الخضوع للمظاهر أسهل طرق إفساد العلاقات الاجتماعية

لا يهتم الكثير من الناس إلا بالمظاهر ولو بنسب متفاوتة غير أنهم يهملون النظر إلى جوهر الإنسان، وحتى في ما يخص اختيار الزوج أو الزوجة باتت أهم المقاييس تعتمد على المظهر، فتركز الأسر على امتلاك السيارة والموبايل الأحدث والملابس الفاخرة، وهذه المقاييس أصبحت تتخذ كميزات للشخص، وهي عوامل تؤثر في قرارات الآخرين من دون السعي إلى اكتشاف طريقة تفكير الطرف المقابل ودون محاولة التعرف على جوهره.
شربات عبدالحي
القاهرة – تفشل العديد من العلاقات الإنسانية بسبب تركيز أحد الطرفين أو كلاهما على المظهر دون مراعاة مدى التوافق مع الشخص الآخر سواء كان ذلك في العلاقات الاجتماعية بمختلف أنواعها أو في العلاقات العاطفية وفي حالات الزواج أيضا، وهو ما يؤدي إلى تصاعد نسق الاهتمام بالمظهر والاهتمام بالتفاخر واستعراض الممتلكات والمكتسبات والإنجازات دون السعي إلى إظهار جوهر الإنسان وخلقه.
تقول سامية محمد، معلمة لغة عربية، يتفاخر أحد زملاء ابني في المدرسة ذو الثانية عشرة من العمر بهاتفه الجوال الذي يتعدّى ثمنه ثمن شبكة ابنتي الكبيرة، ما يجعل ابني يقارن دائما بين ظروفه وظروف زميله وما يتوفر لكل منها. وليس التباهي مقتصرا على الأطفال والمراهقين، بل أصبح منتشرا في كل مكان ولدى كل الفئات الاجتماعية والعمرية، ويبرز خاصة في المناسبات وحفلات الزواج، بسبب إنفاق مئات الآلاف من الجنيهات على مظاهر الفرح، بالإضافة إلى أنه في بعض الزيجات يوجد إصرار على الشقة ذات المساحة الكبيرة، وأن تكون مكدسة بأثاث وأدوات أحيانا لا يتم استخدامها على الإطلاق، وكل هذا للتفاخر فقط.
ويؤكد ذلك محمد أحمد، طالب جامعي، معتبرا أن هذه الظاهرة مشتركة ومتواجدة عند الفتيات والشباب، فالفتاة تتفاخر بلباسها وبسيارتها، والشاب بشراء سيارة آخر موديل وبيع سيارة واقتناء محمول جديد وقد يضطر إلى التداين بسبب تلك المظاهر.
وتعتبر أميرة وهي تعمل سكرتيرة في إحدى الشركات أن التباهي أصبح من الأساسيات اليوم وليس كالسابق، وتقول “إن أول ما يلفت نظر الناس، هو المظهر، ما جعل التعامل مع أي شخص يتم على أساس المظهر ولا يهمّ ما يوجد في الداخل، لقد أصبحنا نعتقد أن الاحترام مرهون بالاستعراض والتباهي بما نملك”.
يقول أستاذ علم النفس السلوكي عبدالله عمرو “أصبح التفاخر في الوقت الحاضر ظاهرة ملفتة بشكل كبير، ونرى أن الفنانين أو المشاهير هم عادة من يقومون بذلك في المجتمع، ولكن مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتداولها سريعا بين أفراد المجتمع، أصبح الكل يمارس هذا السلوك؛ ففي عالم الإنترنت نشاهد العديد من الأشخاص الذين ينشرون صورا لهم في مكان مشهور أو حين يحضرون حفلة لمغن مشهور، أما في العالم الواقعي فإن معظم من يقوم بالتفاخر والتباهي، لا يمتلكون ثمن تذكرة وسيلة النقل التي ستوصلهم إلى مثل هذه الأماكن.
أسباب انتشار ظاهرة التباهي ترجع إلى وجود خلل نفسي ربما يكون شعورا بالنقص أو رغبة في لفت انتباه الناس
ويؤكد عبدالله أن العديد من أفراد المجتمع، بدأوا يتباهون بالسيارة وبالمنزل الخاص بهم، وبالأكل وبالحفلات والولائم وغيرها، كل هذا لكي يعطوا صورة وهمية لواقعهم الحقيقي، وقد يكون لدى مثل هؤلاء الأشخاص شعور بالنقص، فكل ما يحاولون فعله، هو إخفاء عيوبهم وراء ستار التباهي والتفاخر، بل أصبح ذلك بمثابة مرض اجتماعي آخذ في الانتشار. ويضيف “إن هناك أساليب أخرى، للاستعراض والتصنع، وذلك حينما يحول البعض المناسبات أيا كانت، إلى فرصة للتباهي، حتى يثبت للآخرين مكانته الاجتماعية التي ستجلب له التقدير والاحترام، ولذلك أنا ضد ثقافة التباهي، فهي ثقافة متهرئة تعبر عن شخصيات تافهة تشعر بأنه ليس لها قيمة في المجتمع فتحاول التباهي، وتعوض هذا النقص بامتلاك الأشياء الثمينة بأي وسيلة”.
ويقول أستاذ علم النفس السلوكي “أتمنى أن نثقف أنفسنا ونفهم أن الحياة ليست مجرد مظاهر وإنما الحياة فكر وعمل ومحاولة للإبداع والإنتاج، ولا يكون الفرد مجرد مستهلك فقط، فيجب أن نكون على وعي ولا نزرع هذه الثقافة في عقول أطفالنا، لذا يجب أن نعلمهم القناعة والبساطة وكيف يكونون قادرين على مواجهة حاجياتهم بما يتفق مع الدخل الذي لديهم ونفقات المعيشة”.
وترجع أسباب انتشار هذه الظاهرة، إلى وجود خلل نفسي ما ربما يكون شعورا بالنقص أو رغبة في لفت انتباه الناس، أو تقليدا أعمى للآخرين.
وفي رأي استشاري الطب النفسي عبدالله إسماعيل، إن حب التظاهر أو المبالغة في ما نملك من أدوات التكنولوجيا، أصبحت حقيقة شائعة، ومن الغريب الآن أن تجد الأطفال يتنافسون على التظاهر ويستخدمون أحدث وسائل التكنولوجيا التي لا يستطيع البالغون شراءها، أو أجهزة الكمبيوتر كالأيباد والآيفون، وهناك أطفال في السادسة عشرة من عمرهم أو حتى في الثانية عشرة يقودون السيارات، برغم عدم بلوغهم السن القانوني، ولكن يسلمها لهم أولياؤهم كوسيلة ترفيهية عوضا عن لعبة.
ويضيف عبدالله “من الغريب أن الأسرة تشجع على هذا السلوك السلبي حين تعطي الأهمية للشخص بمقدار ما يملك من أشياء أو ما يلبس من ثياب أو ربما تقديره أكثر من رحلاته إلى أماكن سياحية غالية الثمن، فلا يجب على الآباء تأكيد المظاهر وجعل الأطفال أو الشباب يندفعون إلى شراء
أدوات غالية، وقد تتورط بعض الأسر في الديون لإرضاء أحد أبنائها بشراء جهاز كمبيوتر أو محمول حديث وغالي الثمن. كما أن الإعلانات في التلفزيون تؤثر كثيرا في معظم طبقات الشعب فتجد الجميع يسعون إلى شراء كل ما هو جديد ومدهش في عالم المحمول أو السيارات وغيرهما، ولذلك أطالب كل أسرة بأن لا تنساق وراء رغبات الأبناء، وأن تكون المشتريات في حدود المعقول دون إسراف وتبذير وبعيدا عن المباهاة أو التفاخر أمام الآخرين”.