الخطاب المتطرف على الإنترنت يلقى أذنا صاغية في بريطانيا

فشلت جهود شركات الإنترنت في إيجاد وصفة ناجعة لمكافحة المحتوى المتطرف على الإنترنت، الذي يبدو أن تأثيره في بريطانية أكبر من أي مكان آخر في أوروبا، فيما تدرس الحكومة البريطانية تشريع قوانين جديدة للحد من انتشاره وتأثيره.
الخميس 2017/09/21
مسلسل "الدولة" سلط الضوء على تأثير الإنترنت في تجنيد الشباب في بريطانيا

لندن – كشفت دراسة بريطانية عن حجم الدعاية المتطرفة على الإنترنت وتأثيرها على المستخدمين بشكل خاص في بريطانيا، مما يفسر تعاقب العمليات الإرهابية التي استهدفت البلاد، ويطرح تساؤلات حول مدى فعالية جهود شركات الإنترنت في مكافحة المحتوى المتطرف على منصاتها.

وقالت الدراسة التي أعدتها مؤسسة بوليسي إكستشاينج البحثية، أن أكثر التفاعلات على مواقع الدعاية الجهادية على الإنترنت تأتي من بريطانيا، مقارنة بأي دولة أخرى في أوروبا، ويعد البريطانيون خامس جمهور في العالم يشاهد المحتويات المتطرفة بعد تركيا، والولايات المتحدة، والسعودية، والعراق، حسبما نقله موقع بي بي سي.

ورجح المركز البحثي أن يؤيد الشعب البريطاني استصدار قوانين جديدة تجرم قراءة المحتويات التي تمجد الإرهاب، إذ يبدو أن مطالب الحكومة البريطانية لشركات الإنترنت، مثل فيسبوك وغوغل، ببذل المزيد من الجهد لإزالة المواد المتطرفة، لم تثمر نتائج مجدية حتى الآن.

وقال قائد الجيش الأميركي السابق، الجنرال ديفيد بيترايوس، الذي كتب مقدمة الدراسة، إن جهود مكافحة التطرف على الإنترنت "غير كافية".

وأضاف أن تفجيرات مترو لندن، التي وقعت الأسبوع الماضي، "تسلط الضوء مرة أخرى بوضوح على الطبيعة الآنية والواسعة لذلك التهديد”، مؤكدا “ليس هناك شك في أهمية هذا الموضوع والإلحاح عليه. الوضع الراهن غير مقبول بالمرة".

داعش نشر دعايته على الإنترنت عبر مجموعة كبيرة من المنصات بما فيها خدمات مشاركة الملفات والرسائل المشفرة

واقترحت الدراسة سن تشريعات جديدة تجرم "الامتلاك المتعمد أو الاستخدام المستمر" للأفكار المتطرفة، لكن دون تجريم أي شخص “يمر بالمصادفة” على محتويات متطرفة. وأشارت إلى أن الصور التي تجسد انتهاكات للأطفال عوملت بطريقة مشابهة، وبعقوبات أقسى في أخطر القضايا.

وتنص المادة 58 من قانون مكافحة الإرهاب لعام 2000، على امتلاك معلومة يمكن أن تساعد إرهابيا محتملا يعدّ لجريمة، لكن ذلك لا يشمل المواد التي تمجد الإرهاب.

واستطلعت مؤسسة بوليسي إكستشاينج آراء ألفي شخص بالغ في بريطانيا، ووجدت أن 74 بالمئة منهم يؤيدون سن قوانين جديدة تجرم "الاستخدام المستمر" للمواد المتطرفة على الإنترنت.

كما كشفت الدراسة، وهي من 130 صفحة، أن تنظيم داعش ينتج أكثر من مئة مادة جديدة وفيديو وصحيفة أسبوعيا، مشيرة إلى أن أي تراجع للجماعة الإرهابية في الفضاء الإلكتروني “مبالغ فيه إلى حد كبير”.

وقالت “خلال عام مضى على الأقل، استمر التنظيم في إنتاج محتويات على الإنترنت، على الرغم من مقتل قيادات بارزة في التنظيم، وخسارته أراضي، والقتال المستمر".

وتوصلت الدراسة إلى أن تنظيم داعش نشر دعايته على الإنترنت عبر مجموعة كبيرة من المنصات الإلكترونية، بما فيها خدمات مشاركة الملفات ومنصات الرسائل المشفرة، ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وغوغل وتويتر.

وتقول شركات الإنترنت العملاقة إنها بذلت جهودا كبيرة لمكافحة المحتويات المتطرفة، حيث أكدت شركة فيسبوك إنها تعمل “بقوة لإزالة المحتويات الإرهابية” من على موقعها.

وأضافت أنها طورت قاعدة بيانات تشاركية لصناعة الإنترنت من "دالات التجزئة"، وهي بصمة رقمية فريدة، تصنف الفيديوهات والصور المتطرفة والعنيفة. أما شركة تويتر فتصر على أن المحتويات الإرهابية ليس لها مكان على منصتها، بينما وصفت شركة غوغل التطرف عبر الإنترنت بأنه “تحدٍ خطير لنا جميعا".

وعلى غرار فيسبوك قالت يوتيوب إنها تنوي توظيف مجموعة من الإجراءات الجديدة من أجل محاربة المحتوى المتطرف والحاث على الكراهية على منصتها للفيديو، وبذلك تتوسع جبهة محاربة المحتوى المتطرف في العالم الرقمي.

74 بالمئة من البريطانيين يعتقدون أن شركات الإنترنت يجب أن تكون أكثر استباقية في تحديد مكان وحذف المحتويات المتطرفة

وأعلنت يوتيوب أنها ستقوم بالاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من أجل تصنيف ومحاربة المحتوى المتطرف وذلك عن طريق تقنية “التعلم الآلي”، وهو ما سيساهم في تسريع هذه العملية ومنع إعادة تحميل المحتوى الذي تم تصنيفه على أساس أنه محتوى متطرف، إلا أن يوتيوب لا تنوي الاعتماد فقط على الذكاء الاصطناعي وإنما كذلك على مستوى العامل البشري.

حيث ستقوم يوتيوب بالرفع من عدد المراقبين المستقلين للمحتوى المنشور على منصتها والمنتمين إلى منظمات المجتمع المدني المختصة والذي يصل عددهم إلى قرابة خمسين منظمة، كما أن يوتيوب ستعتمد معاير جديدة بالنسبة إلى الفيديوهات التي تنتهك بشكل كلي شروط الاستخدام وتدعو إلى الكراهية والتطرف، حيث سيتم إظهار إشعارات بشأنها، كما سيكون من الممنوع أن تدرّ هذه الفيديوهات مداخيل مادية على ناشريها بالإضافة إلى إمكانية حظر مشاركتها أو التعليقات عليها.

لكن هذه الجهود غير كافية بالنسبة إلى الحكومة البريطانية، وأعربت وزيرة الداخلية أمبر رود عن رأيها متحدثة “نعلم أن داعش يمثل خطرا على الإنترنت، وتساعد هذه الدراسة على تسليط الضوء على حجم المشكلة".

وأضافت “لقد أعلنتها بوضوح الشمس لرؤساء شركات الإنترنت، إنهم بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد، وبشكل أسرع، لإزالة المحتويات الإرهابية من مواقعهم، ومنع تحميلها بالأساس”.

واقترحت الدراسة على الحكومة البريطانية سن إجراءات “متدرجة”، للضغط على شركات الإنترنت، بما فيها منح اللجنة الجديدة المقترحة لمكافحة الإرهاب صلاحيات للإشراف على إزالة المحتويات المتطرفة من على الإنترنت.

وقالت مؤسسة بوليسي إكستشاينج إن 74 بالمئة من البريطانيين، الذين خضعوا للبحث، يعتقدون أن شركات الإنترنت يجب أن تكون أكثر استباقية في تحديد مكان وحذف المحتويات المتطرفة.

وأوضح مارتن فرامبتون، الرئيس المشارك لإدارة دراسات الأمن والتطرف في مؤسسة بوليسي إكستشاينج “إذا لم تفعل شركات الإنترنت ما يريده زبائنها، وتتحمل المزيد من المسؤولية عن إزالة هذه المحتويات، فإن الحكومة يجب أن تتخذ تحركا عبر تشريعات وقواعد إضافية”.

ورأت رود أنه “لا يجب أن تُستخدم الإنترنت كفضاء آمن للإرهابيين والمجرمين، وصناعة الإنترنت بحاجة إلى ضمان أن الخدمات التي توفرها لا تُستغل من جانب هؤلاء الذين يرغبون في إيذائنا".

18