الحلول المؤقتة تؤدي لارتفاع مقلق في سعر صرف الجنيه المصري

أسعار الفائدة المرتفعة توجه الأموال إلى الادخار والسندات الحكومية وتقوض قدرة المشاريع الاستثمارية على الاقتراض.
الثلاثاء 2019/01/29
تضخم ظرفي في السيولة

انقسمت آراء الأوساط الاقتصادية المصرية بشأن ارتفاع مفاجئ في سعر الجنيه المصري مقابل الدولار، وحذر البعض من استمرار العلاجات المؤقتة التي تستقطب الأموال الساخنة إلى أدوات الدين المصرية وتفاقم مديونية الدولة بأسعار فائدة مفرطة دون أن تتجه تلك الأموال إلى الاستثمار في الاقتصاد.

القاهرة – أثار ارتفاع مفاجئ للجنيه المصري أمام الدولار بنحو 2 بالمئة هذا الأسبوع، حيرة المتعاملين والمستثمرين في ظل تباين آراء المصرفيين ومحللي الاقتصاد المصري بشأن أسبابه في ظل عدم صدور أي تصريحات من البنك المركزي أو الحكومة.

وأرجع محللون ذلك الارتفاع إلى تدخل البنك المركزي بشكل مباشر لتحريك العملة بعد استقرارها لنحو عام، رغم نفي البنك، الذي يؤكد عدم تدخله في سعر الصرف في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من إدمان القاهرة على التدفقات الساخنة إلى أدوات الدين الحكومية.

وتشير البيانات إلى بلوغ متوسط سعر بيع الدولار في البنوك أمس إلى 17.75 جنيه مقابل 17.95 جنيه للدولار في اليوم السابق. وهذا أقوى مستوى للجنيه مقابل الدولار منذ مايو 2018 وفقا لبيانات رفينيتيف أيكون.

وقال مسؤول مصرفي بأحد البنوك الخاصة العاملة في مصر لرويترز طالب عدم نشر اسمه “ارتفاع الجنيه المصري حركة مثيرة للقلق وموجهة، ليست لها أي علاقة بالعرض والطلب”، مشيرا إلى أن تصريحات البنك المركزي مهدت لذلك.

وكانت وكالة بلومبيرغ قد نسبت لمحافظ البنك المركزي طارق عامر الأسبوع الماضي ترجيحه أن تشهد العملة مزيدا من “التذبذب” بعد إنهاء العمل بآلية تحويل أموال المستثمرين الأجانب في ديسمبر والتي كانت تضمن لهم بيع ما بحوزتهم من أوراق مالية وتحويل أموالهم إلى الخارج بالدولار.

وكانت القاهرة قد استحدث تلك الآلية في مارس 2013 ويعني إنهاؤها لجوء المستثمرين إلى السوق لتحويل أموالهم. وكان يمكن أن يؤدي ذلك إلى تراجع الجنيه لكن حدث العكس.

طارق عامر: ترجيح تذبذب أسعار الصرف بعد إنهاء آلية تحويل أموال الأجانب
طارق عامر: ترجيح تذبذب أسعار الصرف بعد إنهاء آلية تحويل أموال الأجانب

وتوقع مصرفي بأحد البنوك الحكومية حدوث مزيد من الارتفاع للعملة المحلية خلال الأسبوعين المقبلين قبل معاودة النزول وسط توقعات برفع أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسة النقدية منتصف فبراير.

وتنفذ مصر إجراءات تقشف صارمة التزاما بشروط حصولها على قرض حجمه 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي أواخر 2016. ويتضمن البرنامج زيادة الضرائب وخفض دعم الطاقة.

وثبت البنك المركزي أسعار الفائدة الرئيسية في اجتماع ديسمبر. وكان آخر تحريك لها في مارس 2018، حين تم خفضها على الإيداع والإقراض بنسبة واحد بالمئة إلى 16.75 و17.75 بالمئة على الترتيب.

وتبدو الحكومة المصرية في مأزق صعب بين استمرار نزيف الفوائد المرتفعة جدا، التي تجنيها الاستثمارات الأجنبية في السندات الحكومية، وبين تداعيات رحيل تلك الأموال إذا ما تم خفض أسعار الفائدة.

وتجد الأموال الساخنة فرصة نادرة في جني تلك الفوائد المفرطة دون مخاطر تذكر في ظل استقرار سعر الجنيه منذ نحو عامين، مقابل التزامات باهظة على الحكومة عند رحيل تلك الأموال مع مكاسب الفوائد المرتفعة.

وقال محمد أبوباشا محلل الاقتصاد المصري في بنك الاستثمار هيرميس إن تراجع الدولار ناجم عن “قلق حائزي الدولار من تراجع سعره وهو ما دفعهم إلى البيع وزيادة المعروض على الطلب، ما أدى إلى تراجع الدولار مقابل الجنيه”.

ورجح أن يستمر التذبذب وفقا لحجم التدفقات النقدية، مشيرا إلى أن بنك هيرميس يتوقع متوسط سعر الدولار بين 17.90 و17.95 جنيها هذا العام لكنه قد يغير التوقعات بعد ما حدث يوم الأحد.

ووفقا لآخر بيانات متاحة بلغت استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي 14 مليار دولار حتى نهاية سبتمبر، وهو ما يقل عن مستوى 17.5 مليار دولار المسجل في نهاية يونيو ومستوى 23.1 مليار دولار المسجل في نهاية مارس 2018.

ويمتنع المسؤولون منذ فترة عن الكشف عن أرقام استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية بعدما أخذت مسارا نزوليا.

وقال متعامل في سوق أدوات الدين الحكومية “هناك تدفقات أجنبية لكن ليست بالقوة التي كانت موجودة في الفترة التي أعقبت تعويم الجنيه في نوفمبر 2016”.

وتجذب مصر بين حين وآخر استثمارات أجنبية في أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل سعيا لتحقيق مكاسب سريعة، لكنها سرعان ما تعاود الخروج.

وقالت رضوى السويفي رئيس قسم البحوث في بنك الاستثمار فاروس “إن وجود معروض من الدولار أكثر من الطلب في البنوك لن يجعلنا نغير توقعاتنا لمتوسط سعر الدولار عند 18.50 جنيها هذا العام إلى أن نرى استمرار تدفقات الأجانب بقوة”.

ورغم نجاح مصر في جذب أموال الأجانب الساخنة إلى العوائد السخية في أدوات الدين، إلا أنها لم تتمكن بعد من جذب استثمارات مباشرة بالمستويات التي كانت عليها قبل انتفاضة يناير 2011 رغم تحرير سعر صرف الجنيه والإصلاحات الاقتصادية التي تطبقها الحكومة.

رضوى السويفي: وفرة الدولار لن تغير توقعاتنا لمتوسط سعره عند 18.5 جنيه هذا العام
رضوى السويفي: وفرة الدولار لن تغير توقعاتنا لمتوسط سعره عند 18.5 جنيه هذا العام

وتراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 1.1 مليار دولار في الفترة بين يوليو وسبتمبر 2018 مقارنة مع 1.84 مليار دولار قبل عام.

وأكد مصرفي آخر ضرورة عدم تجاهل عودة نشاط السوق السوداء إلى التوسع في الفترة الأخيرة وتزايد الالتزامات على البنوك العاملة في مصر بالعملة الصعبة، والتي يشير البنك المركزي إلى أنها بلغت نحو 6 مليارات دولار في نهاية أكتوبر الماضي.

وتعاني مصر من فخ أسعار الفائدة المرتفعة، الذي يوجه الأموال الأجنبية والمحلية إلى الإيداع والسندات الحكومية، ويحرم المشاريع الاستثمارية من الاقتراض بتلك الفوائد المرتفعة.

وقال عدد من مستوردي الأجهزة الكهربائية في مصر إن البنوك توفر كل طلباتهم من الدولار دون تأخير، في حين قال بعض الأفراد إنهم يواجهون صعوبات في توفير الدولار من البنوك دون مستندات خاصة بالسفر أو العلاج.

وتعتمد مصر على الاقتراض الخارجي واستثمارات الأجانب في أدوات الدين في توفير الدولار بجانب المصادر الأساسية مثل إيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات المغتربين والصادرات التي لم تشهد نموا يعكس أهمية تحرير سعر صرف الجنيه.

وأمام مصر جدول سداد ديون خارجية صعب للعامين القادمين، وهي تحاول توسيع قاعدة مستثمريها وتمديد أجل استحقاق ديونها والاقتراض بفائدة أقل. وبلغ الدين الخارجي لمصر 92.64 مليار دولار في نهاية يونيو الماضي بزيادة 17.2 بالمئة على أساس سنوي.

وقال مسؤول مصرفي آخر في أحد البنوك الخاصة “يمكننا الاعتماد على الأموال الساخنة في بداية الإصلاح الاقتصادي لكن لا يمكننا الاعتماد عليها بعد مرور عامين من الإصلاحات”.

وأكد خطورة “الاعتماد على الأموال الساخنة كأحد مكونات الاحتياطي النقدي في ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. لا بد أن يعي المركزي أن عدم وجود مقومات وموارد مستدامة للدولار سيهبط بالعملة المحلية من جديد”.

10