الخجل ليس دائما علامة على الطفل الهادئ والسوي

السلوك الاجتماعي من قِبِل الأهل قد يدفع الطفل من ذوي الحساسية الخاصة إلى التصرّف السلبي الاتكالي ما ينتج عنه في نهاية الأمر إصابته بالاكتئاب النفسي.
الأربعاء 2019/01/02
الخجل الشديد ينمي الشعور بالعزلة لدى الطفل

القاهرة- يرى الكثير من الأخصائيين أن الطفل الذي يعاني من الخجل أو الانطواء لا يزعج أحدًا، فيمرّ الجميع على خجله مرور الكرام. وقد يرحب الأهل والمدرّسون في مراحل التعليم الابتدائي بهذه الصفة، ويعتبرونها دليلا على الانضباط والاهتمام بالتعليم.

يقول د.شريف محمود، استشاري أمراض المخ والأعصاب بالقصر العيني، “يجب التمييز بين نوعين من الخجل، الخجل السوي عند الأطفال والخجل الشديد الذي يؤثر على ثقة الطفل بنفسه ويجعله عُرضة للكآبة؛ فبعض الأولاد يتميزون ببطء الاستجابة فهم لا ينفعلون بسرعة ولا يفكرون في الأشياء قبل القيام بها ويفضلون المراقبة على المشاركة. ولكنهم إذا حصلوا على درجة من التشجيع فإنهم قادرون على الانخراط في دائرة الحياة والقيام بالمهام بالشكل المطلوب”.

ويوصي محمود بضرورة التعامل مع هذه النوعية من الأطفال حسب إيقاعهم وعدم الضغط عليهم، مع مراعاة الاستمرار بتشجيعهم ومنذ مراحل الطفولة الأولى. ويتميّز العديد من الأطفال بجهاز عصبي حساس جدًّا؛ حيث يظهر ذلك بشدة تأثرهم بالمؤثّرات الخارجية كسماع صوت حاد أو رؤية أشياء غير مألوفة وسرعة انفعالهم تجاه أيّ تغير مفاجئ في محيطهم ينعكس على شكل بكاء حاد وتوتر.

ولكن هنا يجب الإشارة إلى أنه بعد إجراء العديد من الدراسات تبيّن أن هذه النسبة من الأطفال الحساسين قد تصل إلى 20 بالمئة من الشريحة المدروسة من الأولاد والبنات ولكن بعد الاستمرار بالدراسة لعدّة سنوات تبيّن أن 50 بالمئة من هذه الشريحة الحساسة من الأولاد ممن أُتيحت لهم فرصة الدعم الاجتماعي في محيط العائلة ظهر أنهم يتميّزون بشخصية اجتماعية منفتحة على الآخرين.

ومن ناحية أخرى يقول د.إبراهيم رمزي، استشاري الأمراض العصبية والنفسية بطب القصر العيني “إن اضطرابات السلوك كالخجل الشديد قد يكون وراءه عامل وراثي، كما بيّنت الدراسات على العديد من التوائم. ولكن يجب الأخذ في الحسبان أن الخجل يُعتبر من الخصائص المرنة في شخصية الإنسان ويتأثر كثيرًا بالمحيط الذي ينشأ ويترعرع فيه الطفل”.

في مركز الصحة العاطفية بجامعة ماكواري بسيدني، وجد الباحثون أن الآباء لهم دور كبير في القلق الاجتماعي الذي يصيب أطفالهم، وهذا لا يعني أنهم السبب في المشكلة، لكنهم يستطيعون أن يلعبوا دورًا مهمًا في تغييرها، فعندما يشعر الأطفال بالرعب؛ لن يفكر الآباء ا في شيء أهم من حماية أطفالهم، لكن الحماية الزائدة للطفل والإحاطة به لا تسمح له بالتعلم من تلك التجربة.

وفي إحدى الدراسات بالمركز، طلبوا من أطفال -تتراوح أعمارهم ما بين 7 و13 عاما- إعداد خطاب مدته في حدود الدقيقتين، بعد ذلك طلب الباحثون من الأمهات مساعدة أطفالهن بشكل كبير في إعداد الخطاب، أما النصف الآخر فقد طلبوا منهن توجيه أطفالهن فقط، بعد ذلك طلبوا من الأطفال إعداد خطاب آخر بأنفسهم وتقديمه أمام جمهور صغير. فأظهر الأطفال الذين حصلوا على مساعدة كبيرة من أمهاتهم أو أبائهم أول مرة؛قلقًا شديدًا وتوترًا عندما قدّموا خطابهم الثاني.

من الأفضل التمييز بين الخجل السوي والخجل الشديد الذي يؤثر على ثقة الطفل بنفسه ويجعله عرضة للكآبة

ويشير د.إبراهيم رمزي، استشاري الأمراض العصبية والنفسية بطب القصر العيني، إلى الدور السليم للأهل يمكن أن يساعد في علاج هذا النوع من الاضطرابات السلوكية الطفل، ويقول “إن قدرة الأهل على تدريب أولادهم على التأقلم مع الظروف غير الاعتيادية وتقبّل الأشياء الطارئة والمتغيّرات التي تحصل في محيط الطفل بشكل يومي، من رؤيته لأشخاص جديدين وسماعه مؤثّرات صوتية جديدة، تؤثر بشكل كبير على قدرته على التأقلم في المستقبل وزرع الروح الإيجابية لدى الطفل بحيث تكون عنده القدرة على القيام بالمبادرة الإيجابية في المستقبل والمناورات الاجتماعية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية تجنّب انتقاد الطفل بشكل مستمرّ أو ضربه أو الاعتداء عليه بشكل عضوي أو نفسي؛ لأن ذلك سوف يزرع بداخله بذور الأمراض النفسية”.

ويضيف “إننا بشكل عام في مجتمعاتنا العربية نشجع السلوك الهادئ عند الأولاد؛ ما يعطي فرصة عند بعض الأسر إلى تشجيع انزواء الطفل ما قد يعمّق عنده الإحساس بالكآبة والانطوائية والخجل.

إن هذا السلوك الاجتماعي من قِبِل الأهل قد يدفع بالأطفال من ذوي الحساسية الخاصة إلى التصرّف السلبي الاتكالي وعدم أخذ المبادرات أو إبداء الرأي بل الصمت والتصرّف الخجول، ما ينتج عنه في نهاية الأمر إصابة الطفل بالاكتئاب النفسي الذي قد يدمر حياة الإنسان مع مرور الوقت ويُعيق قدرته على العطاء في المجتمع، ولذلك لابد من اهتمام الأسرة بطفلهم الانطوائي”.

 ويرى د.أنور فريد، استشاري الطب النفسي بالقصر العيني، أنه من الممكن للأسرة أن تساعد طفلها في أن يكتسب الثقة بالنفس، من خلال احتضان الوالدين للطفل والابتسام والحوار؛ فهذا كله يعطيه إحساسًا بإيجابية المجتمع من حوله، على ألاّ يكون هذا الدعم النفسي مبالغا فيه.

تجدر الإشارة إلى أن الطفل، بين العام الأول والرابع، يبدأ بالميل إلى الاستقلالية ورفض أوامر الأهل وهنا يوصي الأخصائيون بتشجيعه على الاعتماد على نفسه؛ فهو يحاول أن يكتشف الأشياء من حوله ويختبر قدرته على التعامل معها.

لذلك يفضّل أن يقوم الأهل بمراقبة تصرفات الطفل بشكل غير مباشر وتشجيعه على أخذ المبادرة والتصرف بحرية ضمن بيئة آمنة من حوله تحميه من التعرض إلى الحوادث داخل المنزل أو خارجه. كما ينبغي على الأم إخفاء قلقها الزائد ولهفتها على طفلها وأن تترك له الفرصة لمواجهة بعض المواقف التي قد تؤذيه بهدوء وبثقة.

21