الخلافات داخل حكومة كركوك المحلية تطيح بمخطط الاتحاد الوطني

القوى السياسية التي تعاونت في السابق على إقصاء خصومها من تشكيل حكومة محلية لمحافظة كركوك، تفرّغت بعد تمكّنها من السيطرة على زمام قيادة المحافظة للصراع في ما بينها، الأمر الذي أكّد مجدّدا أن هدفها الأصلي هو المناصب بحدّ ذاتها وما تضْمنه لمن يشغلها من سلطة ونفوذ وما تدره عليه من مكاسب مادية بعيدا عن أي شعارات كانت رفعتها تلك القوى بشأن خدمة السكان المحليين والعناية بشؤونهم.
كركوك (العراق) - لا تزال الإخلالات القانونية والقفز على مبدأ التوافق الحاكم للعملية السياسية في العراق، خلال عملية تشكيل حكومة محلية لمحافظة كركوك بشمال العراق، تلقي بظلالها على استقرار تلك الحكومة وتضعف كفاءتها في إدارة شؤون المحافظة ذات الوضع الحساس بسبب تعدّدها العرقي والطائفي وكثرة الصراعات داخلها والتي تغذيها جهات خارجية لها أطماع في ثروتها النفطية الكبيرة.
وفي الأيام الماضية طفا على السطح خلاف بين الجهات المشكلة لحكومة كركوك والممسكة بمناصبها القيادية أشّر على تحوّل في وجهة الصراع الذي دار خلال مسار تشكيلها بين الاتحاد الوطني الكردستاني وعدد من حلفائه من جهة، وقوى عربية وكردية وتركمانية من بينها الحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة مقابلة.
ويسقط عدم استقرار الحكومة الوعود التي قطعها الاتّحاد بشأن تشكيل إدارة محلية نموذجية تكون مثالا للنجاعة في تقديم الخدمات للسكان وقدوة في مجال الإصلاح والحكم الرشيد، وهي الوعود ذاتها التي يرفعها حاليا ضمن مسار تشكيل حكومة كردستان العراق التي ستنبثق عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الإقليم ويطالب الحزب نفسه، والذي يقوده بافل جلال طالباني، بمناصب قيادية داخلها رافعا شعار “تغيير مسار الحكم.”
وشهد مقرّ مجلس محافظة كركوك خلال الأيام الماضية اندلاع اشتباك بين أفراد من حماية المحافظ ريبوار طه ونظرائهم من حماية رئيس مجلس المحافظة محمد إبراهيم الحافظ الذي حاول عناصر من الفريق الأول منعه من دخول المقرّ.
وينتمي طه إلى الاتحاد الوطني بينما يمثّل الحافظ المكوّن العربي السنّي وكان ينتمي إلى تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر قبل أن يتمّ فصله منه بسبب عدم التزامه بتعليمات التحالف ومشاركته للاتحاد في تشكيل حكومة كركوك بطريقة وصفت بغير القانونية وتمت دون توافق مع باقي القوى المعنية بعملية التشكيل.
وكان اجتماع انعقد في العاشر من أغسطس الماضي، في غياب أعضاء كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني وعدد من النواب العرب، قد أسفر عن انتخاب طه محافظا لكركوك والحافظ رئيسا لمجلس المحافظة.
ومنذ ذلك الحين ظلت الحكومة المحلية لكركوك تواجه أزمة شرعية بسبب عدم اعتراف الحزب الديمقراطي والتحالف العربي والجبهة التركمانية بقانونية الجلسة التي تمخضت عن تشكيل الحكومة.
ومع تفجّر الخلافات مجدّدا، وبين المتحالفين أنفسهم، تحوّل الحزب الديمقراطي الأكثر شعبية بين أكراد العراق والأكثر خبرة بشؤون القيادة والحكم إلى وسيط لإنهاء الأزمة حفاظا على استقرار كركوك في فترة توتّرات داخل العراق وفي محيطه القريب.
وعقد حسن شيخاني رئيس كتلة الحزب الديمقراطي في مجلس كركوك اجتماعين منفصلين مع طه والحافظ، على خلفية التوتر الحاصل بين الأطراف بسبب المشاجرة الأخيرة، قال شيخاني على إثرهما لوسائل إعلام محلية إنّ “اللقاءين المنفصلين اللذين عقدا مع المحافظ ورئيس المجلس كانا بخصوص الأزمة الأخيرة والمشاجرة التي حدثت بين الحمايات،” مضيفا قوله “لا نريد ذلك أن ينعكس على أي أمور أخرى.”
وحاول الاتحاد الوطني المحرج من الخلاف مع شركائه التقليل من شأن ما حدث عند مدخل مقر مجلس المحافظة، وقال على لسان ريبوار طه إن “ما حدث هو مشاجرة بين أفراد الحمايات فقط، وليس بيني وبين رئيس مجلس المحافظة،” مؤكّدا على تماسك الحكومة المحلية التي يقودها بالقول إنّ “الإدارة والمجلس فريق واحد والاستجابة للتنسيق بيننا لا مثيل لها ونعمل سوية على خدمة الأهالي بجميع مكوناتهم ولا توجد أي مشكلة بيني وبين رئيس مجلس المحافظة.”
ويتوقّع الاتحاد الوطني الذي ينتمي إليه المحافظ طه أن تطلق حادثة شجار الحمايات عاصفة جديدة من الانتقادات له بسبب عدم كفاءته في تهدئة الصراعات في كركوك والنأي بها عن النعرات الطائفية والقومية.
أطراف سياسية عربية سنية تنفي أن يكون وجود الحافظ على رأس مجلس المحافظة بمثابة تمثيل لها ولمكوّنها
وكثيرا ما يعزو الحزب تعثّره في قيادة حكومة كركوك وفشله في الإيفاء بوعوده، بما في ذلك تحسين مستوى الخدمات العامة المقدّمة للسكان، إلى عوامل خارجية وتراكمات مترتبة على حقب سابقة.
وشكا طه في وقت سابق من وجود تطرف قومي معتبرا أنّ الحكومة المحلية التي يقودها ورثت تركة ثقيلة من الإدارة السابقة.
واعترف بوجود “سوء في تقديم الخدمات”، لكنّه استدرك بالقول “نعمل على تصحيح وبناء كل ما يساهم في إعادة حقوق مكونات كركوك من حيث الخدمات.”
وأضاف “أنا أرى في كركوك أطفالا يعملون في الشوارع وهذا أمر محزن لي وللإدارة الجديدة التي يشارك فيها الأكراد والعرب والتركمان والمسيحيون.”
وأراد المحافظ بإشارته إلى مشاركة تلك المكونات في الحكومة نفي وجود عملية إقصاء يُتَهم حزبه بالوقوف وراءها عبر تعاونه مع جهات معيّنة تنفي المكونات التي تنتمي إليها أن تكون ممثلة لها.
ويتجلّى ذلك في مواصلة أطراف سياسية ومكونات عرقية احتجاجاتها على طريقة تشكيل الحكومة والأجهزة التابعة لها رغم مضي قرابة الخمسة أشهر على تشكيلها.
وقال عضو مجلس محافظة كركوك عن المكون التركماني أحمد رمزي كوبرلو إنّ أبناء مكونه أقصوا بالكامل من شغل أي من المناصب السيادية الأمنية الستة عشر في المحافظة.
حلفاء الاتحاد بدأوا يظهرون قلقا متزايدا على الوضع في كركوك واستقرار الحكومة المحلية التي يقودها حليفهم
ونقلت عنه وسائل إعلام محلية قوله إنّ “هذا الإقصاء يعد انتهاكا واضحا لحقوق المكون التركماني، الذي يشكل أحد الأعمدة الأساسية في نسيج المحافظة، كما يعكس غياب العدالة في توزيع المناصب بطريقة تضمن تحقيق التوازن بين جميع مكونات كركوك.”
وأضاف “ما نشهده حاليا يتعارض مع قرارات وتوجهات الحكومة الاتحادية التي تؤكد على ضرورة التوازن في إدارة محافظة كركوك،” محذرا من أنّ “غياب تمثيل التركمان في المناصب القيادية يعزز الشعور بالتهميش ويضعف فرص التعايش الحقيقي في المحافظة.”
كذلك تنفي أطراف سياسية عربية سنية أن يكون وجود الحافظ على رأس مجلس المحافظة بمثابة تمثيل لها ولمكوّنها. وقال خميس الخنجر رئيس تحالف السيادة إن “المشكلة الآن في كركوك ليست مع مكون واحد، بل المشكلة هي أن الكتلة الأكبر من العرب ونحن ككتلة السيادة لدينا المركز الأول بين العرب حيث نمتلك أربعة مقاعد من أصل ستة مقاعد للمكون العربي، بينما كتلة الحزب الديمقراطي تمتلك مقعدين وكتلة التركمان تمتلك مقعدين أيضا، وهؤلاء جميعا لم يشاركوا في حكومة كركوك.”
وأضاف في تصريحات لتلفزيون رووداو “المسألة الآن هي أنه تم إبعاد نصف المكون الكردي وهو الحزب الديمقراطي وتم إبعاد ثلثي العرب وهم كتلة السيادة كما تم إبعاد مكون كامل وهو التركمان من إدارة المحافظة.” ووصف ما حدث خلال عملية تشكيل الحكومة بغير القانوني والمخالف لاتفاقات سياسية سابقة بين الأحزاب والمكونات.
ويقول منتقدو قيادة الاتحاد الوطني إنّ مشكلتها الأساسية أنّها لا تعوّل في الحفاظ على مكانتها السياسية في كركوك وغيرها على كفاءة حزبها في الإدارة والتسيير بقدر ما تراهن على تحالفها مع قوى نافذة في السلطة الاتّحادية من أحزاب وفصائل شيعية.
وبدأ حلفاء الاتحاد يظهرون قلقا متزايدا على الوضع في كركوك واستقرار الحكومة المحلية التي يقودها حليفهم.
وعلى هذه الخلفية قام عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة والعضو في الإطار التنسيقي الشيعي المشكل لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بزيارة إلى كركوك حيث وجّه دعوة إلى “القوى السياسية التي لم تشترك في الحكومة المحلية بأن تتخذ قرارها بالاشتراك لتكون جزءا من المساعدة في تحقيق المهمة الخدمية لأبناء المحافظة،” معلنا اطلاعه على “بعض المشاكل التي تواجه المحافظة” وواعدا بـ”متابعتها مع المعنيين في بغداد.”