الخارجية العراقية في مرمى "نيران" القوى الشيعية بسبب خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة

فرصة جديدة للقوى الساعية لنزع منصب وزير الخارجية من يد المكون الكردي.
الأربعاء 2024/10/02
من ليس معنا فهو أميركي

عدم انسحاب عضو في الوفد العراقي أثناء كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوقد مجدّدا شرارة المعركة السياسية المفتوحة على وزارة الخارجية العراقية من قبل قوى شيعية كثيرا ما أظهرت عدم رضاها عن الوزير فؤاد حسين وبذلت جهودا لإزاحته من المنصب المهمّ.

بغداد- استأنفت أحزاب وفصائل مسلّحة مشارِكة في حكم العراق معركتها ضدّ وزير الخارجية فؤاد حسين متّخذة من عدم انسحاب العضو في الوفد العراقي إلى الأمم المتحدة سمر القيسي أثناء إلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي لكلمته أمام الجمعية العمومية للمنظمة الأممية، وسيلة لتسليط المزيد من الضغوط على الوزير الذي سبق لتلك القوى ذاتها أن انتقدته بشدّة وطالبت باستبعاده من قيادة الدبلوماسية العراقية.

وتتهم غالبية الأحزاب والفصائل الشيعية فؤاد حسين بتوجيه السياسة الخارجية للعراق وفقا لانتمائه القومي إلى المكوّن الكردي، ولانتمائه الحزبي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتعتبر مواقفه من عدّة ملفات وقضايا خارجة عن ثوابت السياسة العراقية.

وفي ضوء تلك الاتهامات تنظر إليه باعتباره، على غرار الحزب الذي ينتمي إليه، حليفا للولايات المتّحدة، وتحمّله تبعا لذلك مسؤولية “التراخي” في معالجة ملف إخراج القوات الأميركية من العراق، رغم علمها بأن الملف على درجة كبيرة من التعقيد وأنّه يتجاوز سلطاته ويقع ضمن اختصاص رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي ينتمي إلى القوى ذاتها التي تنتقد وزير الخارجية وتضغط عليه.

نصار الربيعي: القيسي أهانت العراق والعرب والمسلمين
نصار الربيعي: القيسي أهانت العراق والعرب والمسلمين

ومثّلت حادثة عدم انسحاب القيسي أرضية صلبة لاستئناف الحملة على وزير الخارجية وأتاحت لخصومه فرصة تجديد محاولة استبعاده من المنصب، كون التهمة المتعلّقة بحضور خطاب نتنياهو هي التطبيع مع إسرائيل المجرّم بقانون صوّت عليه البرلمان العراقي سنة 2022، فضلا عن خطورة التهمة سياسيا وأخلاقيا لدى القوى الشيعية النافذة في الدولة والتي تعلن انتماءها لما يعرف بـ”محور الممانعة” الذي تقوده إيران في المنطقة.

وبعيدا عن الدوافع السياسية المعلنة من قبل القوى المناوئة لوزير الخارجية، لا تنفصل الحملة على الوزير عما يدور من صراعات حزبية بهدف السيطرة على الجهاز الدبلوماسي العراقي ككل والذي تُخصص له مبالغ مالية كبيرة من موازنة الدولة ويوفّر عددا هائلا من الوظائف التي لطالما كانت محطّ أنظار تلك القوى.

وعلى مدى السنوات المنقضية من عمر تجربة الحكم التي قامت في العراق إثر الغزو الأميركي له، تحولت المناصب في السلك الدبلوماسي العراقي إلى إحدى أهم الجوائز والمكافآت التي تسعى الأحزاب والفصائل المتحكمة بالمشهد السياسي في البلد للحصول عليها وإسنادها لأعضائها وأفراد أسرهم والمقربين منهم.

وتقول جهات مطّلعة على كواليس القوى الشيعية العراقية إنّ قيادات كبيرة بتلك القوى تعبّر عن ندمها على الإقرار بذهاب وزارة الخارجية إلى المكوّن الكردي ضمن نظام المحاصصة المتّبع في البلاد.

وربط أحد المصادر الحملات المتلاحقة على وزير الخارجية بمحاولة التراجع عن التوزيع المعمول به حاليا للمناصب الهامة في الدولة، خصوصا وأن الظرف يبدو مناسبا مع وجود الإطار التنسيقي الشيعي في السلطة وما وفّره ذلك من قوة نفوذ للعائلة السياسية الشيعية.

ويقول خصوم فؤاد حسين إنّ الرجل يكرّس جهوده لخدمة مشروع كردي لا علاقة له بالدولة الاتحادية وذلك بالاستناد إلى كونه كان مساندا للاستفتاء الذي أجري سنة 2017 على استقلال إقليم كردستان عن الدولة العراقية.

ودأبت وسائل إعلام محلية تابعة لأحزاب وميليشيات شيعية خلال الفترة الأخيرة على نشر تقارير مدعومة بتعليقات لشخصيات منتمية إلى تلك القوى أو مقربة منها تتهم فيها وزير الخارجية بالمسؤولية عما تسميه ضعف أداء الوزارة في الدفاع عن مصالح العراق والحفاظ على سيادته.

ولم يستثن بعض تلك التقارير استدعاء إحدى أكثر التهم “خطورة” في عراق ما بعد الغزو الأميركي وتتمثّل في وجود “فلول” حزب البعث ضمن مواقع القرار في الوزارة.

◄ قضية سمر القيسي تفجرّت في وقت تحاول فيه الحكومة العراقية جاهدة النأي عن تداعيات الوضع المتفجّر في المنطقة جرّاء التطورات الخطرة في لبنان
قضية سمر القيسي تفجرّت في وقت تحاول فيه الحكومة العراقية جاهدة النأي عن تداعيات الوضع المتفجّر في المنطقة جرّاء التطورات الخطرة في لبنان

ولا تخلو الحملات على الخارجية العراقية من مغالطات متعمّدة حيث تدرك القوى التي تقف خلفها وجود مسؤولية جماعية للحكومة عن مجمل السياسات الخارجية للبلاد، بل حتى مسؤولية للقوى ذاتها التي تحاول أن تتبرّأ من تلك السياسات على اعتبار الإطار التنسيقي الذي يجمعها يمثل مظلة لحكومة السوداني ومشاركا رئيسيا في صنع قرارها وتسطير سياستها.

ومع ذلك يظل الهجوم على الخارجية مهربا مناسبا من المسؤولية نظرا لكون الوزارة تمثّل الحلقة الضعيفة في الحكومة لأنّ من يقودها لا ينتمي إلى العائلة السياسية الشيعية التي تمثّل عماد تجربة الحكم وقيادة الدولة العراقية.

وتسابقت عدة قوى شيعية لاستغلال قضية القيسي وجني الدعاية من ورائها وتسجيل النقاط على حساب وزارة الخارجية وقيادتها.

وشرعت كتلة الصادقون الممثلة لميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي تحت قبة البرلمان العراقي في جمع التواقيع لاستدعاء وزير الخارجية إلى مجلس النواب بغرض استجوابه بشأن بقاء عضو الوفد العراقي خلال كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الأمم المتّحدة.

وقال رفيق الصالحي النائب عن الكتلة إنّ الأخيرة “أصرت على جمع تواقيع نيابية لاستضافة الوزير داخل مجلس النواب على خلفية بقاء وفد وزارة الخارجية خلال كلمة نتنياهو”.

ومن جهته طالب النائب عن الكتلة ذاتها ثامر ذيبان الحمداني الخارجية العراقية بكشف أسباب عدم انسحاب أحد أعضاء الوفد الدبلوماسي العراقي المشارك في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

ونشرت وسائل إعلام عراقية محلية وثيقة صادرة عن مكتب الحمداني تتضمن مخاطبة الخارجية العراقية بشأن بيان أسباب عدم أنسحاب سمر القيسي التي تشغل منصب سكرتير أول في الوزارة وعضو الوفد العراقي المشارك في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال خطاب نتنياهو.

وأمهل الحمداني في ذات الوثيقة وزارة الخارجية سبعة أيام لتبيّن موقفها من المسألة.

ولم يترك التيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر قضية القيسي لتمر دون أن يشارك في استثمارها سياسيا أسوة بالخزعلي الغريم الكبير للتيار.

◄ ثامر ذيبان الحمداني أمهل وزارة الخارجية سبعة أيام لتبيّن موقفها من المسألة
ثامر ذيبان الحمداني أمهل وزارة الخارجية سبعة أيام لتبيّن موقفها من المسألة

وبادر رئيس الكتلة الصدرية نصار الربيعي بتقديم شكوى قضائية ضد عضو الوفد العراقي إلى الأمم المتحدة.

وجاء في نص وثيقة الشكوى التي نشرها التيار أنّ عدم انسحاب القيسي أثناء كلمة نتنياهو فعل مجرّم بالقانون العراقي وينطوي على “إهانة علانية للشعب العراقي والأمة العربية والإسلامية ومساس بالمشاعر”.

ومن جهته دعا المتحدث باسم الحراك القانوني الشعبي محمد الصحاف الحكومة إلى محاسبة سمر القيسي وطردها من السلك الدبلوماسي.

وقال لوسائل إعلام محلية إنّ “عدم مغادرة ممثلة العراق اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أثناء خطاب نتنياهو تسبب بتشويه صورة العراق”.

وأضاف أنّ “بقاء القيسي في وزارة الخارجية العراقية يعد مهزلة لا يمكن السكوت عنها”، معتبرا أن طردها يجسّد إرادة الشعب.

كما أعلنت لجنة العلاقات الخارجية النيابية عن استدعائها القيسي للتحقيق في عدم مغادرتها القاعة خلال إلقاء نتنياهو لكلمته. وقال عضو اللجنة النائب عامر الفايز إنّ اللجنة اتصلت بوزارة الخارجية لمعرفة السبب وراء عدم الانسحاب، وأضاف أن “الوزارة أجابتنا بأنه كان تصرفا شخصيا وأنّ الخارجية استدعتها إلى بغداد على الفور للتحقيق عن أسباب عدم مغادرتها للقاعة”.

وتفجرّت قضية القيسي في وقت تحاول فيه الحكومة العراقية جاهدة النأي عن تداعيات الوضع المتفجّر في المنطقة جرّاء التطورات الخطرة في لبنان، خصوصا وأن البلد يكون عادة معنيا بأي صراع ينشب بين إسرائيل وأحد مكونات “المقاومة الإسلامية” مثل حزب الله اللبناني نظرا لوجود الكثير من الفصائل العراقية المسلّحة المستعدة للانخراط في تلك الصراعات وإقحام البلد فيها.

وعكس موقف الخارجية العراقية من الحرب في لبنان محاولة النأي تلك وقال المكتب الإعلامي للوزارة في بيان إنّ “فؤاد حسين أكد خلال مداخلة له في الاجتماع الوزاري لدول التحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش المنعقد في واشنطن أن العراق يجب أن يكون بمنأى عن الحروب الدائرة في المنطقة”.

وأشار الوزير إلى “قلق الحكومة العراقية الشديد تجاه الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط وخاصة في غزة ولبنان”، محذرا من أن “الحروب تساهم في خلق حالة من الفوضى التي تستغلها المنظمات الإرهابية مثل داعش، أو تفرز نسخة جديدة منه”.

3