الخلافات المالية بين بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق تتجه إلى المزيد من التعقيد بدل الحل

سلطات إقليم كردستان العراق التي كانت تتطلّع إلى قدر من المرونة من قبل الحكومة الاتّحادية العراقية لتسهيل حلحلة الخلافات المالية بين الطرفين بما يساعد الإقليم على تجاوز فترته الانتقالية الصعبة، اصطدمت بدلا من ذلك بتشدّد حكومة محمد شياع السوداني الخاضعة في سياستها تجاه إقليم كردستان لتأثيرات أحزاب وفصائل شيعية معنية بالضغط على الإقليم والتضييق عليه أكثر من اهتمامها باستقراره وتماسكه.
بغداد- سلكت الخلافات المالية المستفحلة بين الحكومة الاتّحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق مسارا عكسيا نحو المزيد من التعقيد بدل الحلّ، مسلّطة المزيد من الضغوط على سلطات الإقليم التي تواجه وضعا اجتماعيا معقّدا جرّاء ارتباط رواتب الموظفين بحلحلة تلك الخلافات، يضاف إلى الوضع السياسي الهشّ الناجم عن صعوبة تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخّرا، فضلا عن المحاذير الأمنية المتربصة بالإقليم نتيجة الوضع المتفجّر في المنطقة والذي زادته الأحداث السورية توتّرا.
وحمّل رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني سلطات إقليم كردستان مسؤولية الخلافات المالية وما يرتبط بها من اضطراب وعدم انتظام في تحويل رواتب الموظفين، متهما إياها بعدم الإيفاء بأي من التزاماتها المتعلقة بالمسألة المالية تجاه حكومته، بينما ردّت حكومة الإقليم بإثارة وجود شبهة تسييس للقضية المالية ذات البعد الاقتصادي والتقني المحض.
ولم يستلم موظفو الإقليم رواتبهم لشهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين الأمر الذي دفع شرائح منهم إلى الانخراط في موجات احتجاج والدخول في إضرابات ومقاطعة للعمل يُخشى أن تتوسّع وتمتد خلال الفترة القادمة في ظل ما يلوح من انسداد في القضية وعدم وجود بوادر لحلّها.
وقال السوداني خلال جلسة برلمانية ردّ فيها على أسئلة النواب بشأن العديد من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية إن مسألة الرواتب ليست سياسية وإن إقليم كردستان لم يسبق وأن التزم بأي مادة أو فقرة من قانون الموازنة الاتحادية العراقية.
وقطع السوداني الطريق أمام إمكانية حلحلة قضية الرواتب باعتماد أسلوب المناقلة الذي يقوم على تحويل دفعات مالية للإقليم تخصم لاحقا من حصته من الموازنة، مؤكّدا أنّه سيتم صرف ما يعادل 580 مليون دولار فقط كرواتب لشهر أكتوبر، فيما تقول حكومة الإقليم إن تغطية تلك الرواتب تحتاج إلى مبلغ لا يقل عن 690 مليون دولار.
وعرض السوداني إلى موضوع خلافي ثان يتعلّق بتصدير النفط المنتج في الإقليم والذي أوقفت السلطات الاتّحادية تصديره، الأمر الذي عمّق الأزمة المالية لحكومة إقليم كردستان وقلل من استقلالها المالي وزاد من ارتهانها لحكومة بغداد.
وقال السوداني إنّ الإنتاج في إقليم كردستان العراق وصل إلى مستويات قاربت 270 ألف برميل يوميا باستثناء 50 ألف برميل مخصصة للاستهلاك المحلي، مبيّنا أن الإنتاج كله “يوزع على مصافي الإقليم وقسم منه ينقل خارج العراق.”
ولمّح إلى تحميل سلطات الإقليم مسؤولية الفضيحة المتفاعلة خلال الفترة الحالية بشأن تهريب المشتقات النفطية قائلا إنّ “الأمر وصل إلى مرحلة يساء فيها إلى الدولة العراقية ويعرضها إلى عقوبات دولية.. لأنّ أغلب المشتقات النفطية تمر من خلال الجارة إيران،” وكاشفا عن توجيه وزارة الخارجية رسالة إلى الجانب الإيراني لـ”منع دخول تلك المواد لأنها حق سيادي للعراق.”
وقال إنّ هذا الأمر تسبب في خسائر عدة للعراق ومنها “خسارة إيرادات نفط إقليم كردستان التي يفترض أن تدخل ضمن الموازنة الاتحادية خصوصا ما يتعلق بالرواتب وفق قرار المحكمة الاتحادية،” مشيرا إلى وجود خسارة تتعلق أيضا بـ”الالتزام بقرارات أوبك+” حيث اضطر البلد إلى خفض الإنتاج، وأخرى تتعلق بـ”تحمل العراق غرامة كل يوم من الجانب التركي،” وأوضح أنّه “من الطبيعي أن تكون هناك شكوى عن فترة انقطاع تصدير النفط (عبر أنبوب كركوك – جيهان المتوقف حاليا) لأن هناك اتفاقية وحدّا أدنى لتصدير النفط عبر هذا الأنبوب، وكلما ظل متوقفا هناك غرامة يومية تسجل على الجانب العراقي.”
ويعني كلام رئيس الوزراء العراقي بالنسبة إلى حكومة إقليم كردستان استدامة الأزمة وتعمقها بما لها من تبعات اجتماعية وحتى سياسية، حيث يُخشى أن تتحوّل أزمة الرواتب إلى سبب في تفجير اضطرابات واسعة في الشارع المحتقن جرّاء الصعوبات الحياتية التي يواجهها السكان.
وعلّق وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد على كلام السوداني بالقول إن حكومة إقليم كردستان تتواصل بشكل مستمر مع الجهات المعنية في الحكومة الاتحادية، ولاسيما مع رئيس الوزراء من أجل حل القضايا العالقة.
وأثار الوزير شبهة تسييس قضية الموازنة والرواتب قائلا في مؤتمر صحفي إن هناك أمورا خرجت عن النطاق القانوني وتحولت إلى مسائل سياسية، واعتبر أن الهدف من تشديد الضغوط المالية على الإقليم هو “تجويع شعب كردستان.”
وترجع دوائر سياسية عراقية كردية تشدّد بغداد في تحويل المستحقات المالية لإقليم كردستان والمبالغة في الاشتراطات وتعقيد الإجراءات إلى كون قوى سياسية شيعية بالأساس متحكّمة في زمام الدولة العراقية، وجلها موالية لإيران، تستخدم المسائل المالية ومن ضمنها قضية الرواتب كسلاح سياسي للضغط على سلطات الإقليم ومحاولة تكييف سياساتها بما يتوافق مع توجهات طهران السياسية والدينية والطائفية ويخدم مصالحها في العراق.
ورأى أحمد أنّ أي جهة تقف وراء التضييق المالي على الإقليم “لا تخدم الاستقرار والسلام في العراق حيث أن مسألة المستحقات المالية تتعلق بقوت الشعب ولا تمثل فضلا من أحد على آخر.”
وطالب بـ”حل هذه المشكلة في أسرع وقت ممكن” معبّرا عن ملل “حكومة الإقليم وشعبه من هذه الذرائع.”
وعلى طرف نقيض مما ذكره رئيس الوزراء العراقي أكّد ريبر أحمد “أن حكومة الإقليم أكملت جميع الالتزامات المترتبة عليها وقدمت كافة البيانات اللازمة ولا توجد أي ذرائع تبرر هذا الوضع.”
ومن جهته طالب الحزب الديمقراطي الكردستاني القائد لسلطات إقليم كردستان على لسان فيان صبري، رئيسة كتلته في مجلس النواب العراقي، السوداني بتوجيه وزارة المالية بتطبيق المناقلة لسد العجز الحاصل في الموازنة التشغيلية لإقليم كردستان.
وخاطبت صبري رئيس الوزراء خلال استضافته في البرلمان بالقول “نحن ككتلة نؤيد كل التطورات الحاصلة لغرض معالجة القضايا العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، وخاصة المباحثات بينكم وبين رئيس حكومة الإقليم.”
السوداني قطع الطريق أمام إمكانية حلحلة قضية الرواتب باعتماد أسلوب المناقلة الذي يقوم على تحويل دفعات مالية للإقليم تخصم لاحقا من حصته من الموازنة
وأضافت قولها “بالرغم من ذلك نستغل وجودكم اليوم بيننا نحن ممثلي الشعب العراقي لعرض مشكلة داخلية تمس واقع مواطني إقليم كردستان حيث يمر اليوم أكثر من سبعين يوما ولم يتسلم موظفو إقليم كردستان رواتبهم لشهري أكتوبر ونوفمبر والتي هي حقوق قانونية ودستورية وشرعية. وللحقيقة هذه مشكلة لها تداعيات سلبية اقتصادية واجتماعية داخلية.”
وتابعت “بموجب قرار المحكمة الاتحادية، يجب صرف رواتب موظفي الإقليم شهريا أسوة بالموظفين في كافة أنحاء العراق، لكن وللأسف وبعد سبعين يوما من التأخير تفاجأنا بإرسال مبلغ 760 مليار دينار فقط ورواتب الإقليم كما تعلمون تتجاوز الـ900 مليار دينار ما يعني أن المبلغ المرسل تنقصه 200 مليار دينار وأكثر.”
وفنّدت ما ذهبت إليه وزارة المالية العراقية من أن قرار المناقلة لتكملة رواتب موظفي الإقليم من صلاحيات مجلس الوزراء الاتّحادي، موجهة السؤال إلى السوداني “لماذا لا يتم التوجيه من قبلكم لوزارة المالية بالمناقلة لسد العجز الحاصل في الموازنة التشغيلية لإقليم كردستان علما أنّ حكومة الإقليم نفذت ما عليها من التزامات؟”
وعرضت إلى قضية النفط مؤكّدة أنّ “إقليم كردستان لم يقم بتصدير برميل واحد وكل ما ينتجه هو فقط للاستهلاك المحلي، ومتطلبات الشركات النفطية،” وأكّدت أنّ “التعداد السكاني بين أن حصة الإقليم من الموازنة هي 14 في المئة، بينما في أحسن الأحوال لم تصلنا سوى 5 أو 6 في المئة من الاستحقاقات.”