الحوار في مصر يدخل مرحلته الثانية وسط تذمر المعارضة

"فلترة" التوصيات تفقد الحوار أهميته.
الاثنين 2023/09/04
المعارضة تخشى التفاف الحكومة على مطالبها

خفتت حماسة أطراف المعارضة المشاركة في الحوار الوطني الذي دخل مرحلته الثانية، في ظل شعور سائد بعملية "فلترة" خضعت لها التوصيات التي جرى التوصل إليها خلال المرحلة الأولى، قبل رفعها إلى الرئيس المصري.

القاهرة - بدأت جلسات الأسبوع السادس للحوار الوطني الخاصة بلجنة الأحزاب، الأحد، بحضور عدد من نواب البرلمان وشخصيات سياسية، بعد أسبوعين على إعلان إدارة الحوار الخروج بتوصيات المرحلة الأولى ورفعها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وتناقش اللجنة قانون الأحزاب السياسية، والدمج والتحالفات الحزبية، والحوكمة المالية والإدارية ودور لجنة الأحزاب، وتناقش لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة دعم وتشجيع حرية الرأي والتعبير، وهو ما يعد اختبارا لجدية الحكومة وتفاعلها مع شواغل المعارضة التي أبدت امتعاضها من مخرجات المرحلة الأولى.

ولوّحت قوى معارضة بالانسحاب طالما أن الحوار لا يراعي مطالبها وتوصياتها، حيث اقتصر الأمر على مناقشات عامة من دون التطرق إلى صميم الأزمات التي تعيشها الحالة السياسية في مصر وتستدعي تحركا عاجلا بخطوات متوازنة من السلطة.

في المقابل أعلنت الحركة المدنية الديمقراطية، وتضم عددا من القوى السياسية المعارضة قبل أيام على لسان المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي استمرارها في الحوار الوطني، بعد الخطوة الجادة التي أقدمت عليها السلطة بالإفراج عن نشطاء سياسيين معروفين على رأسهم أحمد دومة ومحمد باقر.

وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب” أن جزءًا من أسباب التسريع بعقد جلسات المرحلة الثانية للحوار الوطني هو محاولة استرضاء المعارضة المتذمرة من ضعف توصيات المرحلة الأولى، وتحفظ بعض مقرري اللجان السياسية على الاستمرار في الحوار.

طلعت خليل: الأوضاع السياسية والاقتصادية وصلت إلى مرحلة خطرة
طلعت خليل: الأوضاع السياسية والاقتصادية وصلت إلى مرحلة خطرة

وتشعر الحركة المدنية بأن التوصيات التي رفعت إلى الرئيس السيسي أجريت لها عملية “فلترة وتنقيح لكل ما يثير حفيظة السلطة، وتتعلق بالمطالب السياسية العاجلة، وعلى رأسها إلغاء الحبس الاحتياطي والإفراج عن النشطاء وإطلاق الحريات بلا شروط”.

وأعلنت الحركة أن مطالبها الرئيسية من الحوار لن يتم التنازل عنها، وأبرزها إطلاق سراح جميع سجناء الرأي الذين لم تثبت إدانتهم بأعمال عنف أو تخريب، ووقف الاستهداف بسبب التعبير عن الرأي، ورفع الحجب على المواقع الإخبارية.

وتطرقت المطالب التي جرى الإعلان عنها قبيل جلسات المحور السياسي إلى العودة إلى قانون الحبس الاحتياطي القديم الذي يحدد فترة الحبس بمدة أقصاها ستة أشهر، وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المستقلة.

وتستثمر المعارضة في الوعد الذي قطعه الرئيس السيسي بالاستجابة للتوصيات التي تُرفع إليه من قبل الحوار الوطني بلا قيد أو شرط، حتى لو كانت من قوى معارضة، المهم أن يكون ذلك على أرضية وطنية ويحقق مصلحة عامة.

وترتبط أزمة الحوار الوطني بأن مجلس الأمناء لا يرفع توصياته إلى الرئيس مباشرة إلا بالتوافق بين مختلف القوى السياسية، وهذا يصعب تحقيقه في ظل هيمنة أحزاب الموالاة على الحوار، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه في المرحلة الثانية قد يكون من الصعب الاستجابة لمطالب المعارضة، لأن التوافق حولها لن يتحقق بسهولة.

وكان المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان برر التوصيات المرفوعة إلى السيسي حول جلسات المرحلة الأولى، وأغلبها يتعلق بالشق المجتمعي، بأن “ما تم رفعه يمثل موضوعات تمت مناقشتها والانتهاء منها بالتوافق حولها، إجماعا أو تمايزا”.

ويخشى مراقبون أن يكون شرط التوافق على التوصيات ثغرة حكومية للتنصل من مطالب المعارضة بما يكرس بقاء الوضع السياسي بلا تغيير حقيقي، لأنه من الصعب تناغم الموالين للسلطة مع المعارضة في مطالبات إلغاء الحبس الاحتياطي وإطلاق الحريات وفتح المناخ العام من دون شروط مع اقتراب الترتيبات الخاصة بإجراء انتخابات الرئاسة، والمتوقع لها فبراير المقبل.

وقال طلعت خليل أمين عام حزب المحافظين وعضو الحركة المدنية، إنه ليس بالضرورة وجود توافق أو إجماع على توصيات بعينها، لأن الحوار قائم بين وجهتي نظر، مؤيدة ومعارضة، ولا يمكن إصلاح الوضع الراهن دون إرادة سياسية جادة، بغض النظر عن هوية المطالبين بالإصلاح، سواء أكانوا من المؤيدين أو المعارضين.

وأضاف خليل في تصريحات لـ”العرب” أن تغيير الوضع السياسي إلى الأفضل يحتاج من السلطة المزيد من الجدية والتفاعل مع الأصوات المختلفة معها، ومن المهم أن تكون المناقشات والطروحات والرؤى لها مبررات وطنية بحتة، ومن الصعب بناء دولة ديمقراطية حديثة في غياب الاستماع لكل الآراء بلا تمييز، خاصة أن مطالب المعارضة منطقية وتمس صميم حياة الناس وهمومهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وتتمسك الحركة المدنية بإقرار توصياتها حول الشق السياسي قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، كي لا تستمر حالة التضييق في الفضاء العام، بما يقوض تحركاتها للمنافسة أو الدفع بمرشح يمثلها، ويجعل مشاركتها في الحوار الوطني بلا نتائج إيجابية.

◙ شرط التوافق على التوصيات ثغرة حكومية للتنصل من مطالب المعارضة بما يكرس بقاء الوضع بلا تغيير

ويشير تفاعل السيسي مع مخرجات الحوار الوطني بشكل إيجابي إلى أن السلطة يمكنها تصويب الأخطاء، لكن على قوى المعارضة أيضا التعاطي بحكمة سياسية مع الأمر، وتجنب لي ذراع السلطة، فالصدام بين الطرفين لن يفيدهما.

وترفض المعارضة الاقتناع بأن الملفات العالقة والمتراكمة منذ مدار عقود يصعب حلها خلال فترة وجيزة عبر جلسات حوارية متقطعة، وأن هناك مكتسبات للحوار الوطني، بينها حدوث انفتاح نسبي في الفضاء العام، وتراجع الزج بالنشطاء في السجون، والإفراج عن المئات منهم، بعضهم كان من الصعب إطلاق سراحهم بلا حوار.

ولم يضع النظام المصري خطوطا حمرا أمام توصيات الحوار حتى الآن، ما فهم منه أنه مستمر في الانفتاح على مطالب المعارضة، شريطة أن يكون ذلك عبر مظلة الحوار الوطني، وليس بطرق أو مسارات أخرى تستهدف الضغط على السلطة.

وأوضح أمين عام حزب المحافظين أن المعارضة لا تبحث عن استعراض عضلات، وترغب في تبصير السلطة الحاكمة بفقه الأولويات، لأن الأوضاع السياسية والاقتصادية وصلت إلى مرحلة خطرة، مضيفا “ومن يعتقد غير ذلك فهو مخطئ ويمارس العناد الذي قد يقضي على الأخضر واليابس في البلاد”.

وتتحفظ دوائر حكومية على الاستجابة لمطالب المعارضة دفعة واحدة، وتتباطأ مع التوصيات لتكون لديها وسيلة ضغط حسب الظرف السياسي، مثل الإفراج عن نشطاء على دفعات، وغلق ملف شائك مثل قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية.

ولا تزال قوى في المعارضة تعول على دور الرئيس السيسي في دعم الحوار وتعزيز المصداقية السياسية للنظام المصري، حيث يدرك أنه إذا أدار ظهره لما سوف تنتهي إليه المناقشات من توصيات ملحّة قد يصطدم بتحديات داخلية أكثر تعقيدا، ولذلك يبدي انفتاحا ملحوظا ومحسوبا لقناعته أن الحوار بوابة جيدة لترميم الجبهة الداخلية.

2