الحياة الجامعية فترة دقيقة من حياة الشاب تحدد مستقبله

الجامعة تعتبر بوابة الدخول إلى الحياة الاجتماعية والمهنية للشاب، ويكتسي خوض هذه التجربة خطورة وصعوبة مستمدة من صعوبة الحياة نفسها.
الأحد 2019/09/29
حالمون بمستقبل مزهر

ينشغل الشباب الناجحون في الثانوية العامة بالتفكير في التجربة الجديدة التي هم مقبلون عليها في حياتهم، يحلم بعضهم بالنجاح والتخرج في اختصاص طالما رغب فيه وآخرون يفكرون في إيجاد حلول للاختصاص التعليمي الذي فرضه عليهم التوجيه الجامعي، فيما تهمل فئة أخرى كل ما يهم التعليم وتركز على الحياة الاجتماعية الجديدة والابتعاد عن بيت الأسرة وما يعنيه من تحرر وتحمل للمسؤولية الفردية.

تونس - في بداية العام الجامعي الجديد تعيش الأسر وأبناؤها فترة التحضير والاستعداد لمرحلة التعليم العالي التي سيتحدد وفقها مستقبل الطالب التعليمي والمهني وكذلك الاجتماعي. العديد من الطلبة والطالبات يبدأون تجربة الحياة الجامعية فيصفونها بداية بالسيئة سواء بسبب التوجيه الجامعي أو خوفا من الابتعاد عن الوالدين والإخوة أو بسبب السكن الجامعي الذي لم يعجبهم موقعه وظروف الإقامة فيه أو بسبب رفضهم الخروج من بيت العائلة. وعلى النقيض يفرح غيرهم ويقبلون على التجربة بكل معطياتها بتفاؤل ودون خوف ويفرحون لمجرد التفكير في أنهم في مرحلة تتويج سنوات التعلم وفي مرحلة الاستقلالية في كل شيء.

تتفاوت المخاوف من التجربة الجديدة مثلما تختلف مشاعر كل طالب جديد نحو المرحلة الانتقالية من تلميذ إلى طالب ومن المعهد إلى الجامعة ومن بيت العائلة، في أغلب الحالات، إلى السكن الجامعي ومن مرحلة التعلم فقط إلى مرحلة التعلم والتربصات والتدريب وربما من مدينة إلى أخرى تبعد عنه كيلومترات ومن فرد ينتظر على المائدة مع إخوته أن تأتي لهم الأم بالطعام إلى شاب أو فتاة مستقلة مطالبة بالاعتماد الكلي على نفسها في توفير جميع مستلزماتها.

وتحدد في أغلب الحالات طريقة البدء في هذه المرحلة نسبة من نجاح الطالب من عدمه، وكذلك الانتظارات من التعليم الجامعي بحسب الطالب وبحسب عائلته ومحيطه التعليمي والاجتماعي، لكن بعض الطلاب لكثرة رغبتهم في المغامرة وفي التمتع بجانب من الحرية الشخصية يجدون أنفسهم في مواجهة مخاطر متعددة قد يعجزون عن التصدي لها وتنتهي تجربتهم الجامعية بالفشل ما يؤثر حتما على مسار حياتهم كاملة.

ويرى الباحث المختص في علم الاجتماع، طارق بالحاج محمد، أن الجامعة تعد بوابة الدخول إلى الحياة الاجتماعية والمهنية لهذا يكتسي خوض هذه التجربة خطورة وصعوبة مستمدة من صعوبة الحياة نفسها. فهي تجربة بقدر ما هي مفيدة وأساسية في تكوين الشخصية بقدر ما هي محفوفة بالمخاطر ومحاطة بالصعوبات ولهذا فالنجاح في خوضها هو مقدمة للنجاح في الحياة والعكس صحيح.

الطالبات الجديدات شريحة هشة نفسيا وثقافيا وماديا وبالتالي فإنهن عرضة لشتى أنواع المغريات والتضليل خصوصا مع توفر مناخ من الحرية وعدم الرقابة التي لم تتعودن عليها سابقا

ويوضح بالحاج محمد في حديث لـ”العرب” أن الجامعة ليست فقط فرصة للارتقاء في سلم المعرفة بل أيضا للتدرب على صعوبات الحياة وإكراهاتها والتزاماتها ومسؤولياتها. وهي الخطوة الأولى لتمرين الاعتماد على النفس واختيار أي السبل نسلك في الحياة.

وتعتبر الطالبات من أكثر الشرائح تعرضا للمشكلات عند خوض تجاربهن في الحياة الجامعية باعتبارهن الأكثر استهدافا سواء من أصحاب الميولات الإجرامية الفردية أو المنظمة وحتى من الشبكات الإرهابية، وعلى حد تعبير المختص الاجتماعي، لكي تجتاز الطالبة هذه المرحلة بنجاح وسلام يجب أن تتوفر مجموعة من الشروط منها ما يتعلق بالمؤسسات ومنها ما يتعلق بالأولياء ومنها ما يتعلق بالطالبة ذاتها.

وتتمثل مسؤولية وزارة وهياكل الإشراف في أن يكون الفضاء الجامعي وملاحقه فضاء آمنا ومضيافا تتوفر فيه شروط المرافقة والمراقبة والإحاطة والتأطير وخاصة للطالبات الجديدات اللاتي تنقصهن المعرفة والخبرة لمواجهة هذه التجربة الجديدة. ويتابع بالحاج “هذه المرافقة والمراقبة يجب توفرهما في جميع الفضاءات التي ترتادها الطالبات انطلاقا من قاعة الدرس والمكتبة وصولا إلى المطعم وخاصة المبيت الجامعي الذي يمثل أكثر الفضاءات التي يرتفع فيها منسوب السلوكيات المحفوفة بالمخاطر حيث تنشط شبكات الجريمة المنظمة والدعارة والتجنيد في الشبكات الإرهابية…”.

ويشير بالحاج محمد إلى أهمية المسؤولية العائلية، إذ أن طيفا كبيرا من الأولياء يعتقدون أن مسؤولياتهم تنتهي بمجرد ترسيم أبنائهم في الجامعة والمبيت غير مدركين أن المسؤولية الحقيقية تبدأ بعد ذلك. فالشريحة الطالبية وخاصة الطالبات الجديدات شريحة هشة نفسيا وثقافيا وماديا وبالتالي فإنهن عرضة لشتى أنواع المغريات والتضليل خصوصا مع توفر مناخ من الحرية وعدم الرقابة التي لم تتعودن عليها سابقا مما يفتح أمامهن باب خوض بعض التجارب الخطيرة أو التورط في بعض السلوكيات أو الممارسات دون علم أو دراية كأن تقعن ضحية إحدى الشبكات الإجرامية أو الإرهابية الخطيرة.

وبالتالي فإن مسؤولية الأولياء اليوم تبدو مضاعفة في ظل تعدد المخاطر التي تحدق بفئة الشباب عامة وبالطالبات خصوصا.

ويفترض أن الحياة الجامعية هي مرحلة بداية النضج وتحمل المسؤولية الشخصية وبالتالي فالطالب من الواجب عليه تحمل جزء من مسؤولية نفسه وسلامته عبر تقدير المخاطر المحيطة به وتجنبها. ولتحصين نفسه من هذه المخاطر يجب أن يختار مجموعة من العلاقات الاجتماعية متكونة من الطلاب الذين يفوقونه سنا وتجربة واجتهادا وانضباطا حيث تتوفر لهم الإحاطة والنصيحة والمثل الأعلى. كما يؤكد الباحث في علم الاجتماع أن على الطلبة الانخراط في الأنشطة الثقافية والاجتماعية في الفضاء الجامعي وخارجه ليتسنى لهم تكوين ذواتهم واستثمار طاقتهم ووقتهم واكتشاف الحياة بشكل مجد ومفيد ومثمر.

19