الخطاط أحمد الرواحي: إخراج الخط العربي من قواعده هروب من الاستطاعة

التطور التكنولوجي يعزز انتشار الخط العربي بين الشباب.
الثلاثاء 2024/12/24
خطاط يلتزم بقواعد كلاسيكية

يقدم الخطاط العماني أحمد الرواحي دروسا في الخط العربي عبر الإنترنت، موظفا التكنولوجيا في نشر هذا الفن بين الأجيال الصاعدة، ومحاولا تنويع طرق استخدام مدارس الخط لإنتاج أعمال مختلفة على العديد من المحامل، لكنه مازال ملتزما بالحفاظ على قواعد الخط وضوابط مدارسه الكلاسيكية التي يرى أن التخلي عنها من أجل خلق جمالية معاصرة هو أكثر ما يكشف عن ضعف الفنان.

مسقط- “للخط العربي هندسة أبعد من مجرد النقاط على الحروف في حقيقتها، فهي تعتمد على إظهار النسبة الذهبية في كل حرف وإظهار هذه النسبة في تناسب أطوال الحروف مع بعضها البعض،” بهذه العبارة يصف الخطاط العُماني أحمد بن خلفان الرواحي علاقته بالخط العربي وماهيته وخصوصيته.

والرواحي فنان خاض العديد من حلقات العمل التي استكشف من خلالها أسرار وتفاصيل الخط العربي، وبعد مسيرة البحث والتعلم أصبح من أجود خطاطي السلطنة ويملك رصيدا من الإنجازات ويعمل حاليا على تقديم حلقات عمل عن طريق الإنترنت للمساهمة في نشر ثقافة الخط العربي عند الجيل الحالي.

لا إبداع دون شغف

◄ هندسة فنية للخط العربي
هندسة فنية للخط العربي

يعود الفنان إلى بداية اهتمامه بالخط العربي فيقول “بدأت بصقل موهبتي عندما التحقت بالجمعية العُمانية للفنون التشكيلية في عام 2014 وتتلمذت على يد معلمي سلطان الراشدي، البداية تمحورت حول تعلم خطي الرقعة والديواني الكلاسيكيين اللذين يعتبران مفتاح تعلم الخطوط الستة الأساسية وقد اعتمد في تعليمنا حينها على نهج المدرسة العُثمانية للخطاط محمد عزت، ومع تقدم الوقت تطورت في عدة خطوط أخرى منها خط وقواعد خط النسخ مع الخطاط جاسر الشمري من دولة الكويت، وقد خضت العديد من حلقات العمل من أجل ذلك لاحقا، مع الالتقاء والتعلم من كبار الخطاطين المعاصرين في سلطنة عُمان، وعدة دول عربية.”

وحول شغف التجربة والسفر نحو الإبداع في حيثيات الخط العربي، وما حققه من نتائج نوعية على أرض الواقع يقول “دون الشغف لا أعتقد أن هناك إبداعًا في أي مجال يود المبدع المبتكر الوصول إليه، وأؤكد على أن الشغف الفني والأدبي دفعني إلى تعلم فن الخط العربي الأصيل.”

ويتحدث الفنان العماني عن تتبعه أثر الخط العربي وتطوره، وقيمته بين الحداثة والعراقة في مخيلته، موضحا أن “الخط العربي له تاريخ قديم جدا وما جاء في بداية الإسلام هو امتداد لوجود الخط العربي عند العرب بشكل خاص والمسلمين بشكل عام، أما بالنسبة إلى الحداثة فهي إحداث تغير في شيء ما من أجل بقاء أصله، وإن إخراج الخط العربي من قواعده بشكل يجعله شيئًا جديدًا بغرض إظهار جماليته أو مواكبة العصر الحديث ما هو إلا هروب من الاستطاعة، وعلى الخطاط التمكن من أدواته لرسم الخطوط العربية كما هي من حيث القواعد والمقاسات والهندسة للحرف العربي، لذلك نجد أن الكثير من المعالم في عصرنا الحديث اُستُخْدِمَت فيها خطوط كلاسيكية مثل خط الثلث مع تغيير بسيط ليتناسب مع الجمالية من جهة عصرية، وهذا ما يجعلنا محافظين على عراقة الحرف العربي مع وجود الحداثة في هذا الفن.”

أما عن الهندسة الروحانية والآلة الجسمانية للخط العربي وما يمكن أن تحققه تلك الهندسة من إبداع ودهشة بصرية يوضح الرواحي “مما لا شك فيه أن الخط العربي هو هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية وهي تصف عمق هذا الفن، كونه ينبع من روحانية الخطاط واستشعاره لرسم كل حرف من الحروف مع وجود الهندسة الخطية واستخدام النقاط لقياس أبعد الحروف ثم الكلمات ثم النص ثم اللوحة الفنية، وللخط هندسة أبعد من مجرد نقاط على الحروف في حقيقتها، فهي تعتمد على إظهار النسبة الذهبية في كل حرف وإظهار هذه النسبة في تناسب أطوال الحروف مع بعضها البعض، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن حرف الجيم له طول يتناسب مع طول حرف الألف وهذه الأبعاد في حقيقتها تمثل هذه الهندسة في الخط العربي.”

بوكس

ولأن الخط العربي يظهر اليوم في عدد من الأشكال الفنية كالزخرفة والفن التشكيلي والجداريات، يشير الرواحي إلى الأقرب إليه من هذه الأشكال واصفا ما حققه الخطاط العُماني من ابتكار وتجارب وتطور على المستوى المحلي والدولي في هذا الشأن فيقول “كثيرة هي الاستخدامات التي يشهدها الخط العربي في واقعنا المعيش، وتتجلى صوره في سياقات شتى، ومن استخداماته التشكيلات الحروفية والجداريات والديكور الداخلي والخارجي وحتى نحت المنحوتات الفنية، كل هذه الاستخدامات تعكس حياة الإنسان المعاصر وتوجه الفن بشكل عام.”

ويرى الخطاط العماني أنه “خلال العقود الماضية كان الخط يظهر على أشكال فنية مختلفة بما فيها اللوحة المنزلية، وزخرفة المتاحف والعمارة الإسلامية، لكن تغيّر الاستخدامات في كل فترة من الفترات لا ينقص من شأن الخط بل يزيد قيمته، ونحن نرى استخدام الخط العربي في الهدايا التذكارية والمخطوطات الرسمية على المستوى المحلي وعلى مستويات عالية جدا، ولا ننسى العلامات التجارية وهذا مؤشر مهم على النهوض بثقافة الخط العربي حول العالم، كما نرى العديد من المعارض الثقافية والفنية تتسم بطابع الحرف العربي وهو ما يجعل الخط يمثل هوية من هويات الدول العربية والمسلمة.”

وفي ما يتعلق بالتكنولوجيا، وأثر التسارع التقني على فن الخط العربي، والأدوار التي تقوم بها البرامج الحاسوبية والأدوات الرقمية في تصميم الخطوط العربية يعلق الرواحي “الخط بين التكنولوجيا والأدوات الكلاسيكية هو في سياق جعل الخط العربي عالميًّا وشموليًّا في الاستخدام، فالتكنولوجيا وأخص بالذكر برامج التصميم قد تختصر من الوقت الكثير الذي كان يبذله الخطاط في نسخ اللوحات أو تصميم اللوحات بالكتابة المتشابكة أو حتى في تصميم لوحات أو علامات تجارية بأشكال مختلفة وهي تقنيات مساعدة للخطاط، ولكن كل هذا لا يغني عن تعلم أساسيات الخط العربي فيبقى أصل الحروف وأبعادها وكل ما يتعلق بقواعدها أمرا ثابتا، وهذه التكنولوجيا ستجعل من الأمر أكثر سرعة وذا جودة عالية.”

للخط هوية ثابتة

في ما يتعلق بحفاظ الخط العربي على هُويته وجماله في ظل طغيان المحتوى الرقمي، وما إذا كان هناك تأثير حقيقي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على انتشار وتطوير هذا الخط؟ يوضح الرواحي أن “هوية الخط العربي ثابتة ولا أتصور أنه يمكن تغطية جماله في ظل وجود محتوى وخطوط رقمية، وكل تلك الخطوط التي تظهر على هيئة خطوط رقمية حديثة لا تؤثر على صورة الخطوط العربية ما لم يتم استخدامها في غير سياقها، وعلى سبيل المثال ما نراه في المسابقات الخطية على جميع المستويات وحتى على مستوى التشكيلات الحروفية لا يمكن أن نشهد له أيًّا من الخطوط الرقمية ولا حتى في الاستخدامات الرسمية وهذا ما يعكس ثبات جمالية الحرف العربي. أما بالنسبة إلى انتشار الخط العربي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى عن طريق الدروس الإلكترونية فهو يؤثر تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا على تعليم الخط العربي وانتشاره، فقد كان عدد طلاب الخط سابقًا قليلين جدا مقارنة بعددهم اليوم، فهناك انتشار منقطع النظير في سياق تعلم الخط الذي بات في كل دول العالم وفي ظروف مثالية وسهلة، وحتى مشاهدة خطوط الخطاطين على هذه المواقع تعطي تغذية بصرية لكل خطاط ومحبّ لتعلّم هذا الفن.”

◄ إبداع في حيثيات الخط العربي
إبداع في حيثيات الخط العربي

أما عن الكيفية التي يمكن أن يكون الخط العربي من خلالها عاكسًا لماهية التراث والثقافة العربية وأهميته في الهوية الثقافية العربية فيقول “انعكاس ثقافات الشعوب له عدة وجوه وصور، يمكن أن يتجلى في واقع حياة الشعب نفسه، ولذلك نجد أن العرب والمسلمين قد اتخذوا خطهم جزءا من ثقافتهم، فنجد الخط العربي منقوشًا في المساجد أو محفورًا بين جدران المنازل وعادة ما يستخدم في المحافل والمناسبات وحتى في بعض الأقمشة والملابس، وأصبح حيًّا واقعًا للمجتمع العربي والمسلم ويمثل جزءا مهمًّا من تمثيل هُويته.”

وفي ما يتعلق بالابتكار، حيث التحديات التي يواجهها فنانو الخط العربي بالإضافة إلى الفرص الجديدة التي يوفرها العالم الرقمي لتطوير ونشر الخط العربي، يبيّن الفنان أن “هناك جملة من التحديات تتمثل في نشر ثقافة الخط العربي وحقيقة تلك الثقافة، ونقلها إلى الأجيال في المستقبل، كون أن تعلّم الخط العربي بحاجة إلى الصبر والمدة الطويلة حتى إتقانه وهذا قلّ ما نجده لدى الجيل الحالي ولكن نأمل انتشاره بشكل أوسع في سلطنة عُمان وفي الوطن العربي والعالم الإسلامي، فاللغة العربية في خصوصيتها مع الخط، هما وجهان لعملة واحدة كما قيل، يدوم الخط في القرطاس دهرا، و كاتبه رميم في الترابِ، و هذا ما يدل على أن الخط يستخدم للتوثيق، فهو يشكل موروثا للغة في العلم والآداب وغيرهما من العلوم.”

ويتابع “قيل أيضا الخط لسان اليد وتُرجمان اللسان فما الخط إلا ناطق لما تنضح به اللغة، وكما قال الخوارزمي في معادلته: إذا كان الإنسان ذا أخلاق فهو يساوي 1، ‏وإذا كان الإنسان ذا جمال فأضف إلى الواحد صفرا يساوي 10، وإذا كان ذا مال أيضا فأضف صفرا آخر يساوي 100، ونحن نزيد عليها وإذا كان ذا خط حَسن فأضف صفرا آخر يساوي 1000، ‏فإذا ذهب الواحد وهو الأخلاق ذهبت قيمة الإنسان.”

ويضيف “أما إذا تحدثنا عن الفرص في شأن مجال الخط العربي فهي قائمة على إيجاد وإنشاء خطوط جديدة مستوحاة أو مستنبطة من خطوط قديمة أو حتى جديدة بالكامل وهذا ما نراه اليوم على سبيل المثال في خط الوسام الذي ابْتُكر حديثا ويسمى اليوم بخط عُمان الذي أنشئ بناءً على نمط الخط الذي كان يستخدمه العُمانيون قديمًا، فمثل هذه الخطوط يمكن تحديثها وابتكارها وإدخالها رقميًّا وانتشارها بشكل أسرع بكثير.”

14