الحياة العصرية تدفع الجزائريات إلى العزوف عن إرضاع أبنائهن

حذر مختصون في طب النساء والتوليد من التراجع غير المسبوق للرضاعة الطبيعية في الجزائر، خاصة وأن 94 بالمئة من المواليد الجدد يعتمدون على الحليب الاصطناعي، ما يتسبب مستقبلا في أمراض خطيرة وسط الأطفال.
السبت 2018/09/29
عمل الأمهات يؤثر على آلية إرضاع المواليد طبيعيا

الجزائر -  دفعت الحياة العصرية بالجزائريات إلى العزوف عن إرضاع أبنائهن، حيث تعرف الرضاعة الطبيعية تراجعا حادا إذ أن 6 في المئة فقط من الأمهات يرضعن أطفالهن حصرا بحليب الثدي حتى عمر 6 أشهر، حسبما أفاد الأستاذ بلقاسم شافي عضو اللجنة الوطنية لترقية الرضاعة الطبيعية على هامش افتتاح المؤتمر الدولي الثامن لأمراض النساء بالمؤسسة الاستشفائية الجامعية لوهران يومي 14 و15 سبتمبر الجاري.

وأعرب شافي عن أسفه لهذا التراجع في الرضاعة الطبيعية، لافتا إلى أن “العوامل التي تؤدي إلى توقف الرضاعة الطبيعية متعددة، وتظهر الولادات القيصرية بين هذه الأسباب حيث أن الأمهات اللواتي لا يرضعن في الساعات الأولى بعد ولادة الطفل يواجهن صعوبة في الرضاعة الطبيعية خاصة أن الأطفال حديثي الولادة يفقدون المص بعد فترة لا سيما عندما يعتاد الطفل على سهولة وتوفر الزجاجة”.

وأكد أهمية الرضاعة الطبيعية نظرا لغناها بالمعادن والفيتامينات مما يعطي مناعة كافية للطفل طوال حياته. كما دعا الأمهات إلى إطعام أطفالهن بشكل طبيعي مؤكدا أهمية “أول قطرات من حليب الثدي التي غالبا ما تهملها النساء”.

وقال “لتشجيع الأمهات على الإرضاع، يجب إعدادهن مسبقا أثناء الحمل وبعد الولادة”، داعيا إلى ضرورة إقناع الأمهات بأهمية هذه المادة الطبيعية المعقمة والمتوفرة طوال اليوم وسهولة هضمها لدى الطفل، فضلا عن فوائدها الطبيعية.وأشار إلى مساهمة حليب الثدي في حماية الطفل من بعض الأمراض الخطيرة والأم من بعض أنواع السرطان مثل سرطان الثدي والمبيض وعنق الرحم.

وكشفت دراسة سابقة للمعهد الوطني للصحة العمومية عن تراجع نسبة الرضاعة الطبيعية بالجزائر، مشيرة إلى أن هذا التضاؤل الحاد في إرضاع الأمهات الجزائريات لمواليدهن يأتي في ظل عدة عوامل اجتماعية وسوسيولوجية، تتوسطها عدة مخاطر تحدق بالمواليد الجدد تتجاهلها الأمهات في غالب الأحيان لفترات تتراوح ما بين ثلاثة أشهر وستة أشهر، وحتى هذه المدة تعتبر ضئيلة بالنسبة للمقياس المطلوب فعلا والمقدر بعامين كاملين حسب الشريعة الإسلامية، وهو ما يوصي به الأطباء فعلا.

وأرجعت الدراسة، التي تمت من خلالها مناقشة العوامل الكامنة وراء تراجع الرضاعة الطبيعية،  انخفاض نسبة الرضاعة الطبيعية لفائدة الرضاعة الاصطناعية إلى ارتفاع في عدد النساء العاملات مقارنة بالفترة ما بعد الاستقلال، حيث أصبحت ظروف الحياة العملية لا تسمح بتنقل الأمهات إلى بيوتهن وإرضاع مواليدهن خاصة.

كما أشارت إلى غياب الوعي وتفشي جهل الأمهات بالفوائد الصحية للرضاعة الطبيعية، منبهة إلى أن أمهات من دول أوروبية أصبحن يرضعن مواليدهن أكثر من الجزائريات.

التضاؤل الحاد في نسب إرضاع الأمهات الجزائريات لمواليدهن يأتي في ظل عدة عوامل اجتماعية وسوسيولوجية

وأفادت بأن نسبة الرضاعة الطبيعية أصبحت تتراجع من عشرية إلى أخرى ومن سنة إلى أخرى بسبب نقص الوعي بأهمية هذه الرضاعة وغياب الإعلام التحسيسي.

وأظهرت الدراسة عدم اهتمام كبير بالرضاعة الطبيعية وسط الأسر الجزائرية، مشيرة إلى أن المرأة حاليا في المجتمع الجزائري تتجه نحو الاستقلالية بالوظيفة، إلا أن ذلك يؤثر على آلية إرضاع مواليدها طبيعيا لعدم ملاءمة ظروف العمل على ذلك.

كما نبهت إلى عدم معرفة الأمهات العاملات بإمكانية حفظ حليب الأم واستعماله في مواقيت متفرقة من النهار، ويسجل كذلك انعدام التكوين للموارد البشرية في السلك الطبي حول الرضاعة الطبيعية وأهميتها.

وتعتقد 70 بالمئة من الأمهات أن حليب الأم يكفي المولود مقابل النسبة المتبقية التي ترى أن إرضاع المولود إلى غاية 6 أشهر يكفي، كما تعتقد ثلاثة أرباع الأمهات أن إرضاع المولود طبيعيا دقائق بعد ولادته أو على الأقل بعد ساعتين من ولادته مهم جدا.

ورغم الإقرار بأهمية الرضاعة إلا أن وتيرتها عند الأمهات عينة الدراسة تختلف باختلاف المستوى التعليمي لهن، كما يسجل كذلك إقرار الأمهات بتمتين الرضاعة طبيعيا لروابط المودة والعاطفة بين الأم ووليدها.

وحذر خبراء الصحة من مغبة تفضيل الأمهات للرضاعة الاصطناعية التي استفحلت بشكل كبير وملفت رغم مخاطر ذلك على صحة الأم ووليدها، إلا أن ذلك يظل أمرا واقعا، وهو التغير الذي أملته متغيرات عملية متصلة بنظام الحياة الجديدة والوتيرة السريعة للحياة العصرية. وأكدت تقارير حديثة أن الكثير من الأمهات الجزائريات تخلت عن الرضاعة الطبيعية التي تعتبر حقا بديهيا من حقوق المولود، وذلك نظرا لعدة عوامل أهمها خروج المرأة للعمل ونقص الوعي وسوء التغذية والظروف الاجتماعية الصعبة.

وناشد المكلفون بالأسرة وقضايا المرأة الأمهات العاملات الاهتمام بصورة فعلية بالرضاعة الطبيعية لأبنائهن وعدم الانقطاع عنها بمجرد انقضاء عطلة الأمومة المقدرة بثلاثة أشهر.

وفي تجربة جديدة درس الباحثون مستويات هرمون كورتيزول المسؤول عن التوتر عند 21 طفلا اعتمدوا على الرضاعة الطبيعة فقط في الأشهر الخمسة الأولى من حياتهم ومستواه لدى 21 طفلا لم يرضعوا طبيعيا. وعندما تعرض المواليد لضغط، مثل تجاهل الأم لهم، رصد الباحثون أدلة أقل على وضع الجسم في حالة “القتال أو الهرب” الدفاعية لدى من اعتمدوا على الرضاعة الطبيعية.

وقال الطبيب روبرت رايت الذي كتب افتتاحية الدراسة، وهو أستاذ طب الأطفال والطب البيئي بكلية طب إيكهان في نيويورك، “إن الدراسة ليست مصممة لتثبت أن سلوك الأم المتمثل في حمل رضيعها واحتضانه قد يفيده حتى لو كان يرضع اصطناعيا”.

وأضاف “الصلة بين الرضيع وأمه التي توجدها الرضاعة الطبيعية قد تكون تجربة مختلفة عما يحصل عليه الأطفال من الرضاعة عن طريق زجاجة”. وتابع أنه من المحتمل أن تغير تقوية هذه الرابطة عن طريق الرضاعة الطبيعية استجابة الأطفال للتوتر وتجعلهم أكثر قدرة على التحمل عندما يواجهون الضغوط.

21