الخلافات العالمية تولد منافسة فردية على تسعير الكربون

تدفع الخلافات بين الدول حول إقرار سعر موحد للكربون الكثير من الشركات العالمية الكبرى إلى اعتماد منتجات خاصة بها تنسجم مع البيئة رغم السجال الدائر بين المحللين حول قدرة قطاع الأعمال على تحقيق أهداف خفض الانبعاثات وفق ما هو مخطط.
دبي - تحدد قائمة متزايدة من الشركات العالمية سعرا على كل طن من انبعاثاتها الكربونية، وتتطلع إلى تشكيل استثماراتها وأعمالها من أجل ضرائب التلوث المستقبلية أو غيرها من القواعد المناخية الجديدة.
وتبدو أسعار هذه الشركات مرتفعة للغاية، وهي تتراوح من أقل من دولار واحد للطن إلى 1600 دولار، كالذي حددته شركة الأدوية أمجن الأميركية ومقرها كاليفورنيا.
وعرض المنظمون مجموعة من الأسعار، بما في ذلك “الكلفة الاجتماعية”، التي اقترحتها الحكومة الأميركية للكربون، والبالغة 200 دولار، بينما اقترح صندوق النقد الدولي أن تكون 85 دولارا على الأقل بحلول 2030.
وكان دمج كلفة الكربون وانبعاثات الغازات الدفيئة الأخرى في قرارات الأعمال حلما لنشطاء المناخ لعقود من الزمن كوسيلة لإجبار الشركات على خفض الانبعاثات.
وفي حين أنه لن يتم تحديد سعر عالمي موحد للكربون في مؤتمر المناخ (كوب 28) المنعقد في دبي، فإن لهذا المفهوم استخدامات مختلفة في الأعمال.
ويتيح هذا التمشي تمكين المديرين التنفيذيين من فرض رسوم إضافية لاستخدام الطاقة من الوقود الأحفوري، مما يجعل مصادر الطاقة البديلة أكثر جاذبية.
وقال أمير سوكولوفسكي، المدير العالمي لتغير المناخ في سي.دي.بي، لرويترز “رغم وجود إستراتيجيات أخرى للقيام بذلك، فإن الفشل في استخدام هذه الأداة قد يعني ضمنا أن الشركات ربما تفشل في التخطيط للواقع متوسط إلى طويل الأجل لكلفة الكربون”.
وخلص تحليل أجرته المنظمة غير الربحية إلى أن 20 في المئة من نحو 5345 شركة عالمية قدمت إفصاحات تتعلق بالمناخ قالت إنها استخدمت سعر الكربون الخاص بها في 2022، ارتفاعا من 17 في المئة قبل عام.
وتخطط 22 في المئة أخرى من هذه الشركات للقيام بذلك في العامين المقبلين، رغم أن نسبة ضئيلة فقط من الشركات التي خططت لتنفيذ أحد هذه الخطط فعلت ذلك تاريخيا.
ويكشف تحليل سي.دي.دبي، الذي لم يُنشر من قبل، أن الشركات تبنت أداة التخطيط الجديدة، ولكن مازال هناك الكثير من الجدل حول الأسعار التي ستحفز الأعمال على اتخاذ إجراءات كبيرة لخفض الانبعاثات.
ويرى محللون أن الصورة الناشئة بعد أن ظهرت الاتجاهات هي صورة المديرين التنفيذيين الذين يستعدون لنوع من تنظيم الانبعاثات الجديد حتى لو كانوا يفتقرون إلى إحساس واضح بما هو قادم.
وقال جوزيف ستيغليتز، الاقتصادي بجامعة كولومبيا، لرويترز إن الشركات “تستعد لحقيقة أنها ستكون مطلوبة”.
وأضاف الحائز على جائزة نوبل إن الأسعار المتوسطة مازالت منخفضة للغاية بحيث لا يكون لها تأثير كبير على عملية صنع القرار في الشركات، مما يجعل الجهود “مختلطة”.
ولا تملك الشركات مسارا بسيطا لتتبعه، لأن استخدام سعر مرتفع للكربون من الممكن أن يغير خطط الاستثمار بشكل كبير، في حين أن استخدام سعر منخفض قد يؤدي إلى اتهامات بـ”الغسل الأخضر”.
وأكد مديرون تنفيذيون لرويترز أن خطط التسعير الداخلية تساعدهم على خفض الانبعاثات وتوضيح آثار الإنفاق الرأسمالي والأنشطة التجارية الأخرى على كوكب الأرض.
وقال جو سبايكر، كبير مسؤولي الاستدامة في شركة أوتوديسك لصناعة البرمجيات، إن “أسعار السوق لتعويضات الكربون يمكن أن تتراوح بين 5 دولارات و1500 دولار للطن”.
وقامت شركة أوتوديسك برفع سعر الكربون الداخلي بشكل مطرد إلى 20 دولارا.
وأوضح سبايكر أن الوضع المثالي هو أن يوضح المنظمون كيف ينبغي للشركات أن تتعامل مع تكاليف الانبعاثات.
وقال “ألن يكون جميلا أن تكون هناك سلطة عامة للمساعدة في خلق سوق أكثر تماسكا؟”، مؤكدا أن الشركة تستخدم السعر للمساعدة في تحديد أشياء مثل قيمة استثماراتها في مشاريع إزالة الكربون.
وتعمل أسواق الكربون المختلفة في العالم، بما في ذلك نظام التجارة الأوروبي، إذ يتم تداول الكربون حاليا بحوالي 70 دولارا للطن، فيما صممت الكثير من الشركات آلياتها الداخلية الخاصة.
وقال جوناس أوترهايم، رئيس قسم العمل المناخي في فولفو، لرويترز إنه عندما تبنت شركة صناعة السيارات تسعير الكربون الداخلي، لم تتمكن من العثور على نموذج جيد لتتبعه لأن “عددا قليلا جدا من الشركات” استخدم مثل هذه الأسعار في أعماله.
وأدرجت فولفو “سعر الظل” وهو ألف كرونا للطن (92 دولارا) في قرارات تتراوح بين طرازات السيارات التي سيتم إنتاجها والمواد التي يجب استخدامها في المصانع.
وأوضح أوترهايم أن إضافة كلفة التلوث الكربوني إلى الألومنيوم، مثلا، جعلت استخدام هذا المعدن المصنوع من الطاقة البديلة “أولوية قصوى للغاية” لأنه يحتوي على أقل من ربع انبعاثات الكربون من المواد المصنعة عادة.
وبشكل مماثل أعادت فولفو النظر في الكلفة الحقيقية لسياراتها الأكبر حجما مع دخول قواعد الاتحاد الأوروبي الأكثر صرامة حيز التنفيذ.
وأكد أوترهايم “لقد جعلتنا المناقشة في الواقع نغير التخطيط الكامل لحجم الشركة لنقول إنه لا ينبغي لنا إعطاء الأولوية لبعض السيارات مقابل غيرها رغم أنها تبدو أكثر ربحية، لأنها ستعطينا في الواقع عقوبة لا تفعلها السيارات الأخرى”.
وتقوم أمجين بتقييم رسوم داخلية بقيمة ألف دولار للطن على المشاريع ذات الانبعاثات العالية، ثم يتم استخدام العوائد لتمويل مشاريع خفض الانبعاثات.
وذكر متحدث باسم الشركة أن مشروع توسيع مرافق الشركة في أيرلندا أضاف 700 ألف دولار إلى ميزانية الاستدامة الخاصة بها.

وأضاف أن “أمجين، باعتبارها شركة قائمة على العلوم، تهدف إلى أن تكون محايدة للكربون في عملياتها الخاصة بحلول عام 2027”.
وتستخدم الشركة “مقيّما للاستثمار” للحكم على ما إذا كان سيتم شراء معدات جديدة لخفض الانبعاثات، باستخدام سعر أعلى للكربون.
ويكشف تقرير سي.دي.بي أن “مشاريع الاستدامة التي تكلف أكثر من المشاريع التقليدية، ولكنها أقل من 1600 دولار لكل طن من انبعاثات الكربون، تعتبر معقولة للتصميم”.
ولدى العديد من المحللين مجموعة من وجهات النظر حول الأسعار التي يجب على الشركات استخدامها.
ويعتقد جونتر ثالينجر، عضو مجلس إدارة شركة التأمين الألمانية أليانز، أن إنشاء سوق عالمية شاملة للكربون سيكون بمثابة “دفعة هائلة” لجهود خفض الانبعاثات، لكن التباين في الأسعار يمثل مشكلة، خاصة وأن بعض الأسعار أقل من 5 دولارات للطن المتري.
وقال ثالينجر، عضو المجلس الاستشاري المعني بالمناخ التابع للأمم المتحدة، “أخشى أن يكون هذا يسير في اتجاه التبييض الأخضر”.
ومع ذلك قالت أنيتا ماكباين، رئيسة أبحاث إي.أس.جي في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى مجموعة سيتي، إن “الاستخدامات العملية أكثر أهمية من الأسعار المرتفعة”.
وأضافت “نفضل أن نرى سعرا بقيمة 25 دولارا يؤثر فعليًا على القرارات مقابل سعر 75 دولارا يمثل مجرد علامة اختيار”.