الحكومة المصرية تكافئ الأزهر لدعمه موقف السيسي من تهجير الفلسطينيين

السلطات تقوم بتعيين 40 ألف معلم في معاهد الأزهر وتجاوز جموده.
الأحد 2025/02/16
الأزهر في قلب السياسة

قبل الأزمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كان الإعلام المصري ينظر إلى الأزهر كخصم على الدولة المدنية، وعلى الأفكار التي تطرحها الحكومة لتحسين أوضاع النساء، وفجأة صار الأزهر مهما بعد موقفه الداعم لموقف الرئيس المصري من قضية التهجير، وبادرت الحكومة لمكافأته بتوظيف 40 ألفا من عناصره.

القاهرة - أكد تعيين 40 ألف معلم داخل المعاهد الدينية، استجابة لطلب شيخ الأزهر أحمد الطيب، أن العلاقة بين مؤسسة الرئاسة في مصر والأزهر جيدة بعد الموقف الذي تبناه الثاني من الحرب على قطاع غزة وتداعياتها السياسية، وأنه ماض في دعم النظام المصري لمواجهة الضغوط الأميركية للقبول بتهجير فلسطينيين إلى مصر.

وحمل موقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتعيين الآلاف من المعلمين الجدد تقديرا شخصيا لشيخ الأزهر، على الرغم من الاختلاف في وجهات النظر حيال قضايا مجتمعية شائكة، ترتب عنها تجميد عملية تجديد الخطاب الديني، بعد تمسك الأزهر برؤيته لعدم إلغاء الطلاق الشفهي، لكن ملف غزة أعاد الهدوء إلى حد كبير.

وحاز موقف الأزهر الصارم تجاه القضية الفلسطينية ودعمه المطلق للنظام المصري تأييدا من أوساط سياسية وشعبية، وتناغم موقفه مع الخطاب الرسمي ولم يتجاوز صف دعم السلطة منذ اندلاع الحرب على غزة، وتعمد الخروج عن النمط الديني إلى لعب دور سياسي، مستثمرا رصيده الذي يحظى به داخل مصر وخارجها.

خطاب الأزهر تضمن رسائل إلى السلطة مفادها أنه من الخطأ وجود خطط لإنهاكه أو محاولة ترويضه والسحب من نفوذه

وترى دوائر سياسية أن الإعلان عن تعيين الآلاف من المعلمين بالمعاهد الدينية التي تنظر إليها الحكومة بريبة، يحمل مكافأة رمزية للأزهر، لأن الظروف الأمنية والسياسية تفرض على الدولة التعويل على المؤسسة الدينية بشكل كبير في دعم تصورات الدولة الوطنية وسياستها، إذا انفلتت الأوضاع على وقع توترات مرتبطة بملف غزة.

ويدرك الرئيس السيسي أن التوقيت السياسي يفرض عليه تجاوز أيّ خلاف مع الأزهر، والعمل على تقريب المسافات معه على وقع تعاظم التحديات التي تفرض التعامل بحنكة مع بعض القضايا الداخلية، وهناك ملفات يمكن تأجيلها أو تجميدها إلى حين استقرار الأوضاع، والأولوية الآن في استمرار دعم الشارع للدولة.

ولا ينكر مراقبون أن شعبية التعليم الديني مثيرة لاستياء النظام المصري، وفي نفس الوقت سيكون الدخول في مواجهة مع الأزهر مجازفة بحكم شعبيته بين أوساط مجتمعية مختلفة، لذلك اضطرت السلطة إلى ترضيته وتأكيد دعمها لمعاهده التي تنتشر في البلاد، مقابل أن يظل ظهيرا دينيا خلفها في قضية مصيرية مثل التهجير.

واستدعت الضغوط التي تتعرض لها القاهرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل تليين موقفها والقبول بتهجير الفلسطينيين، المزيد من الاعتماد على الأزهر كمؤسسة دينية تستطيع تجييش الرأي العام خلف النظام المصري، والذي يتمسك بعدم تهجير أهالي غزة أو تصفية القضية الفلسطينية مهما كانت العواقب.

وتلقف الشيخ أحمد الطيب رسائل الرئيس السيسي، واستوعب المطلوب في ملف غزة، وظهر ذلك في دعوة الأزهر صراحة دعم الموقف المصري في إعادة إعمار القطاع شريطة بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، وممارسة أقصى درجات الضغط لتنفيذ اتفاق وقف الحرب على غزة، مطالبا بتحلي مسؤولي العالم بالحكمة في إصدار التصريحات التي تمس الأوطان، في إشارة إلى استفزازات ترامب.

وأكد الأزهر أنه لا حق لأحد إجبار الشعب الفلسطيني وإرغامه الموافقة على مقترحات غير قابلة للتطبيق، داعيا دول العالم إلى احترام حق الفلسطينيين في العيش على أرضهم وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهو نفس الخطاب الرسمي الذي تتمسك به القاهرة منذ الإعلان عن مقترح ترامب بشأن غزة.

وبدت السلطة المصرية مرتاحة أكثر لخطاب الأزهر الحاد ضد تصفية القضية الفلسطينية، بعد أن صعّدت القاهرة من نبرة التحدي للمقترح الأميركي، ما دفع الأزهر للتخلي عن هدوئه واستخدام أسلحته الرمزية لدعم الموقف الرسمي، ونجح إلى حد معقول في إثبات أنه قوة معنوية يمكن التعويل عليها وقت التحديات.

وحمل خطاب الأزهر رسائل إلى السلطة المصرية نفسها، مفادها أنه من الخطأ وجود تحركات أو خطط لإنهاكه وقصقصة أجنحته أو محاولة ترويضه والسحب من نفوذه لمخالفته الحكومة في بعض التصورات، ففي وقت التحديات يمكنه مساعدة النظام.

تكاتف شعبي خلف النظام أخيرا على وقع الضغوط الأميركية، لكن السلطة ترى في دعم الأزهر أولوية في هذا التوقيت الحرج

وينطوي خطاب الأزهر على درجة عالية من دغدغة مشاعر شريحة كبيرة من المصريين، لأنه يستخدم مصطلحات منتقاة بعناية، بها قدر من الدبلوماسية الخشنة، ويستطيع أن يتبنى رؤية سياسية من دون أن يقتصر مضمونها على فئة من المسلمين.

وظهر تكاتف شعبي كبير خلف النظام المصري أخيرا على وقع الضغوط الأميركية بشأن مستقبل غزة، لكن السلطة ترى في دعم الأزهر أولوية في هذا التوقيت الحرج، لأنه قادر على تجييش الرأي العام من خلال خطاب ديني يجعل الشارع منحازا للنظام الحاكم حاليا كي يستطيع مواجهة الضغوط بحصانة شعبية.

وقال البرلماني السابق والباحث في شؤون الأديان محمد أبوحامد إن الأزهر يستوعب حدود دعم النظام في وقت التحديات الداخلية والخارجية، لأنه جزء من مؤسسات الدولة وأحد أبرز قواها الناعمة، ومن الحكمة السياسية التجاوز عن الخلاف في وجهات النظر مع السلطة لعبور التحدي المرتبط بقضية تتعلق بالأمن القومي للبلاد.

وأضاف لـ”العرب” أن الأزهر يتمتع بتأثير في محافل خارجية عدة، والميزة أن القضية الفلسطينية ترتبط بثوابت وأبعاد دينية لها علاقة بصميم دوره، ولذلك من الطبيعي أن يظل مساندا للموقف الرسمي، ولا يمكن أن يعتبر ذلك تسييسا للدين لأنه يتحرك مدفوعا بمسؤولية وطنية، وقد لا يعارضه في ذلك سوى جماعة الإخوان.

وظلت مشكلة الأزهر مع النظام المصري على مدار سنوات أنه كان يدافع عن نفوذه أكثر من اهتمامه بملفات ملحة تشغل بال الدولة، ما يعني أن الضغوط التي تعرض لها لم تكن مرتبطة باستهداف السلطة للتعليم الديني، بقدر بحثها عن إصلاح مسار الأزهر كمؤسسة يجب أن تعمل وفق إطار وطني ولا تخضع لأهواء شخصية.

وتوحي بعض الشواهد أن الأزهر استوعب الرسالة وتخلي عن العمل وفق أجندة ضيقة بعد أن نال استحسان دوائر سياسية وشعبية، وقرر أن يلعب دورا مهما في دعم تحركات الدولة بشأن القضية الفلسطينية، خاصة أن الساحة خالية من أيّ تيار إسلامي مؤثر، وتظل العبرة في الاستمرار على نفس النهج بعيدا عن المكاسب ذاتية.

4