الحكومة المصرية تلجأ إلى الدعم لترضية البسطاء وردع المخالفين

السلطات تحذف أسماء الآلاف من المواطنين لمخالفتهم شروط الدعم.
الاثنين 2024/09/23
عبء ثقيل

الحكومة المصرية أولوية لمحدودي الدخل لاسيما في المرحلة الحالية التي تتطلب تحصين الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية. ويأتي هذا التوجه باعتبار البسطاء هم الأكثر قدرة على إثارة منغصات سياسية وأمنية إذا فقدوا الأمل في توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشية.

القاهرة - نفّذت الحكومة المصرية تعهداتها السابقة بحرمان أيّ أسرة مخالفة لشروط الدعم، من الاستمرار تحت مظلة الحماية الاجتماعية، وقررت حذف آلاف المواطنين من الدعم لارتكابهم مخالفات وإدراج شريحة جديدة من البسطاء ضمن مستحقي الحصول على مساعدات مالية شهرية، وتستقطع من جيوب المخالفين لتمنح الفقراء.

وقررت وزارة التضامن الاجتماعي إضافة خمسين ألف أسرة دفعة واحدة للمستفيدين من برنامج “تكافل وكرامة” ليحصلوا على مساعدات مالية كل شهر، فيما أقدمت الحكومة على إسقاط 18 ألف أسرة من منظومة الدعم السلعي بسبب ارتكابها مخالفات بالتعدي على أراض زراعية والبناء غير المشروع عليها وسرقة التيار الكهربائي.

وارتفع عدد الأسر التي خرجت من منظومة الدعم بسبب ارتكاب مخالفات إلى 61 ألفا منذ بدء تطبيق عقوبة إلغاء الدعم في نوفمبر الماضي، مقابل وصول عدد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة إلى 5.2 مليون أسرة، تمثل أكثر من 22 مليون شخص يحصلون شهريا على إعانة مالية ضمن مظلة الحماية الاجتماعية.

وتعهدت وزارة التضامن المعنية بصرف إعانات البسطاء بحث كل الحالات التي تقدمت للحصول على مساعدات شهرية من البسطاء مهما بلغ عددها، وإدراج المستحقين منهم تحت مظلة الحماية الاجتماعية، إذ يتعامل الرئيس عبدالفتاح السيسي مع هذا الملف بخصوصية لتحصين الفقراء من الغلاء والظروف المعيشية الصعبة.

وقررت الحكومة توظيف ورقة الدعم كعقوبة ضد المخالفين وحصانة سياسية من انفجار غضب البسطاء، بما يحقق هدفين في ضربة واحدة، الأول: لا تدخل في مواجهة مع الشريحة التي تخالف القانون وتستحق العقوبة، والثاني: تنال رضا الفئة الأكبر من الفقراء الذين يتشوقون لأية إعانات مالية.

ولن تخسر الحكومة شيئا عندما تستقطع من جيوب المخالفين لتمنح البسطاء، ولا تتكلف مبالغ مالية إضافية في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، لكنها مدفوعة لشراء صمت الشريحة الأكثر تضررا من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، خاصة أن الفئة التي ستخرج من الدعم بسبب خروقات قانونية ليس من حقها التمرد.

ويحمل هذا التوجه حجم الخصوصية التي يتعامل بها النظام المصري في علاقته بالبسطاء من خلال الاستمرار في توسيع إجراءات الحماية الاجتماعية لهم وترضيتهم بجزء من متحصلات خفض الدعم أو حرمان البعض من الدعم لأغراض سياسية وأمنية بحتة، على أمل ضمان تنحيتهم عن قلق الشارع من غلاء الأسعار.

إكرام بدرالدين: تأمين حياة الفقراء ضرورة لتحصين الجبهة الداخلية
إكرام بدرالدين: تأمين حياة الفقراء ضرورة لتحصين الجبهة الداخلية

وأكد رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين أن الحكومة تدير علاقتها مع الفقراء بحكمة الآن، في ظل إصرار معارضين على المتاجرة بظروفهم لتحقيق أهداف سياسية معينة، ومن الضروري كل فترة أن تكون هناك إجراءات حماية استباقية تؤمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة للبسطاء، لأنهم القوة الأكبر.

وأضاف بدرالدين في تصريح لـ”العرب” أن تأمين حياة الفقراء مطلب سياسي لتحصين الجبهة الداخلية أمام اتساع دائرة التحديات الخارجية، لأن وجود رضاء لدى محدودي الدخل ضمانة لتثبيت دعائم الاستقرار، كما أن الحكومة لا تريد أن تخسر المكتسبات التي تحققت في علاقتها بتلك الشريحة ووضعهم تحت مظلة حماية اجتماعية دائمة.

وصارت الحكومة تتحرك في ملف الدعم بحسابات دقيقة للغاية، فهي ترفع أسعار الكهرباء ومياه الشرب وتذاكر القطارات ومترو الأنفاق ومشتقات البترول ورفع تسعيرة بعض السلع الأساسية، بالتوازي مباشرة مع إدخال فئات جديدة ضمن مظلة الحماية الاجتماعية خشية أن تتدهور علاقتها بالبسطاء بما يدفعهم للاحتجاج.

وتقوم الخطة على أن يظل الفقراء في مصر تحت أعين الحكومة طوال الوقت دون استمالتهم من أي فصيل معارض أو تيارات مناوئة للدولة، ما يفسر تضحيتها بأي فئة أخرى مقابل أن يظل البسطاء مستفيدون من الدعم النقدي شهريا، بما لا يجعلهم يفكرون في صدام مع الحكومة لأنها تمنحهم ولا تبخل عليهم وتوفر لهم مظلة حماية.

ولا يُمانع البسطاء من التعاطي مع رؤية النظام بشأن منظومة الدعم، لأنهم مستفيدون في النهاية منها، وإن أخذت الدولة باليد اليُمنى وتمنحهم جزءا من العوائد باليد اليسرى، سواء أكان ذلك في صورة انسحاب تدريجي من الدعم أو حرمان المخالفين من المساعدات العينية، من المهم أن يكون الفقراء في مأمن اجتماعي عن تلك الخطط.

وتخشى الحكومة المغامرة بالانسحاب التدريجي من الدعم دون أن تبادر بإجراءات استباقية تؤمن صمت الفقراء، باعتبارهم الأكثر قدرة على إثارة منغصات سياسية وأمنية إذا فقدوا الأمل في توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشية، وسيكون من الصعب مجابهة الغضب المرتبط بهم، فليس لديهم ما يخسرونه إذا قرروا احتجوا.ويتمسك النظام المصري بالخلاص من إرث الدعم السلبي، وقام بإدخال الحوار الوطني كطرف في دراسة التحول من الدعم السلعي إلى النقدي، بالتوازي مع إصرار الحكومة على تحريك أسعار غالبية السلع والخدمات، لكنها تعهدت بالحفاظ على حقوق البسطاء ورعاية الدولة لهم ولو ألغت الدعم.

وتتعامل الحكومة مع محدودي الدخل باعتبارهم كتلة شعبية أكثر قدرة على تثبيت الأمن والاستقرار، ويمكن للدولة مواجهة أية تحديات داخلية أو خارجية طالما بقيت علاقتها بتلك الفئة مستقرة وهادئة، ما يفسر الإصرار المتواصل على الإعلان كل فترة عن مساعدات مالية جديدة تخص تلك الفئة، كلما أثير الحديث عن معاناة الشارع.

وترى دوائر سياسية أن زيادة المستفيدين من المساعدات النقدية يتعارض ضمنيا مع تقشف الحكومة وتوجهاتها المعلنة عن الانسحاب التدريجي من الدعم، لكنها تخشى الإقدام على خطوة متهورة بعدم وضع الفقراء في حساباتها السياسية، لأن كل نقد يوجه إليها مع تحريك الأسعار يعتمد على دغدغة مشاعر الناس من بوابة الفقراء.

ويرتبط التحدي الحقيقي بتشكيك شريحة معتبرة من محدودي الدخل في أي توجه حكومي يتعلق بزيادة المساعدات الممنوحة لهم، لأن ذلك قد يكون مقدمة للمزيد من الإجراءات القاسية، ما يعكس تهاوي منسوب الثقة بين الطرفين، وهي معضلة تستدعي إعادة رسم العلاقة مع البسطاء بعيدا عن الترضيات المالية.

2