الخطاب الإيراني يتسلل إلى الإعلام العربي من بوابة الحيادية

تسللت الدعاية الإيرانية إلى الاعلام العربي من الباب الواسع خلال الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان بسبب محاولته الانسياق للمزاج العام العاطفي على حساب الموضوعية والمهنية.
بيروت - يلاحق هاجس الحيادية وسائل الإعلام العربية في تغطيتها لأحداث المنطقة الساخنة، لكن هذا الهاجس أسقطها في فخ آخر جعلها تفتح الباب واسعا للخطاب الإيراني الذي وجد الساحة مفتوحة له مع اختلاط المفاهيم وغلبة عاطفة الجمهور على الموضوعية والمهنية لدى القنوات الإخبارية خصوصا.
ويبدو أن العديد من وسائل الإعلام العربية، انساقت للهجمة التي شنتها وسائل إعلام إيرانية وأذرعها في المنطقة بسبب تغطيتها لحرب غزة ولبنان، بهدف الترويج لدعاية “المقاومة” ثم تشويه الإعلام الذي لا يتماشى مع روايتها للأحداث.
وأمام الغضب الشعبي الواسع بسبب ما يجري في غزة ولبنان، التصقت الدعاية الايرانية بأي حديث عن المقاومة باعتبار أن الميليشيات الوكيلة لها في المنطقة أطلقت شعارات “الموت لأميركا وإسرائيل” التي تنسجم مع المزاج العربي حاليا، بغض النظر عن حقيقة أنها فشلت في تحقيق أي انتصار وأن البطولات ليس لها أثر سوى على شاشات “المقاومة”، والحديث خلافا لذلك يعرض وسائل الإعلام إلى هجمة شرسة من قبل أتباع طهران من الافتراضيين وجيوشها الإلكترونية كما حدث لقناة “إم.بي.سي” التي خالفت التيار السائد وتجرأت على انتقاد الأذرع الإيرانية وقياداتها التي تتحمل مسؤولية كارثة الحرب التي من غير المعروف متى ستنتهي.
وتعول إيران على الإعلام باعتباره إحدى أدوات الحرب لا تقل أهمية عن السلاح، لذلك تظهر حرصا شديدا على تسريب دعايتها ليس فقط للجمهور الداخلي بل إقليميا عبر وكلائها ومنابرهم الإعلامية غير أنها استطاعت التسلل أيضا إلى القنوات العربية الإخبارية التي باتت ساحة مفتوحة للدعاية الإيرانية بذريعة الرأي والرأي الآخر وحرية التعبير وتناول مختلف وجهات النظر، التي لن تجد لها طريقا للإعلام الإيراني الناطق بالفارسية أو العربية.
ونقلت وكالة “إرنا” الرسمية عن المرشد الأعلى علي خامنئي، قوله في لقاء مع مجموعة من الشعراء والشخصيات الثقافية والأدبية أن الشعر وسيلة إعلام وقال “إن التحديات والصراعات اليوم في العالم هي تحديات إعلامية… والإعلام أكثر فاعلية من الصواريخ والطائرات المسيّرة، والطائرات، في فرض التراجع على العدو، والتأثير في القلوب والعقول ومن يملك إعلاماً أقوى يكون أكثر نجاحاً في تحقيق أهدافه “.
ويؤكد صحافيون وكتاب أن خطاب ولاية الفقيه بات يتردد في الإعلام العربي حتى في تلك القنوات التي عادة ما ترفض أن تكون منبرا للدعاية الإيرانية ولطالما أن انتقدت سياستها في المنطقة، غير أن الحرب الإسرائيلية على غزة أدخلت العالم العربي في حالة من الاستقطاب الحاد إما معنا أو علينا، ووقعت القنوات الفضائية في هذا الفخ وفضلت الانسياق للحالة الشعبوية وترديد ما يقوله الإعلام الإيراني بدلا من النقد والتحليل والتوعية والانحياز للموضوعية.
ويقول الكاتب عبدالرحمن جعفر الكناني أن “ولاية الفقيه اخترقت كبريات وسائل الإعلام العربي، وفرضت نهجها وخطابها القادر على التلاعب بالعقول أو تشتيتها بعيدا عن الواقع في أقل تقدير”.
ويتساءل “هل منحتنا دوائر ولاية الفقيه مساحة حضور في وسائلها الإعلامية المنتشرة في عواصم عربية وكل مكان؟ أم تكتفي ببث خطابها الأحادي الملغم بعدائه الطائفي العنصري؟”.
وأضاف “صارت بعض طروحات قادة طهران ‘البراقة’ عناوين لبرامج إخبارية وتحليلية في قنوات عربية بعينها، في محاولة خفية لتسويقها إلى المستهلك العربي وإقناعه بها عبر أكاديميين وسياسيين إيرانيين يفتتح بهم الحوار في تلك البرامج ويقيمون في مكاتبها بمرتبات ومغريات لا حصر لها”.
وتُعتبر إستراتيجية طهران الإعلامية في الشرق الأوسط جزءاً لا يتجزأ من جهودها لتبرير مشروعها التوسعي الإقليمي وتعزيزه بين جمهور واسع. لكن الخطورة تكمن في انسياق وسائل إعلام عربية معروفة برفضها للمشروع الإيراني لهذه الدعاية.
ويعتبر الخليج العربي أحد القضايا الرئيسية في منظومة الأمن القومي الإيراني، وهو ما منحه منزلة مهمة في الخطاب الإعلامي الإيراني نظرًا لتشابك الطرفين في جملة من القضايا الأمنية والاقتصادية إضافة إلى الصراعات وهو ما يفرض على الإعلام العربي تحديات كبيرة للتصدي للبروباغندا المضادة.
إستراتيجية طهران الإعلامية في الشرق الأوسط جزءاً لا يتجزأ من جهودها لتبرير مشروعها التوسعي الإقليمي وتعزيزه بين جمهور واسع. لكن الخطورة تكمن في انسياق وسائل إعلام عربية لهذه الدعاية
وسعت طهران للتأثير بشكل مباشر على الرأي العام في الخارج حيث كانت “الخدمة العالمية” لـ”إذاعة جمهورية إيران الإسلامية” (“الإذاعة”) تعمل عن كثب مع “فيلق القدس” حين أطلقت قنوات إخبارية بعدة لغات، من بينها “قناة العالم” الفضائية باللغة العربية. لكن الإستراتيجيات الإعلامية لدول أخرى، ولاسيما الإمارات والسعودية وقطر طغت على جهود “الإذاعة”، مما دفع النظام إلى إنشاء “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية”.
وتعتمد الدعاية الإيرانية أيضا على ميليشياتها التي تلجأ إلى أساليب عديدة للوصول إلى جماهيرها بفعالية، منها القنوات في منطقة الشرق الأوسط وتبث باللغة العربية، ومنها قناة “الميادين”، و”الأقصى”، و”النبأ”، وبعض القنوات في العراق، وذلك بالتعاون مع حركات وقوى إسلامية مثل حماس وحزب الله، وفصائل شيعية عراقية، وتستقطب عددًا من النخب السياسية والثقافية والفنية العربية، ومهمتها الرئيسة الدفاع عن المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة العربية.
كما زاد الوكلاء العراقيون مؤخراً من أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيما على تطبيق “تيليغرام”. فقد أنشأوا منتديات يمكن من خلالها للشباب بشكل أساسي مناقشة الأيديولوجيات الإسلامية والمشاعر المعادية للولايات المتحدة، مع مشاركة الإعلانات وتنظيم الأنشطة المتعلقة بالميليشيات.
وأنشأت بعض الجماعات “قنوات إخبارية” على مواقع التواصل الاجتماعي تشارك في حملات تضليل لصالح الحكومة الايرانية. وبالإضافة إلى بث التقارير حول الهجمات على المصالح الأميركية، تقوم بتجنيد الشباب لإرسال الصور والمعلومات حول التحركات الأميركية في جميع أنحاء البلاد، وتعمل كما يسمى بـ”خلية الظل”.
ويُستخدم تطبيق تيليغرام أيضاً لتنظيم أنشطة مراقبة تهدف إلى إسكات أولئك الذين يعبّرون عن معارضتهم للتوسع الإيراني في العراق، ومن بين هذه الأنشطة عمليات التخريب والهجمات المتعمدة ضد النوادي الليلية ومحلات بيع الخمور ومحطات التلفزيون المنافسة ومكاتب الأحزاب السياسية. باختصار، فإن أي سياسة تهدف إلى مواجهة آلة الدعاية الإيرانية في المنطقة ستحتاج إلى مواجهة الطريقة القوية التي تستغل بها الجماعات الموالية لإيران وسائل التواصل الاجتماعي.