الخطاط السوري هيثم قطان: تعليم الخط العربي للناشئة يحمي فن الخط من الاندثار

جعلت التطورات التكنولوجية والانفتاح العربي الواسع على الغرب، فن الخط في مواجهة خطر التراجع، فالأجيال الصاعدة منشغلة بالتعرف على الحضارات الأخرى ومتأثرة بفنونها، ولا ترى بدا من العودة إلى العربية والفنون العربية، لذلك يقاوم الخطاطون العرب لاستمرار فن الخط العربي وديمومته.
دمشق - يعتبر فن الخط العربي من أدق الفنون وأصعبها، حيث يتطلب موهبة وتدربا مستمرا، وهو بفعل التكنولوجيا المتسارعة، وعدم اهتمام الأجيال الناشئة بالخط ومهارة إتقانه، يواجه خطر التراجع والندرة، ما يجعل الخطاطين في كل بلد يعدون على الأصابع.
ويعد هيثم قطان واحدا من الخطاطين القدامى في دمشق، فالرجل السبعيني تمكن باستخدام قصبة صغيرة وقليل من الحبر، من رسم أجمل لوحات الخط العربي متخذا من بيته الكائن في أحد أزقة منطقة وادي المشاريع بدمشق مشغلاً ومرسماً تشع منه الكثير من العبارات والكلمات المكتوبة بأجمل أنواع الخطوط العربية وفيها من الإبداع والدقة ما يجعل لكل حرف حكاية خاصة ترويها تلك اللوحات.
الخطاط قطان أبدع على مدى خمسة وخمسين عاما فأنتج أكثر من عشرة آلاف لوحة فنية جسد فيها الخطوط العربية السبعة وهي “الرقعة والكوفي والنسخ والثلث والفارسي والديواني بنوعيه العادي والجلي” محاولاً بذلك الحفاظ على فن يحتضر بعد أن تخلى العديد من الخطاطين المهرة عن العمل به من أجل وظائف أكثر استقراراً بسبب قلة الطلب عليه، وفق وصفه.
الخطاط قطان أبدع على مدى خمسة وخمسين عاما أكثر من عشرة آلاف لوحة جسد فيها الخطوط العربية السبعة
ورغم أن هذه الحرفة ذات مردود مادي قليل وتستهلك بصر الخطاط وجهده وأعصابه حسب حديث قطان، إلا أن تعلقه الشديد بها ما زال دافعاً له للعمل فيها رغم سنوات العمر المتقدمة مبيناً أن ما يثلج قلبه اليوم هو ردود فعل الناس على ما يخطه بيده وينشره عبر صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعن تجربته مع الخط العربي وأنواعه وأسرار جماله ومكانته في نفسه قال قطان والذي كان رئيساً لجمعية الخطاطين سابقا “بدأت بتعلم الخط وفنونه في العاشرة من عمري حيث كنت أذهب لتعلم القرآن الكريم والحساب وأجلس بجانب معلمي أراقب كيف يخط بالحروف كلمات محاولاً تقليده.. ومع تكرار التجربة والمحاولة تمكنت من الكتابة بخط متميز وجميل”.
وأضاف الفنان السوري “في الثانية عشرة من عمري بدأت بتعلم أصول الخط العربي على أيدي عدد من أساتذة الخط فكنت آخذ من كل واحد أجمل ما عنده وأتعرف على الفروق التي تميز خطاطاً عن آخر حتى أصبحت أخط أسطراً بالحروف أشبه ما تكون بلوحة رسم وكان هذا ينال استحسان المعلمين في مدرستي الابتدائية وزملائي الطلاب الذين تلقيت تشجيعاً كبيراً منهم وكانوا يطلبون مني كتابة لوحات وكلمات لهم الأمر الذي دفعني إلى المشاركة بلوحاتي في معارض الرسم والخط لكل سنوات الدراسة الابتدائية والمتوسطة آنذاك”.
امتهن قطان كتابة الأوسمة والشهادات والأعمال التجارية وصناعة الأختام ورسومات متنوعة، مشيراً إلى أنه على الخطاط الكتابة بروية وتركيز وأن يتوقف كلما أراد الانتقال من سطر إلى آخر ليجف الحبر كي لا تمحو يده ما سبق خطه كما ينبغي عليه امتلاك نفس طويل ودقة بالعمل لضمان الوصول إلى جمالية التنسيق بين الحروف والكلمات إضافة إلى الإلمام بقواعد اللغة العربية وإتقانها الأمر الذي يساعده في الكتابة الصحيحة.
وعن الأدوات المستخدمة في فن التخطيط ورسم اللوحات الخطية ذكر قطان أن الخطاط قد يستعمل القلم الصغير في بعض الحروف ولكن الكثير من الخطاطين يخطون بالقصب لأن الريشة المعدنية للقلم تفرض عليهم عرض خط معين بينما يستطيعون التحكم في ريشة القصب حسب رغبتهم إضافة إلى استخدام أنواع جيدة من الورق، مضيفاً أن اللون الأساسي في الخط الكلاسيكي هو الأسود لما له من جمالية على الورق الأبيض ويمكن للخطاط صناعة حبر خاص به وبألوان متعددة إضافة إلى الفراشي متعددة القياسات التي تستخدم في الكتابة على اللافتات القماشية.

ويدرك قطان وغيره من الخطاطين التحديات الكبرى التي يواجهها فن الخط، حيث فقد خلال السنوات الماضية الكثير من أهميته مقارنة بما كان عليه في الماضي حين كان يستخدم في كتابة وتدوين ونشر كل شيء تقريبًا، قبل الغزو التكنولوجي، وهم يحاولون البحث عن أساليب تحافظ على وجوده وجماليته حتى مع تطور الحياة البشرية المتسارع.
ويمثل الاهتمام بالفنون العربية عامة بما فيها فن الخط وتوظيفه ضمن الفن التشكيلي عامة، مدخلا مهما إلى المزيد من استخدام اللغة العربية ونشرها في ظل استحواذ اللغات الأجنبية على حياة العديد من الشعوب العربية، وبالتالي ترسيخ الثقافة والهوية العربية في نفوس الأجيال الصاعدة وتعليمها الاندماج مع الآخر دون فقدان هويتها.
وفي هذا السياق، دعا الخطاط قطان إلى إضافة حصة دراسية رسمية للخط العربي في المدارس وأن تكون مادة الخط مستقلة تدخل ضمن المنهاج الدراسي للتلاميذ والطلاب لتحفيزهم على تعلمها والحفاظ على هذا الفن من التراجع وتنمية موهبة الطلاب الإبداعية فيه، منوها بإقبال وشغف لدى عدد من الأجيال الشابة وطلبة الجامعات لتعلم هذا الفن وفق ما لاحظه في الفترة الأخيرة.
وعن أهمية الخط العربي تاريخياً ذكرت مديرة متحف الخط العربي بدمشق إلهام محفوظ أن الخط العربي هو الفن الإبداعي الذي توج الحضارة العربية الإسلامية كونه تجاوز خلال مراحل تطوره مهمته الأساسية الأولى وهي نقل المعرفة إلى السمة الجمالية.
وأوضحت محفوظ أن فن الخط في سوريا له خصوصيته كون أولى التفتحات الحضارية التي قدمها السوريون للبشرية كانت الأبجدية التي انطلقت من أوغاريت والتي تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد وتعتبر جذرا مهما للغة العربية التي عرفت بجمال وتنوع طريقة كتابتها حيث يمثل الخط دليلها الناطق وأداة اتصالها مع قرائها.