الخطوط التونسية تبدأ هيكلة أعمالها بشطب المئات من الوظائف

تونس - دخلت الخطوط الجوية التونسية منعطفا جديدا بعد أن كشف المسؤولون في الشركة المتعثرة المملوكة للدولة أن رياح التغيير الأولى لإصلاح أعمالها ستبدأ بتسريح المئات من الموظفين على مراحل في إطار خطط لتخفيف الصعوبات المالية.
وفتحت الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد الصيف الماضي الباب أمام إنقاذ شركة الطيران الغارقة في الديون، وهيكلتها وفق معايير شفافة لتعزيز قدرتها التنافسية التي تضررت طيلة العشرية الماضية بسبب شبهات فساد وسوء تسيير في إدارتها.
وتعاني الخطوط التونسية من صعوبات مالية كبيرة نتيجة الخسائر التي تكبدتها وخاصة عقب هجمات إرهابية استهدفت البلاد في العام 2015 وتسببت في شلل قطاع السياحة، فضلا عن المنافسة من شركات الطيران الأخرى.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة خالد الشلي مساء الخميس الماضي أثناء وصول ثاني طائرة جديدة طراز أي 320 ضمن صفقة أبرمتها تونس لشراء خمس طائرات إن “الخطوط التونسية تعتزم تسريح نحو ألف من موظفيها خلال عامين أو ثلاثة تبدأ في 2022".
وعززت الخطوط التونسية في شهر ديسمبر الماضي أسطولها بأول طائرة مشمولة بهذه الاتفاقية، فيما من المتوقع أن ستحصل على باقي الطلبية بحلول العام المقبل.

وكانت الشركة قد أبرمت في أكتوبر الماضي اتفاقية مع شركة سيل آند ليز باك المتخصصة في إيجار الطائرات لشراء 4 طائرات من طراز أيرباص 320 نيو على أن يتم التعاقد على شراء طائرة خامسة في مرحلة لاحقة.
وأوضح الشلي، الذي تم تعيينه في مارس الماضي خلفا للرئيس التنفيذي السابق إلياس المنكبي، أن الشركة خفضت الأسطول من 22 طائرة إلى 15 طائرة، وبالتالي بات عدد الطيارين يزيد عن الحاجة.
وأكد أنه تم الاتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية بالبلاد، على إلحاقهم للعمل بشركات طيران أجنبية مع إمكانية عودتهم إذا احتاجتهم الشركة.
ويقول خبراء إن تسريح الموظفين وفق خطط إعادة هيكلة للشركات الحكومية، ربما يكون حلا مؤقتا، لكنه لن يكون الوصفة السحرية لعلاج علل الاقتصاد التونسي.
وشكل التوظيف العشوائي في عهد حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة بين نوفمبر 2011 ونوفمبر 2013 أحد أسباب تراكم الأزمات على الشركة، إذ بلغ عدد من تم توظيفهم في تلك الفترة 1200 شخص، مما تسبب في ارتفاع بند الأجور بنحو 32.7 مليون دولار سنويا.
ووفق الإحصائيات الرسمية، تشغل الشركة قرابة 8200 موظف، وهذه القوة العاملة أثرت بشكل كبير على التوازن المالي للشركة، في ظل تراجع نشاطها والتي جعلتها تسجل عجزا ماليا بلغ في المتوسط نحو 220 مليون دولار سنويا.
وأكد الشلي في تصريحات للصحافيين أن الشركة “ستعود إلى مكانها الطبيعي وتتغلب على الصعوبات عبر تعزيز أسطولها وبرنامج إصلاح طموح".
وتتضمن خطة إعادة الهيكلة التي فشلت الحكومات السابقة في تجسيدها واقعيا أربع ركائز تشمل زيادة رأس مال الخطوط التونسية والتخلي عن الوجهات الخاسرة مع فتح أسواق جديدة في أفريقيا وتعزيز الرحلات إلى مدينة مونتريال الكندية.
أما الركيزة الثالثة فتتعلق بتحسين الخدمات، التي لطالما كانت محل انتقاد من المسافرين، مع إدخال الحلول التكنولوجية لزيادة القيمة المضافة في هذا الباب، إلى جانب الاهتمام بتطوير قدرات الموارد البشرية عبر تأهيلها بشكل مستدام.
المؤشرات تتالت بشأن عجز الخطط الحكومية لإنقاذ الشركة نتيجة بطء القيام بالإصلاحات الضرورية وتفاقم موجة الإضرابات
ومنذ 2011 شهدت الشركة الحكومية أزمة مالية خانقة انعكست بشكل مباشر على جودة الخدمات بدءا من التأخير المستمر في موعد الرحلات وإلغائها مرورا بالصيانة ووصولا إلى مسألة التموين.
وتتالت المؤشرات بشأن عجز الخطط الحكومية لإنقاذ الشركة نتيجة بطء القيام بالإصلاحات الضرورية وتفاقم موجة الإضرابات، ولم تتمكن حتى من استغلال المواسم السياحية التي سبقت تفشي الجائحة أو حتى التي سبقت الهجمات قبل سبع سنوات.
وحتى بعد تجاوز ذلك المطب فشلت خطط هيكلة الشركة، ولم يتمكن أي مسؤول استلم دفة قيادتها منذ العام 2016 من تقديم حل جذري لإخراجها من أزمتها في حين ظهرت تحركات لخصخصتها.
وأنهى سعيد في أغسطس الماضي الجدل حول ذلك بعد مساعي بعض الأطراف السياسية التأثير على قرار إعادة هيكلتها من أجل بيع حصة لمستثمرين من قطر أو تركيا.
وتظهر بيانات نشرتها وزارة المالية الشهر الماضي أن ديون الشركة تبلغ قرابة 744 مليون دولار، منها 440 مليون دولار ديون مستحقة لديوان الطيران المدني والمطارات. أما الديون المتبقية فتتوزع بين قروض وفوائدها حصلت عليها من بنوك محلية وأجنبية.