الحكومة المصرية تطارد الأموال المهاجرة ضريبيا

سن قانون يتيح تبادل معلومات العملاء بالبنوك مع سلطات ضريبية.
الجمعة 2022/12/16
أموالكم مفيدة للتنمية

عززت مصر جهودها لترويض الأموال المهاجرة، وتلك التي لا تتوافر معلومات كافية عن حركتها، وارتفعت قيمتها بعد الهبوط الكبير للجنيه، إذ ناقشت لجنة برلمانية تشريعا جديدا حذر خبراء من مخاطره وإمكانية تسببه في تقويض خطة الشمول المالي قبل إقراره.

القاهرة - تزايدت المؤشرات التي تؤكد أن السلطات المصرية تعتزم إعطاء زخم جديد لمحاولة زيادة حصيلتها الضريبية أملا في تدفق العملة الصعبة من خلال إخضاع استثمارات المغتربين في الدول الأجنبية للضرائب.

وتأتي الخطوة وسط مخاوف الأوساط المالية والاقتصادية المحلية من أن يطال ذلك الأرصدة البنكية للأفراد العاملين بالخارج والداخل.

ومن المنتظر أن يوافق مجلس النواب الأحد المقبل على قانون الإجراءات الضريبية الموحد الذي يسمح بتبادل المعلومات حول حسابات وودائع العملاء من الأفراد والشركات في البنوك مع السلطات الضريبية الأجنبية.

ويسمح التعديل التشريعي بتبادل المعلومات مع السلطات الضريبية الأجنبية وليس مع مصلحة الضرائب المصرية للأغراض المحلية، ويقتصر على مساعدة بعض الدول فى التحقق من المعاملات التجارية لرعاياها للتعامل مع احتمالات التهرب الضريبي.

وجاء تنفيذ الخطوة في مصر متأخرا، حيث تطبق الكثير من الدول قانون المحاسبة الضريبية للأجانب المقيمين في الدول الأخرى والذي يختص في الضريبة على الاستثمارات الخارجية، ويتيح لها معرفة أرباح المستثمرين أو دخل الأفراد عبر أرصدتهم في البنوك.

وشهدت الأيام الماضية لغطا في السوق المحلية، حيث لم تقم الحكومة أو البنك المركزي ببيان القانون بشكل واضح، ما سبب ارتباكا لدى العامة بعد أن اعتقدوا أنه سيتم الاطلاع على حساباتهم في البنوك ومعرفة أرصدتهم وإخضاعها للضرائب.

عبدالمجيد حسن: خطوة مهمة لتصحيح حسابات الناتج الإجمالي للبلاد بدقة
عبدالمجيد حسن: خطوة مهمة لتصحيح حسابات الناتج الإجمالي للبلاد بدقة

ونفى كل من المركزي ومجلس الوزراء والبرلمان ما أشيع حول سماح التعديلات الجديدة بالحصول على معلومات سرية حول حسابات وودائع العملاء من الأفراد والشركات في البنوك.

وأوضح البنك المركزي في بيان أن “التعديلات تتعلق حصرا بتبادل المعلومات مع السلطات الضريبية الأجنبية”.

ويأتي التعديل تنفيذا لأحكام الاتفاقية الدولية المُلزمة لجميع الدول الأعضاء في المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية الذي انضمت إليه مصر عام 2016.

ولا يجوز في القانون الاطلاع على حسابات العملاء في بنوك مصر أو إعطاء بيانات عنها لأي جهة بطريق مباشر أو غير مباشر.

ولن تتم العملية إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة أو من أحد ورثته أو الموصى لهم بكل هذه الأموال أو بعضها، أو من نائبه القانوني أو وكيله، أو بناء على حكم قضائي أو حكم تحكيم.

وتستحوذ الضرائب على النصيب الأكبر من الإيرادات المتوقع تحصيلها في موازنة العام المالي الجاري الذي ينتهي مع حلول يوليو المقبل لتصل إلى 76.8 في المئة من الإيرادات.

وقال عبدالمجيد حسن عضو جمعية مستثمري الإسكندرية إن “القانون يتماشى مع الاتفاقيات الضريبية العالمية، وهو ضروري لصحة حساب الناتج الإجمالي الذي يشمل حجم الإنتاج من السلع والخدمات من موارد الدولة في الداخل والخارج”.

وبدأ البعض من رجال الأعمال المصريين يتجهون مؤخرا نحو تدشين مشاريع وشركات في دول وجزر لا تفرض ضريبة على الاستثمارات الأجنبية ويحققون أرباحًا من ورائها.

ولكن أموالهم تظل في المصارف الأجنبية، وهو ما أثار حفيظة السلطات في مصر، خاصة مع تزايد الشُح في العملات الأجنبية.

وأوضح حسن لـ”العرب” أن القانون يختص في تبادل المعلومات ولا يتطرق إلى الحسابات السرية، ويطبق على المستثمرين وليس العاملين في الخارج لدى شركات أو هيئات.

وأكد أن الأفراد والمؤسسات المصرية لم يتعودوا على المحاسبة الجادة لأن الضرائب حق أصيل للدولة حتى لو حقق المستثمر المحلي أرباحًا خارج البلاد.

ويرى اقتصاديون أن القانون لا يمثل كشفا لسرية حسابات العملاء، لأن الدول الأجنبية هي المخول لها إرسال نتائج أعمال شركات الأفراد المصريين بالخارج وفق أرصدتهم بالمصارف.

وأشاروا إلى أن المخاوف تتمثل في أن من يحدد قيمة الضريبة هم أشخاص مصريون يقيمون ببلدهم الأم، ومن ثم يمكن أن تنكشف سرية الحسابات.

وجاءت الخطوة في إطار سعي السلطات إلى زيادة الحصيلة الدولارية بشتى السبل، لأن هؤلاء سيقومون بدفع الضرائب الدولار، في وقت تعاني فيه السوق المحلية بشدة من أزمة عملة وبسببها عادت السوق السوداء للدولار إلى تداوله.

وأكد خالد الشافعي مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية والضرائب أن القانون يكشف سرية الحسابات لدى العملاء، لأنه في النهاية سيعرفها موظفون في مصر يقومون بحساب نسبة الضريبة.

وذكر لـ"العرب" أن من يطبق قانون الإجراءات الضريبية هم العاملون في مصلحة الضرائب المصرية، ولذلك فالقانون له آثار سلبية، فهو لم يُقصر الإطلاع على الحسابات لدى البنوك فقط بل للموظفين في مصلحة الضرائب.

وأوضح أعضاء مجلسي النواب والشيوخ (البرلمان) أن مشروع قانون تعديل قانون الإجراءات الضريبية لا يمس بسرية بيانات العملاء في البنوك.

خالد الشافعي: القانون يكشف أرصدة الأفراد لدى العاملين في الضرائب
خالد الشافعي: القانون يكشف أرصدة الأفراد لدى العاملين في الضرائب

ولفتوا إلى أنه تمت إضافة مادة تجيز الإفصاح عن المعلومات لدى البنوك بغرض تبادل المعلومات، واتساقا مع الاتفاقيات الضريبية الدولية المنضمة إليها القاهرة.

وانتقد الشافعي القانون، واعتبره تدخلا للعنصر البشري في الجهاز المصرفي ومعرفة سرية حسابات العملاء، لافتا إلى أن المستثمرين المصريين في الخارج لا يقومون بدفع الضرائب ولا يدخلون ضمن فئة المتهربين ضريبيًا.

وقال إنه "من الأولى التوصل إلى حل للاقتصاد الموازي الذي يضيّع على البلاد دخلا ومتحصلات هائلة".

وقد يعرقل القانون الجديد مساعي الحكومة لتعزيز الشمول المالي، فلا توجد التوعية المناسبة بالقواعد المالية والمصرفية للمواطنين، ما سؤدي إلى احتمال قيام الأفراد بسحب أرصدتهم من البنوك خشية فرض الضرائب عليها.

وقام المركزي بصياغة إستراتيجية الشمول المالي للفترة الممتدة بين 2022 و2025 بهدف تعزيز الشمول المالي في المجتمع عبر إنشاء الحسابات المصرفية وإيداع الأموال في البنوك من أجل تحقيق النمو الاقتصادى.

وتسعى الحكومة أيضا إلى إجبار الأفراد على التعامل اللانقدي باستخدام بطاقات الدفع الإلكتروني “فيزا كارت” في مختلف المصالح والهيئات الرسمية عند دفع أي مصروفات مستحقة لدى دوائر الحكومة.

وطالت المخاوف من القانون المغتربين لأن بعضهم يحصل على رواتب ربما تكون من وجهة نظر السلطات المحلية تستحق أن تفرض عليها ضرائب.

وبسبب أن القانون لم يحدد الفئات التي ستخضع للضريبة أو المعفاة منها بشكل صريح، يشهد الشارع المصري حالة من الجدل.

11