الحمزة بن الحسين الأمير المضطرب

هذا الشاب متمرد لأنه مضطرب ما يزال يعاني من صدمة الخسارة ولا آثر التقوى في ما قد يهدد استقرار المملكة كما أن بصيرته لم تقو على رؤية الحقائق التي يرزح تحتها الأردن.
الثلاثاء 2022/04/05
ماذا ترك الحمزة للآخرين، إذا وجد نفسه مثلهم؟

تقرأ رسالة الاعتذار التي وجهها الأمير الحمزة بن الحسين إلى أخيه الملك عبدالله الثاني في الثامن من مارس الماضي، فتقول إن الأمير الشاب ثاب إلى رشده. ثم تقرأ رسالة التخلي عن لقب الأمير فتكتشف أن هذا الشاب لا رشد له لكي يثوب إليه.

الآن يتضح أن رسالة الاعتذار التي أقر الحمزة فيها بأن “التصرفات التي ارتكبها لن تتكرر” لم تقصد ما تقول، وأنها كانت محاولة تدليس لكي يخرج من دائرة الاتهام من دوره في “قضية الفتنة”. وبدرجة أهم أنه لم يكن فيها صادقا لا مع نفسه ولا مع أخيه.

التخلي عن لقب الأمير حمل نقدا لا يكرر تلك “التصرفات” فحسب، ولكنه يلقي بظلال من الشك حول ما إذا كانت إدارة مؤسسات المملكة تمضي بحسب وصايا الملك الراحل الحسين بن طلال. قال إنه توصل إلى خلاصة “بأن قناعاتي الشخصية والثوابت التي غرسها والدي فيّ، والتي حاولت جاهدا في حياتي التمسك بها، لا تتماشى مع النهج والتوجهات والأساليب الحديثة لمؤسساتنا”.

فعدا عن أن ذكر “الأساليب الحديثة” هو تعبير عن سخرية مضمرة، فإن هذه الخلاصة تعود لتنتقد إدارة الملك عبدالثاني لبلاده، على اعتبار أنها لا تتطابق مع ما غرسه والده فيه.

من الخير أن يتخلى الحمزة عن لقبه، ولكن من الخير ألا يجعل من نفسه شوكة في الخاصرة.

التخلي الحقيقي، الذي يتوافق مع الاعتذار، كان يجب أن يأتي بصمت، وبالتشاور مع الملك، ومع عمه الأمير الحسن ولي العهد السابق الذي رعى “المصالحة” بين الأخوين، لا في رسالة نقد علني.

السؤال هو ليس: ماذا لدى السلطة لكي تعطيك؟ وإنما ماذا لديك لتعطيها؟ هذا هو الموقع الطبيعي والمألوف لكل أمير، أينما كان

لا يريد الحمزة القبول بالواقع. ويبدو أنه لا يستطيع التعايش معه. ومثلما ظل يتصرف نافرا ومتمردا، فإنه كمن يدور على نفسه ليُلحق بها الأذى بذلك التمرد والنفور. ولم يتعلم درسا من عمه أيضا.وكأي شيء فاقع، فإنه كان يتعيّن أن يأتي مع حزمة التزامات أخلاقية، تكون ضمانا بأن التخلي عن اللقب، ليس مجرد مناورة. وبما أن التخلي كان إعلانا عموميا، فإن حزمة الالتزامات كان يتعين أن تكون معلنة أيضا.

الأمير الحسن، كان من النضج والثقافة وعلو النفس والإيمان بأقدار الله، إلى درجة أنه آثر الامتثال لمشيئة أخيه الراحل عندما نزع عنه ولاية العهد في أيامه الأخيرة، ليحيلها إلى ابنه الأمير عبدالله الثاني. وبقي يؤدي دوره كجزء من الأسرة الهاشمية بالكثير من الزهد. ولا شك بأنه أمضى أيامه وسنواته التالية بالصبر والصلاة. ثم أيضا بالترفّع النبيل، وبالإخلاص لمن أصبح ملكا. لم تسمع له نقدا. كما لم تلحظ فيه ضيقا ولا تمردا. ارتضى بما كان، مستسلما له، لا عن ضعف ولا عن خشية، وإنما عن امتلاء وعلو، قبل أن ينشغل بقضايا الفكر والثقافة، مما زاده نضجا وخلع عليه رداء الحكمة، حتى أصبح بها سندا أسريا يلجأ إليه الملك، لوقف نزاع مكشوف على المُلك الذي كان له هو نصيب فيه، وكان يمكن أن يتمرد لأجله، فلم يفعل.

الحمزة لم يأخذ بمسالك عمه، ولا بمساعيه، فهل يصدق عندما يشير إلى ما غرسه أبوه فيه؟

هذا الشاب متمرد لأنه مضطرب. ما يزال يعاني من صدمة الخسارة. ولم يندمل الجرح في نفسه، ولا آثر التقوى في ما قد يهدد استقرار المملكة.

كما أن بصيرته لم تقو على رؤية الحقائق التي يرزح تحتها الأردن. فهذا بلد موارده محدودة. وموقعه حساس. ومن دون عون من الخارج، ما كان له أن ينجو مما يحيط به من أزمات.

هذه وحدها كانت تكفي لتدله على طريق الصواب، بأن يكون سندا لا شوكة في الخاصرة تزيد الآلام والمخاطر.

ولو أنه كان حريصا على استقرار المملكة، لكان من الأوجب أن يكون أقرب إلى أخيه، ليقدم له رأيا ومشورة، وفقا للتقاليد. تلك التقاليد التي تقتضي قول القول في الأذن والصمت عليه. حتى النصيحة يتعيّن أن يكون الصمت راعيها. لأن “النصيحة على الملأ، تقريع”.

ولئن شعر بأنه أصبح خارج دائرة النفوذ، فلأنه لم يتقبل الواقع، ولم يجد لنفسه بديلا يتسم بالنضج. ولم تتسع نفسه لحقيقة أن التسلسل الصحيح لولاية العهد يمضي من أب إلى ابن، وليس من أخ إلى أخ، إلا في حدود ما لا مفر منه. فإذا حدث، فإن التسلسل الصحيح يظل يمضي من أب إلى ابن أيضا.

لا يريد الحمزة القبول بالواقع ويبدو أنه لا يستطيع التعايش معه ومثلما ظل يتصرف نافرا ومتمردا فإنه كمن يدور على نفسه ليُلحق بها الأذى بذلك التمرد والنفور

الكويت ما تزال إلى يومنا هذا تضطرب في تنازع فرعين للإمارة، الأمر الذي أدى إلى توسيع هامش الشلل، لكي لا نضيف إليه هوامش أخرى أثمرت مظاهر فساد، ثم توترات سياسية بين تيارات مختلفة، بات معظمها يرتبط بأجندات لا علاقة لها بمصلحة الكويت.

هذا ما أراد الراحل الحسين بن طلال أن يتحاشاه لمستقبل بلاده. وهي بموقعها الحساس وبمواردها الشحيحة، ما كانت لتحظى بالفرصة نفسها التي تحظى بها الكويت.

كل ما يتصارع الحمزة عليه هو السلطة. وهذه، في بلد مثل الأردن، آخر ما يستوجب الصراع عليه.

السؤال هو ليس: ماذا لدى السلطة لكي تعطيك؟ وإنما ماذا لديك لتعطيها؟ هذا هو الموقع الطبيعي والمألوف لكل أمير، أينما كان.

وقد تملك أفكارا وتدابير مختلفة. ولكن آخر ما تحتاجه هو أن تذهب بها في طرق التقريع. هذا ليس هو السبيل. حتى أنه ليس بمستوى اللياقة المطلوب من أمير.

الأسرة تكون أسرة عندما تُبقي تنازعات أفكارها داخلها فحسب. أي شيء غير ذلك هو خيانة للأمانة.

الحمزة يريد أن يتخلى عن لقب الأمير، لأنه استمرأ الخروج عن التقاليد، لكي يقدم نفسه كناقد من جديد، يمارس دورا لا يليق بأمير كما لا يليق بأخ.

هذا يحصل، لأنه مضطرب. هناك شيء ما في نفسه يُفقده التوازن.

السلطة؟ في بلد مثل الأردن؟ إنها ابتلاء أكثر منها نعمة. وعندما يُبتلى بها أخ، فعونه أوجب من كل شيء، أخطأ أم لم يُخطئ. نقطة رأس السطر.

ماذا ترك الحمزة للآخرين، إذا وجد نفسه مثلهم؟

ولعله اختار لنفسه اللقب الملائم، وهو أنه “مثلهم”، لا ابن ملك ولا أخو ملك، ولا عم ملك.

8