الحوثيون يلتمسون وسائل لدعايتهم السياسية بين ركام خسائرهم الجسيمة

يحتل الجانب الدعائي والتعبوي مكانة هامة في تجربة جماعة الحوثي ويظل حاضرا في أصعب الظروف كأداة لتوجيه الرأي العام والإمساك بالمجتمع والإبقاء على اصطفافه وراءها، وهو ما تحاول الجماعة القيام به حاليا من خلال الاستثمار في حملة القصف الأميركي العنيف الذي يستهدف مناطق سيطرتها للدفع بمظلوميتها ونضاليتها وعدالة قضيتها.
صنعاء- على الرغم مما تتكبّده جماعة الحوثي الموالية لإيران من خسائر مادية وبشرية جسيمة جرّاء القصف الأميركي العنيف لمناطق سيطرتها باليمن، إلاّ أنّها تجد في الحملة العسكرية المتواصلة ضدها منذ منتصف شهر مارس الماضي فرصة لتجديد دعايتها بشأن “نضاليتها” وانخراطها في مقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل.
وتحتاج الجماعة بشدّة إلى الجهد الدعائي في محاولتها رصّ صفوف السكان وراءها والحفاظ على قدر من تعاطف المجتمع لشعوره بامتعاضه وتململه بسبب حال الإجهاد النفسي والاقتصادي التي وصل إليها جرّاء طول فترة عدم الاستقرار وما تسببت فيه من مصاعب اقتصادية وما جلبته من تعقيدات للحياة اليومية بمختلف مظاهرها وتفاصيلها.
ونشر الحوثيون مطلع الأسبوع الجاري، بعد مرور أيام على مقتل ثمانين شخصا في غارات أميركية استهدفت ميناء رأس عيسى النفطي على ساحل البحر الأحمر، مقطعا ترويجيا لهم عبر تلغرام بعنوان “حاضرون للقتال” صُوّر باستخدام طائرات مسيّرة وتقنيات عالية الدقة، وتم إنتاجه بشكل احترافي.

براء شيبان: الناس منهكون ويريدون فقط أن تنتهي دائرة العنف
ويستعرض الفيديو التدريبات العسكرية المكثّفة للحوثيين المدعومين من إيران، على وقع موسيقى حماسية. ويظهر فيه عناصر ملثمون يطلقون النار على أهداف تحمل أعلام الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا، وهي دول شاركت في الهجمات على مناطق الحوثي منذ يناير 2024.
وعقب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة في العام 2023 وضع الحوثيون أنفسهم في موقع المساند للقطاع الفلسطيني المحاصر، وأعلنوا إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة في اتجاه الدولة العبرية، واستهداف سفن يقولون إنها مرتبطة بها في بحر العرب والبحر الأحمر، ما أدى الى عرقلة حركة الملاحة في هذا الممر الحيوي للتجارة العالمية.
وبعدما لوّح الحوثيون المصنّفون كجزء من “محور المقاومة” بقيادة إيران والمناهض لإسرائيل والولايات المتحدة، باستئناف هجماتهم ضد الدولة العبرية عقب إعلان الأخيرة وقف دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، صعّدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقفها من الجماعة وبدأت بشنّ غارات جوية شبه يومية منذ منتصف شهر مارس أسفرت عن مقتل أكثر من مئتي شخص وفق ما أعلنته الجماعة نفسها.
ويرى أستاذ الشؤون الدولية في جامعة أوتاوا الكندية توماس جونو أن “الحوثيين يسعون جاهدين لاستغلال الحملة الأميركية المكثفة عليهم لأغراض دعائية،” موضحا أنهم يستخدمون الإعلام “لتصوير أنفسهم كمقاومين ضد الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، لزيادة التجنيد محليا،” ومستدركا بأنّه “يصعب تحديد مدى نجاح هذه الجهود الحوثية.”
يشارك عشرات الآلاف من اليمنيين في المسيرات التي يدعو إليها الحوثيون بشكل منتظم ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، وتقام في صنعاء التي يسيطرون عليها منذ العام 2014. وتحث قيادات الجماعة وإعلامها على التعبئة مبرزة أن عشرات الآلاف يتقدّمون للمشاركة في دورات تدريب عسكرية منذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر 2023.
وحذّرت منظمة هيومن رايتس ووتش في وقت سابق من التزايد الملحوظ في أعداد الأطفال الذين جنّدهم الحوثيون منذ بدء الحرب في غزة، مشيرة إلى أن عمر بعضهم لا يتجاوز ثلاثة عشر عاما.

توماس جونو: الحوثيون يسعون جاهدين لاستغلال الحملة الأميركية المكثفة عليهم لأغراض دعائية
وبثّت قناة المسيرة التابعة للجماعة مقابلات لجرحى أصيبوا في الهجوم على ميناء رأس عيسى والذي كان الأكثر حصدا للأرواح منذ استئناف واشنطن ضرباتها لمناطق سيطرة الحوثيين الذين تعهّدوا بمواصلة دعم غزة.
ويقول الخبير في الشؤون اليمنية المقيم في الولايات المتحدة محمد الباشا لوكالة فرانس برس إن استهداف واشنطن للبنية التحتية الاقتصادية للحوثيين “يأتي بكلفة بشرية باهظة،” مضيفا أن ذلك “قد يُكثّف عمليات التعبئة والتجنيد الحوثية.”
ويرى محللون أن الضربات الأميركية تمكنت من تدمير بعض القدرات العسكرية للحوثيين وأرغمت قادتهم على الاختباء.
وأتت الضربات الأميركية المتجددة اعتبارا من الشهر الماضي بعد نحو عقد من المواجهة بين الحوثيين والتحالف العسكري بقيادة السعودية الداعم للحكومة المعترف بها دوليا، وبعد نحو عام من ضربات نفذتها واشنطن ضد الجماعة خلال عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
ويشرح الشريك المؤسس لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية ماجد المذحجي أن المختلف هذه المرة هو أن الحملة الأميركية “تلاحق القيادات الحوثية بشكل حثيث.”
ويضيف أن الهجمات على شبكة الاتصال ومراكز القيادة والأهداف العسكرية ألحقت “أضرارا غير مسبوقة في بنية الجماعة، لكن يمكن إصلاحها في حال توقّفت الحملة دون اللجوء إلى عملية برّية أو مسار سياسي.”
ولا يُعلم إلى حدّ الآن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الحملة الأميركية ضدّ الحوثيين ولا متى تتوقّف وإن كانت تهدف إلى تدمير قدرات الجماعة بشكل كامل وصولا إلى إسقاطها وإنهاء سلطتها الموازية على مناطق سيطرتها، أم أنّها تستهدف فقط تحجيم قوّتها والحدّ من قدرتها على استهداف الملاحة البحرية وقصف إسرائيل، ومن ثمّ إرغامها على الجنوح إلى التهدئة والانخراط في عملية سياسية إلى جانب باقي الفرقاء اليمنيين.
وأذكت هذه التساؤلات السفارة الأميركية في اليمن بتعليق عبر منصّة إكس قالت فيه “عندما نحقّق هدفنا ونستعيد حرية الملاحة سنكون قد خلقنا ظروفا أفضل بكثير لتحقيق حل سياسي شامل في اليمن.”
وتُضيّق واشنطن الخناق على الحوثيين ماليا كذلك من خلال فرض عقوبات على البنوك واستهداف البنية التحتية مثل ميناء رأس عيسى الذي كان يعدّ مصدرا حيويا للطاقة والموارد لتمويل الاقتصاد في مناطق سيطرة حركة أنصارالله.
الجماعة تحتاج بشدّة إلى الجهد الدعائي في محاولتها رصّ صفوف السكان وراءها والحفاظ على قدر من تعاطف المجتمع
وفرضت الخزانة الأميركية الأسبوع الماضي عقوبات على “بنك اليمن الدولي”، مشيرة إلى دعمه للمتمردين الحوثيين. وفي مارس الماضي فرضت إدارة ترامب عقوبات على قادة حوثيين وأعادت تصنيف الجماعة منظمة إرهابية أجنبية.
ويشدّد الخبير في قضايا اليمن في معهد رويال يونايتد سيرفيسز البريطاني براء شيبان على أنّ الضرر الاقتصادي أكبر بكثير من تداعيات الضربات العسكرية.
ويقول إنّ إدارة ترامب تستهدف البنوك التي لا تزال تعمل في صنعاء، مشيرا إلى أن العديد من البنوك تنقل مقراتها إلى عدن مقر الحكومة المعترف بها دوليا خوفا من العقوبات.
ويلخص الوضع الراهن بالقول إن “الناس مُرهقون ومنهكون،” مضيفا أن “الوضع الاقتصادي سيء للغاية، والناس يريدون فقط أن تنتهي دائرة العنف.”