الحكومة المصرية تعوض غياب المعلومات عن ملفات حيوية بالظهور الإعلامي للمسؤولين

القاهرة - أصبح ظهور بعض المسؤولين والمتحدثين باسم مؤسستي الرئاسة ومجلس الوزراء معتادا في الكثير من البرامج، دون تفرقة في الظهور بين برامج شهيرة وأخرى أقل، طالما أنه يناقش قضية تحظى بمتابعة الشارع المصري.
وتؤكد هذه السياسة أن هناك رغبة رسمية لتقريب المسافات بين الحكومة ووسائل الإعلام بعدما أدركت الأولى أن جمود العلاقة وتهرب المسؤولين من مواجهة الإعلام لن يفيداها، وقد تدفع الحكومة فاتورة باهظة بسبب هذه القطيعة.
وتسبب غياب المعلومات المرتبطة بملفات حيوية في مشاكل عدة للحكومة، وأدى تجاهلها لتوضيح مواقفها وشرح قراراتها وتفسير توجهاتها إلى إحراج بالغ لبعض أجهزتها، وفي كل مرة يُفهم عدم التجاوب على أن ثمة كوارث يتم التغطية عليها.
دفع الإعلام نفسه فاتورة باهظة أمام ندرة المعلومات التي يقدمها للجمهور، وعدم الرد على أغلب الاستفسارات التي يطرحها الناس، وبدا عاجزا أمام تمسك الكثير من المسؤلين بتحديد طريقة وتوقيت الإجابة، وصار في نظر الشارع بلا قيمة أو تأثير.
يخشى إعلاميون أن يكون الانفتاح الحكومي على الإعلام على صلة بمتطلبات المرحلة دون استدامة تضمن للعاملين فيه الحصول على ردود شافية ومعلومات تضمن حق الناس في المعرفة، والإعلام في أن يكون وسيطا، لا كيانات بلا قيمة.
تعاني الحكومة من ضغوط سياسية واقتصادية واجتماعية دفعتها إلى اللجوء إلى الإعلام لتوضيح الصورة وطمأنة المواطنين على مستقبلهم بدلا من قيام البرامج بهذا الدور بناء على تفسيرات مغلوطة، ولذلك قررت أن يكون ذلك وفق معلومات.
تتلكأ بعض الدوائر الحكومية في إقرار تشريعات تضمن للمواطن والصحافي الحصول على المعلومات بطريقة صحيحة عبر إصدار تشريع خاص بحرية تداول المعلومات، لكن الخوف من تبعات الحريات المطلقة تسبب في تعطيل القانون.
تبدأ الشراكة الحقيقية بين الإعلام والشارع والحكومة بتقاسم المعلومات، ولا يفترض أن يكون ذلك مرتبطا بظرف سياسي معين، وأن يصبح ذلك نهجا عاما من خلال استمرار إظهار الحقائق بما يدعم النقاش الجاد حول القضايا التي تمس حياة الناس.
هناك جهات رسمية لا تزال تتعامل مع تضييق المعلومات كقضية إعلامية بحتة، والإصرار على المعرفة يحمل تطفلا من الصحافي بلا اكتراث بحق الشارع في المعرفة، وإذا استمر استبعاد الجمهور من المعادلة فالتعتيم سوف يظل قائما ويبقى الخلاف منحصرا بين الإعلام والحكومة.
المشكلة أن الحكومة غير مقتنعة بحرية الرأي والتعبير والاختلاف مع وجهات نظرها، ويبدأ العلاج من الانفتاح على الإعلام، لأن هذه الطريقة هي الوحيدة التي يمكن من خلالها الوقوف على أبعاد كل قضية أو قرار قبل النقد الموضوعي.
يعتقد مراقبون أن الاتجاه لرفع الحظر عن حديث بعض المسؤولين مع الإعلام لا يخلو من تنامي الشعور لدى السلطة بأن حالة الإحباط التي وصل إليها الشارع وكثرة الرسائل السلبية لن تختفيا إلا عبر إظهار الحقائق والتحرك الرسمي بشكل إيجابي، بدلا من تكريس الاعتقاد بفشل الحكومة.
الحكومة تعاني من ضغوط سياسية واقتصادية واجتماعية دفعتها إلى اللجوء إلى الإعلام لتوضيح الصورة وطمأنة المواطنين على مستقبلهم
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن التحديات التي تواجه النظام المصري يصعب حلها، سوى بمشاركة الناس في التصورات التي تتحرك على أساسها الدولة، ولن يتحقق ذلك قبل تعامل الإعلام كوسيط موثوق به بين السلطة والشارع، والإعلاء من قيمته.
جزء من مشكلة الحكومة أنها كانت تختار منابر بعينها للتحدث إلى الناس، إذ يظهر متحدث الرئاسة مع مذيع محدد، وبالمثل يفعل الناطق باسم الحكومة، ولا يدركان أن الجمهور نفسه متقلب، وكانت هناك حاجة للظهور مع مختلف البرامج دون تمييز.
واللافت أن بعض مقدمي البرامج يسألون المسؤولين على الهواء بطريقة توحي أن الاستفسارات المطروحة متفق عليها مسبقا، ما يعزز مصداقية الإعلام والطرح المقدم من المسؤول، وهو ما لم يكن يحدث إلا نادرا لتجنب الوقوع في سقطات كلامية.
وقال عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة محمد شومان إن التقارب بين الحكومة والإعلام وقت التحديات أولوية، لكن المهم الاستمرار الذي يضمن اقتراب الشارع طوال الوقت من التفاصيل لتحاشي حرب الشائعات واتساع دائرة القلق.
وأضاف لـ”العرب” أن كل تقارب بين المسؤول والإعلام يحقق الفائدة للطرفين، لأن الناس وقت الصعوبات يرغبون في معرفة الحقيقة والوصول إلى المعلومة، وهذه ميزة أن يكون الإعلام محتكرا للمعرفة، ومن المهم أن يكون ذلك بعمق.
الحكومة المصرية تعلمت من دروس الماضي واقتنعت أن التقاعس عن المكاشفة في قضايا تشغل الرأي العام يكبدها خسائر أو يمنعها من تحقيق مكاسب مضمونة
ويرتبط التوجه الراهن بتحسين صورة الإعلام نفسه، حيث تسبب رفض الكثير من المسؤولين في الظهور الإعلامي للرد على الأسئلة التي تشغل بال الناس وتمس صميم حياتهم في تهاوي تلك الصورة، لكن التحديات فرضت على الحكومة تقوية أذرعها كجزء من المعركة الحالية.
ظلت الحجة الجاهزة هي وجود مسؤولين يرفضون الظهور لأنهم لا يمتلكون حنكة التعامل مع الإعلام، ويخشون الوقوع في هفوات ويورطون أنفسهم والحكومة، مع أن التقارب مع الإعلام يجعل العلاقة قوية بما يدفعه للحفاظ على صورة المسؤول.
ويبدو أن دوائر حكومية اقتنعت أن قبول الجمهور بالاصطفاف الإعلامي خلفها، له اشتراط ومعايير، بينها أن يكون ذلك وفق معلومات ودور حيويين تؤديهما المنابر لتكون مقنعة للناس بأنها تدعم إنطلاقا من شواهد وليس تنفيذا لتعليمات من هنا أو هناك.
وجدت الحكومة أن الاصطفاف الإعلامي خلفها مع استمرار الفجوة بين الطرفين يجلب الكثير من الأزمات، فهي لا تقدم للناس ما يبحثون عنه في إعلامهم المحلي، ولا تتركه يعمل بحرية لنقل نبضهم، وتأكدت من ضرورة قيام الإعلام بالمهمتين.
وترغب جهات رسمية في تحجيم اعتماد الإعلام على المصادر المجهولة التي ترفض الكشف عن هويتها أو تقديم تفسيرات غير واقعية، ما يضع الحكومة في حيرة خروج معلومات لا يجب ظهورها، وزيادة شائعات قد يصعب التصدي لها لاحقا.
وتعلمت الحكومة المصرية من دروس الماضي واقتنعت أن التقاعس عن المكاشفة في قضايا تشغل الرأي العام يكبدها خسائر أو يمنعها من تحقيق مكاسب مضمونة، لأن عدم توفير التفاصيل المطلوبة في ملفات مهمة يفتح الباب لتخمينات تثقلها بالتحديات.
ويتفق إعلاميون في مصر على قيام المؤسسات الرسمية، إذا أرادت الحفاظ على هذا التقارب مع الجمهور من بوابة الإعلام، أن تكف عن التعامل مع حق الناس في الحصول على المعلومة باعتباره تجاوزا لمقتضيات الأمن القومي، لأن القطيعة مع الإعلام سوف تقود إلى قطيعة أكبر مع الشارع.