الحوار الوطني ينفض الغبار عن حركات وقوى يناير الشبابية في مصر

أعاد الحوار الوطني حركات وقوى يناير إلى المشهد السياسي المصري من جديد، إلا أن مراقبين يقللون من قدرتها على التأثير نظرا إلى ضعف ثقة النظام فيها بسبب انخراطها في الفوضى وتقاربها مع جماعة الإخوان.
القاهرة - أتاحت الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني في مصر التي انعقدت الأسبوع الماضي فرصة أمام ظهور شخصيات وتيارات سياسية غابت عن المشهد العام في مصر خلال السنوات الماضية، على رأسها قيادات حركة 6 أبريل التي لعبت دورا في ثورة يناير وما تلاها من تداعيات، ما طرح تساؤلات حول مدى فاعلية حضورها مستقبلاً.
وسمحت هذه الحالة بإعلان حركة "الاشتراكيين الثوريين" موقفها من الحوار، ودعت الاثنين إلى مقاطعة جلساته وطالبت الحركة المدنية الديمقراطية التي تمثل المعارضة في الحوار وتضم أحزابا وشخصيات عديدة بالانسحاب من جلساته، كما دعت إلى إنشاء جبهة موحدة للمعارضة.
وبررت الحركة التي غابت تماماً عن المشهد العام مؤخرا موقفها بأن إدارة الحوار تعاملت مع استبعاد أطراف (لم تحددها) وموضوعات مثل الدستور والسياسة الخارجية وقضايا الأمن القومي، كمواضيع غير قابلة للنقاش.
ويتعارض هذا الموقف مع حركة 6 أبريل التي عادت إلى المشهد قبل ساعات من انطلاق الحوار، مؤكدة مشاركتها فيه باعتباره يُعلي من قيم الانفتاح على الآخر، وتعول من خلاله على إحداث إصلاح يساعدها على ممارسة نشاطها السياسي.
وبعث حضور بعض الأسماء التي لمعت أثناء وبعد ثورة يناير 2011 بإشارة تفيد باستعداد النظام المصري للانفتاح على المعارضة، ما يشي بأن ليس لديه مانع في أن يمارس هؤلاء نشاطهم السياسي في إطار مجموعة من المبادئ الحاكمة لإطار الدولة الوطنية، وأن يكون دورهم بعيداً عن تدخلات المال السياسي الخارجي الذي كان دوما اتهاما رئيسيا ضد شباب يناير ويخدم أجندات خارجية.
وتشير هذه الأجواء إلى أن الساحة المصرية أمام مرحلة جديدة من جس النبض المتبادل قد يسفر عنها رجوع الحركة إلى الفضاء العام أو عودتها إلى الكمون السياسي.
وواجهت كوادر شبابية بارزة في ثورة يناير اتهامات بالحصول على تمويل أجنبي وحُكم على بعضهم بالسجن في قضايا خرق قانون التظاهر والانضمام إلى حركات وتنظيمات أُسست خارج نطاق القانون والانتماء إلى تنظيم إرهابي (الإخوان).
ولا يدعم الواقع الحالي فكرة أن شباب الحركات والقوى السياسية ستكون لهم فرص حقيقية في المشهد المقبل، والأمر لا يرتبط فقط بهواجس السلطة من تحركاتهم، وإنما أيضا بخروجهم من المعادلة السياسية، وأن الترويج لشعارات مثل "ثورة الشباب" وغيره من شعارات التغيير الجذري ليس له وجود مع الحاجة الملحة إلى إصلاح سياسي بمواصفات خاصة تحافظ على حالة الهدوء والاستقرار الداخلي.
وقال الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عماد جاد إن "ظهور عدد من كوادر شباب يناير جاء في خضم فعالية حرصت الدولة على أن تكون ممثلة لكافة ألوان الطيف السياسي، ولا يعني أنهم جزء من الحضور المستقبلي بعد أن جرى إثبات حصولهم على تمويلات أجنبية وقدمت جهات رسمية أدلة على ذلك".
وأوضح في تصريح لـ"العرب" أن "الذين حضروا الجلسة الافتتاحية للحوار من رموز يناير فقدوا جميع أشكال الدعم والتأييد من الرأي العام المحلي، وهناك قناعة عامة بأنهم تسببوا في تخريب البلد في السنوات التي تلت ثورة يناير، وهو موقف علني تتبناه الحكومة، وإذا تم السماح لهم بالحركة فلن يجدوا أرضية مناسبة".
ولفت إلى أنه يصعب الحكم على مدى انفتاح النظام على التيارات الشبابية، وأن التأثير السياسي لجلسات الحوار المقبلة وحضور هؤلاء الشباب سيكون حاسمًا لتوجهات الدولة، وذلك يرتبط بالموقف من أحزاب المعارضة بوجه عام مع تلويحها بالانسحاب من الحوار، وما إذا كانت ستكون ممثلة فيه بشكل فعلي أم سيتم تهميشها.
وأكد المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان أنه لا توجد "قوة سياسية واحدة ولا نقابة مهنية أو عمالية واحدة أو جمعية أهلية أو تيار شبابي أو حزب لم يشارك في الحوار داخل مصر، فلا يوجد فرد واحد داخل هذه التيارات أعلن رفضه للحوار"، مشددا على استبعاد فئتين فقط، هما "من مارس العنف وشارك فيه، ومن يرفض دستور البلاد"، في إشارة إلى تنظيم الإخوان والتيارات المنخرطة في العنف.
◙ الساحة المصرية أمام مرحلة جديدة من جس النبض المتبادل قد يسفر عنها رجوع الحركة إلى الفضاء العام أو عودتها إلى الكمون السياسي
ووجهت دوائر حكومية اتهامات لحركات يناير الشبابية بالتعاون مع تنظيم الإخوان، مثل حركة "الاشتراكيين الثوريين"، وواجه القيادي البارز فيها هيثم محمدين اتهامات بالانضمام إلى تنظيم إرهابي وتم حبسه على ذمة القضية قبل إطلاق سراحه في سبتمبر الماضي ضمن إجراءات الحكومة لتهيئة المناخ للحوار الوطني.
ويعد ذلك أحد أسباب عدم ارتياح بعض السياسيين ممن لديهم مواقف قريبة من الحكومة لوجود مثل هذه الشخصيات في الحوار، واعتبروا أن ذلك يسبب لها انتقادات عديدة لأنها لم تتوقف عن تشويههم طيلة السنوات الماضية، كما أن البعض من هذه الحركات لم يسجل مراجعة لمواقف الدعم السابقة لعناصر تنظيم الإخوان.
وذكر محمد سيد أحمد، عضو المكتب السياسي للحزب الناصري، لـ"العرب" أن "رموز يناير ليس لهم دور حقيقي في الحوار الوطني والمشهد السياسي القادم، وأن التناقضات العديدة التي وقع فيها هؤلاء نتيجة الانتقال إلى معسكرات متعارضة في فترات زمنية قصيرة تدحض أي طموح سياسي لها”، لافتا إلى أن الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني شهدت تحول بعض الثوريين إلى شخصيات محافظة، والعكس صحيح أيضا.
وأضاف أن القيادات الشبابية لن يكون بإمكانها التحدث إلى الرأي العام بعدما طالتها فضائح وكشف الأوراق والأجندات التي تعمل من أجلها طيلة السنوات الماضية، كما أن أجهزة الدولة الرسمية أدانتها في لحظة ما، مشيراً إلى وجود غموض حول وجودها في الجلسة الافتتاحية للحوار.
وألمح القيادي في حركة 6 أبريل أحمد ماهر إلى أن المعارضة مكوّن مهم في الدولة وجزء من الشعب ولها رأى مختلف والحكومة لها اتجاه معين، والمعارضة ليس بالضرورة أن تتصارع مع الحكومة أو يؤدي التعارض بينهما إلى مشكلات، بل على العكس قد تجد المعارضة طريقة جديدة غير التي اتبعتها الحكومة، فالاستماع إلى المعارضة ربما يسهم في الوصول إلى حلول لمشكلات كثيرة، في إشارة إلى الاستعداد للتفاهم السياسي على قاعدة تؤكد أن الوطن يستوعب الجميع.