصعيد نقابي ضدها، ارتكازا على تاريخها وموقع مقرها الرئيسي وسط القاهرة.

ويمكن أن يدفع انسداد الحوار بين النقابات المهنية والحكومة إلى المزيد من التصعيد إذا حققت نقابة المحامين نتائج إيجابية. وعدم اعتراف الدولة بوجود نقابات لديها الملايين من الأعضاء الذين يشكلون عامل ضغط قويا، في الوقت الذي يعاني فيه هؤلاء من الظروف الاقتصادية الصعبة، قد يؤدي إلى ردود فعل غير متوقعة.

2