الحكومة المصرية تقسط الزيادات لتجنب غضب الشارع

القاهرة - عادت الحكومة المصرية الخميس إلى زيادة سعر السولار أحد أهم مشتقات البترول المرتبطة بوسائل النقل والمواصلات التي يرتادها البسطاء، ضمن خطة تحايل بدأت تتبعها منذ فترة لتجنب غضب الشارع مرة واحدة، عبر التدرج في تحريك الأسعار، تمهيدا للانسحاب من دعمها لسلع أساسية على فترات متباعدة.
وقالت وزارة البترول إن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية زادت في أسعار السولار بمقدار جنيه واحد، ليصبح سعر البيع 8.25 جنيه (0.2666 دولار) للتر، وأبقت على أسعار البنزين دون تغيير، وهو قرار لم يجنب الحكومة انتقادات حادة.
ومررت الحكومة في مطلع مارس الماضي زيادة جديدة في أسعار مشتقات البترول للمرة السابعة خلال أقل من أربع سنوات، وأبقت على أسعار السولار دون تغيير، خشية تذمر شعبي محتمل، لأن السولار يتم الاعتماد عليه في وسائل النقل الجماعية وعربات البضائع وتصنيع بعض السلع الضرورية.
وأعلنت نقابة المزارعين الخميس، أن مختلف أسعار المحاصيل الزراعية سترتفع بعد تحريك سعر السولار، فيما قررت سيارات النقل زيادة تعريفة الركوب بنسبة 10 في المئة، وتحركت أسعار الدواجن إلى الأعلى بعد فترة استقرار نسبي، ما يفسر أسباب صدمة بعض المصريين، باعتبار أن عددا كبيرا من السلع يرتبط بالسولار، وأي تلاعب في كلفته يمهد لموجة غلاء جديدة قد تطال تداعياتها الاجتماعية الجميع.
وكثفت الحكومة الخميس من متابعة مواقف سيارات النقل الجماعية، وتوعد وزير التنمية المحلية هشام آمنة بمحاسبة المخالفين لتعريفة الركوب بعد زيادتها 10 في المئة فقط، وطُلب من المحافظين ورؤساء الأحياء والمدن المختلفة القيام بجولات لضبط المتورطين في استغلال الزيادة الجديدة لوقود السيارات.
وتشير ردود فعل غاضبة على شبكات التواصل الاجتماعي إلى أن توقيت الزيادة في سعر السولار يمكن أن يكون بالغ الخطورة، لأنه تزامن مع غلاء الأسعار عامة، وإخفاق الحكومة في وضع حل لأزمة القفزات المتتالية في أسعار السلع.
ويبدو أن خطط التحايل على تحريك الأسعار بالتدرج في تطبيقها باتت منهجا حكوميا، حيث قررت وزارة التموين زيادة ثمن السلع التموينية على فترات، وهو ما يحدث في مشتقات البترول بالتبادل، مرة للبنزين وأخرى للسولار وثالثة للغاز، وينطبق الأمر ذاته على بعض الخدمات الأساسية مثل مياه الشرب والكهرباء.
ويرى مراقبون أن الحكومة تتجنب الوقوع في نفس الأخطاء التي سقطت فيها من قبل عندما حركت أسعار سلع وخدمات بنسبة كبيرة مرة واحدة، مثل تذكرة مترو الأنفاق التي تسببت زيادتها بنحو 500 في المئة في مظاهرات محدودة.
ويرى هؤلاء المراقبون أن التدرج في تحريك الأسعار قد يكون غير كاف لامتصاص غضب الشارع، لأن الحكومة تختار كل فترة شريحة لتزيد عليها الأعباء، ولم تترك فئة آمنة من الغلاء لتكون بالنسبة إليها ظهيرا شعبيا تستقوي به أمام شرائح أخرى.
وتتحرك كل وزارة في مسار الغلاء بلا اكتراث كبير لكون الناس يكتوون من وزارة أخرى، على اعتبار أن الأزمة الاقتصادية عالمية وليست قاصرة على مصر وحدها.
وقبل أيام قررت وزارة التموين زيادة أسعار بعض السلع الإستراتيجية، ثم أعلنت وزارة الإسكان عن بيع وحدات سكنية بالسعر الحر، ووقف المدعوم، وأخيرا زادت وزارة البترول سعر السولار.
وسرّعت الحكومة من خطواتها للانسحاب التدريجي من دعم السلع والخدمات ومشتقات البترول استجابة لصندوق النقد الدولي الذي طالب بتحرير الأسعار وتقليص فاتورة الدعم، وهي نقطة أخرى ربما تثير سخط ناس يعتقدون أنهم ضحية رضوخ القاهرة لشروط الصندوق.
الحكومة تحوّلت في نظر الشارع إلى أشبه بـ"تاجر"، وربما لا تختلف عن أصحاب الأعمال الذين يستثمرون الأزمة لجني أكبر قدر من المكاسب
وأعلن صندوق النقد في يناير الماضي أن الحكومة المصرية تعهدت بخفض أسعار الوقود حتى يتم إلغاء دعم مشتقاته كليّا، باستثناء غاز البوتاغاز والوقود للمخابز، مع ربط الأسعار المحلية بالعالمية وتوجيه المتوفرات لدعم برامج الحماية الاجتماعية.
ومن المستبعد نجاح الحكومة في امتصاص الغضب بعد صدمات اقتصادية قاسية، ومهما ارتفعت مخصصات برامج الحماية الاجتماعية التي أقرها الرئيس عبدالفتاح السيسي سوف تظل مردوداتها ضعيفة لكثافة أعداد المحتاجين.
وقال جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد شرق القاهرة إن تحميل المواطن فاتورة باهظة من الأزمة الاقتصادية يتعارض مع خطوات وإجراءات الحماية الاجتماعية التي توفرها الدولة، ويزيد من الشكوك في توجهات الحكومة، مع أن النظام الحاكم يسعى لإقناع الشارع بأنه يتعامل بخصوصية مع محدودي الدخل.
وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالتعامل مع الناس بحنكة لأن الاستقرار السياسي قد يهتز جرّاء التسرع في اتخاذ قرارات يمكن أن تزيد من الأعباء بشكل يفوق قدرات تحمل محدودي الدخل، خاصة أن الحكومة تبدو على فترات متقاربة وكأنها تفسد ما يريد أن يصلحه الرئيس السيسي.
وزاد الرئيس المصري قبل أيام موازنة الحماية الاجتماعية إلى نحو 22 مليار دولار، بنسبة بلغت 48.8 في المئة عن العام الماضي، للتخفيف عن المواطنين وحماية الفئات الأكثر احتياجا من تداعيات الأزمة الاقتصادية، وبعد القرار بأيام قليلة زادت أسعار السلع التموينية والسولار، ما تمخض عنه موجة غلاء قاسية.
ومهما كانت الحكومة محقة في اتجاهها نحو ترشيد الدعم، غير أنها لا تترك لشريحة كبيرة من الناس خيارات تعينهم على تخفيف صعوبات المعيشة، فعندما تزيد سعر دقيق الخبز بحجة أنها تستورده لا تدعم الأرز، على رغم الاكتفاء الذاتي منه.
وعندما تفشل في السيطرة على أسعار اللحوم والدواجن، لا تقوم بعملية ضبط محكمة لأسعار الأسماك، على الرغم من أن غالبية المزارع السمكية الكبيرة مملوكة لها.
وتحوّلت الحكومة في نظر الشارع إلى أشبه بـ”تاجر”، وربما لا تختلف عن أصحاب الأعمال الذين يستثمرون الأزمة لجني أكبر قدر من المكاسب، ما انعكس على ثقتهم في تصوراتها، وكادوا يفقدون الأمل في أي تغيير حقيقي، والمعضلة الرئيسية تكمن في إمكانية حرف غضب المواطنين ناحية النظام بدلا من الحكومة.