الحكيم يكسر صف الرفض بتأكيد انفتاح بغداد على دمشق ضرورة لا ترف

الزعيم الشيعي يؤكد أن دعوة الرئيس السوري لقمة بغداد واجب، وأن لقاء السوداني والشرع في الدوحة قرار حكومي ومبدأ العلاقة مع سوريا تتولاه الحكومة.
الخميس 2025/04/24
عمار الحكيم صوت للعقلانية والبراغماتية

بغداد – أكد الزعيم الشيعي العراقي البارز عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة الوطني مساء الاربعاء أن من المصلحة الوطنية العراقية الانفتاح والتواصل مع القائمين في إدارة الحكم الجديد في سوريا، في موقف يعكس رؤية الرجل الاستراتيجية والاستشرافية في مسار التقارب مع الدول العربية.

وجاء موقف الزعيم الشيعي في خضم انقسام حاد تشهده الأوساط السياسية العراقية بشأن دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية المقبلة في بغداد، بعدما أعلنت قيادات بارزة في الإطار التنسيقي المعروفة بولائها لإيران رفضها القاطع لهذه الدعوة، مستندة في ظاهر الأمر إلى اعتبارات قانونية وأخلاقية.

وخلال مشاركته الفاعلة في ملتقى /سين/ للحوار، لم يكتفِ الحكيم بالتعبير عن وجهة نظره، بل قدم رؤية استراتيجية متكاملة للعلاقات العراقية السورية، مشددا على ضرورة تخفيف الأضرار على الشعب السوري وأن يكون للعراق دور فاعل في المعادلة الإقليمية المتعلقة بسوريا.

وفي سياق تبيان أهمية هذا الدور، تساءل الحكيم بلهجة استنكارية "هل يعقل أن يكون للعالم أجمع دور والعراق لا يكون له أي دور ومعه مع سوريا حدود طويلة؟"، ليؤكد بذلك على أن التواصل الفعال مع القيادة السورية الحالية يمثل خيارا استراتيجيًا يصب في صميم المصلحة الوطنية العراقية، وينأى بنفسه عن أي اعتبارات شخصية أو تحزّبية ضيقة قد تعيق هذا التوجه.

ولم يتوقف دعم الحكيم عند حدود التأكيد على أهمية التواصل، بل امتد ليشمل الدفاع عن القرار السيادي لرئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني بتوجيه الدعوة الرسمية للرئيس الشرع لحضور القمة المرتقبة.

وشدد الحكيم على أن "لقاء رئيس الحكومة العراقية مع الرئيس أحمد الشرع في الدوحة هو قرار حكومي وأن مبدأ العلاقة مع سوريا تتولاه الحكومة هي من تقرر ذلك"، ليضع بذلك حدا لأي محاولات للتشكيك في صلاحية الحكومة في اتخاذ مثل هذه القرارات التي تندرج ضمن صميم السياسة الخارجية للدولة.

كما قلل من شأن الانتقادات التي وجهت للحكومة بشأن عدم إطلاع قوى الإطار التنسيقي مسبقا على هذا اللقاء، معتبرا أن العلم باللقاء قد وصل إليهم بعد ظهور الصورة الإعلامية، ولا يرقى ذلك إلى مستوى "الخرق الحكومي".

وأكد على ضرورة "الانفتاح على سوريا" لما يحمله ذلك من فوائد جمة للعراق على مختلف الأصعدة.

وأوضح الحكيم موقفه بشأن دعوة الشرع لحضور القمة العربية في بغداد الشهر المقبل، مؤكدا أنه "ليس للعراق خيار" في هذا الأمر، وأن الموضوع برمته يتعلق بقرارات الجامعة العربية التي تعتبر سوريا عضوًا فاعلًا فيها.

وبناءً على ذلك، يرى الحكيم أن "علينا دعوة الجميع للقمة العربية"، معربًا عن عدم اطلاعه على أي قرار قضائي عراقي قد يعيق حضور الشرع.

وذهب إلى أبعد من ذلك بالتأكيد على أن "دعوة سوريا هي ليس دعوة شخصية، بل أن سوريا عضو في الجامعة العربية، أما كيف صار الشرع رئيسا فهذا شأن سوري"، مشيرًا إلى عدم اطلاعه على أي مذكرة عراقية قد تكون صادرة بحق الرئيس السوري.

من خلال هذه التصريحات المتسلسلة والواضحة، يكشف عمار الحكيم عن رؤية استشرافية تسعى إلى تجاوز حالة الجمود السياسي والانغلاق التي قد تدفع إليها الحسابات الداخلية الضيقة. حيث يدعو صراحة إلى تبني منظور مستقبلي للعلاقات العراقية السورية، يأخذ في الحسبان الدور المحوري الذي يجب أن يلعبه العراق في معالجة الملفات الإقليمية المعقدة، وعلى رأسها الأزمة السورية.

وأكد الحكيم أن "العراق بلد كبير ومحوري ويجب أن يكون له دور في الملفات الكبيرة بالمنطقة ومنها الملف في سوريا مثلما تقوم به تركيا ودول الخليج ومصر والأردن وأوروبا"، ليقارن بذلك بين الدور الذي يجب أن يضطلع به العراق وبين الأدوار الفاعلة التي تلعبها دول إقليمية أخرى في الملف السوري، هذا التأكيد على الدور الإقليمي للعراق يتناقض بشكل صارخ مع مواقف الأطراف الأخرى في الإطار التنسيقي التي تبدو أسيرة لحسابات داخلية قد تعيق تبني سياسة خارجية عراقية أكثر فاعلية وتأثيرا.

تبرز هنا نقطة الخلاف الجوهرية التي تفصل موقف الحكيم عن موقف القيادات الأخرى في الإطار التنسيقي، ففي الوقت الذي يعلن فيه الحكيم عن قناعته الراسخة بضرورة الانفتاح على سوريا انطلاقًا من قراءة واعية للمصلحة الوطنية العراقية، تتبنى أطراف أخرى داخل الإطار خطابا رافضا بشدة لدعوة الرئيس الشرع، وقد وصل الأمر ببعض هذه الأطراف إلى حد التهديد العلني باتخاذ إجراءات تصعيدية في حال وصول الرئيس السوري إلى بغداد.

 فقد هاجم حزب الدعوة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي السوداني بشدّة لقراره دعوة الشرع إلى القمّة بينما لوّحت ميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي باعتقال الشرع في حال قدومه إلى بغداد كونه بحسب الميليشيا محلّ ملاحقة من قبل القضاء العراقي باعتباره قياديا سابقا في جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة.

تشير التحليلات المتعمقة إلى أن هذا الرفض القوي والعلني من قبل بعض أطراف الإطار التنسيقي قد لا يكون مدفوعا فقط باعتبارات قانونية وأخلاقية تتعلق بالدور السابق للرئيس الشرع خلال سنوات الصراع. بل إن هناك مؤشرات قوية تدل على أن هذه المواقف المتشددة قد تحمل في طياتها دوافع انتخابية بحتة

ففي ظل الاستعدادات للانتخابات البرلمانية المقبلة، تسعى بعض القوى السياسية إلى استقطاب قواعدها الجماهيرية من خلال تبني مواقف شعبوية ومناهضة لشخصيات مرتبطة بشكل أو بآخر بالصراع السوري، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية العليا التي يشدد عليها الحكيم بوضوح.

إن تبني خطاب متشدد تجاه شخصية مثل الرئيس الشرع قد يُنظر إليه من قبل بعض القطاعات الجماهيرية على أنه موقف مبدئي وقوي، وهو ما قد يترجم إلى مكاسب انتخابية في المستقبل القريب.

وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين القوى السياسية العراقية والنظام السوري كانت ولا تزال معقدة ومتوترة، لا سيما في السنوات الأولى للانتفاضة السورية. فقد انقسمت الآراء داخل العراق بين مؤيدين للانتفاضة ورافضين لها، وتأثرت هذه الانقسامات بالتحالفات الإقليمية والدولية المختلفة. كما أن بعض الفصائل المسلحة العراقية الشيعية كانت لها علاقات وثيقة بالنظام السوري السابق وقاتلت إلى جانبه في مواجهة الجماعات المسلحة المعارضة.

وفي هذا السياق المعقد، يمثل موقف عمار الحكيم محاولة لتبني رؤية واقعية تتجاوز الانقسامات الداخلية والخارجية. فهو يدرك أن سوريا دولة جارة ذات أهمية استراتيجية للعراق، وأن تجاهلها أو عزلها ليس في مصلحة بغداد على المدى الطويل. كما يبدو أن الحكيم يتبنى مقاربة براغماتية ترى في التواصل مع القيادة الحالية في سوريا فرصة لتخفيف التوترات الإقليمية وتعزيز دور العراق كلاعب إقليمي فاعل.

وينتظر كيف ستؤثر هذه الانقسامات الداخلية في العراق على سير أعمال القمة العربية المقبلة في بغداد. ففي الوقت الذي تصر فيه الحكومة العراقية على توجيه الدعوة للرئيس الشرع، تلوح في الأفق تهديدات بمقاطعة القمة أو محاولة عرقلة مشاركته من قبل بعض الأطراف السياسية العراقية.

ويمثل موقف عمار الحكيم صوتا للعقلانية والبراغماتية في المشهد السياسي العراقي المنقسم. فهو يدعو إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا على الحسابات الانتخابية الضيقة، وإلى تبني سياسة خارجية متوازنة تسعى إلى تعزيز دور العراق الإقليمي من خلال الانفتاح والتواصل مع جميع الأطراف الفاعلة، بما في ذلك سوريا.

وفي 16 إبريل الحالي أعلن السوداني توجيه دعوة رسمية للرئيس السوري أحمد الشرع، للمشاركة في القمة العربية التي ستُعقد في بغداد، الشهر المقبل، وأوضح خلال مشاركته في ملتقى السليمانية الدولي الأسبوع الماضي أنه “تم توجيه دعوة رسمية للرئيس السوري لحضور قمة بغداد المقبلة، وهو مرحَّب به لحضور القمة"، مضيفا أن "“القمة المقبلة حدث مهم لاستقبال القادة والرؤساء العرب، وسيكون لنا دور مهم في معالجة قضايا الأمن والاقتصاد".