الحكومة المصرية تصدم البسطاء بتسعيرة استثمارية لدروس التقوية

القاهرة – تخلّت الحكومة المصرية عن أحد أوجه الدعم التعليمي برفع أسعار مجموعات التقوية المدرسية التي كانت تمثل للأسر البسيطة وذات الدخل المتوسط بديلا عن مراكز الدروس الخاصة باهظة الكلفة، ما جلب إليها غضب شريحة من الأولياء الذين عوّلوا على تلك المجموعات لتحسين مستوى أولادهم الدراسي بكلفة زهيدة.
والاثنين قررت وزارة التربية والتعليم رفع سعر المحاضرة المدرسية الواحدة إلى مئة جنيه (نحو دولارين)، وبالتالي يحتاج الطالب إلى ما لا يقل عن ألفي جنيه شهريا (نحو 40 دولارا) لدراسة خمس مواد فقط أسبوعيا، وهو مبلغ ضخم إذا كان لدى الأسرة الواحدة ثلاثة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة.
وبذلك تصبح كلفة المحاضرة الواحدة في قاعات المدارس أكبر مما تدفعه الأسرة داخل بعض المراكز الخاصة الجماعية أو القريبة منها، لاسيما في المناطق الريفية والشعبية والنائية، فيما تحججت وزارة التعليم بأنه “ستتم مراعاة سعر المحاضرة حسب الظروف الاقتصادية لكل منطقة دون أن تتجاوز المئة جنيه”.
التعامل مع التعليم بعقلية اقتصادية خطأ فادح، وجعله لفئة معيّنة تستطيع دفع المقابل له تداعيات وخيمة
وتُعقد المحاضرة المدفوعة بالمدرسة التي يتعلم فيها الطالب وذات المعلمين، لكنها تتم بعد انتهاء اليوم الدراسي لمن يرغب في الاشتراك فيها من الطلاب والمعلمين، ومدة المحاضرة الواحدة نحو ساعتين أسبوعيا، بينما الحصة المدرسية أربعون دقيقة، وهناك من يشترك للمزيد من التحصيل الدراسي، من خلال المعلمين أنفسهم.
ويضطر الكثير من الطلاب إلى الحصول على دروس خصوصية في مصر عبر مجموعات تقوية في المدرسة أو في مراكز التعليم الموازي، لأن الحكومة تستعين بمعلمين بعقود ليسوا مدربين بشكل كافٍ أو مخضرمين في المادة لتعويض عجز المدرسين الذي تجاوز أربعمئة ألف معلم، لذلك يُنظر إلى المدارس على أنها لا تُعلّم، والبديل يكون المدرس المتخصص بمقابل مادي.
وتوقع مراقبون أن يكون رفع تسعيرة مجموعات التقوية بالمدارس الحكومية، لتكون قريبة أو أكبر من نظيرتها بالمراكز الخاصة، مقدمة لشن حملة موسعة ضد هذه المراكز من أجل غلقها، بحجة أنها غير مرخصة ولا تدفع حق الدولة من الضرائب وبعضها يستعين بخريجين ليسوا معلمين متخصصين، بحيث لا يكون أمام ولي الأمر سوى الاشتراك في المجموعات المدرسية.
وأكد سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة أن التعامل مع المنتسبين إلى التعليم الحكومي بعقلية اقتصادية خطأ فادح، وتسليع التعليم وجعله لفئة معينة تستطيع دفع المقابل لهما تداعيات وخيمة، والفاتورة التي ستتحملها الدولة مستقبلا باهظة.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أنه “لا يجب التعامل مع تعليم أبناء البسطاء كعبء، وما يحدث من مغالاة يتناقض مع مظلة الحماية الاجتماعية التي تصدّرها الحكومة إلى الشارع، لأن الناس لن يصدقوا أي حماية لا تستهدف أولادهم، والمطلوب هو قدر من الحنكة السياسية في التعامل مع ملف جماهيري مصيري، مثل التعليم”.
ومنذ سنوات ظلت في مدارس الحكومة مجموعات تقوية بأسعار رمزية تتناسب مع غالبية الشرائح المجتمعية، وتلبي احتياجات أبناء الطبقة الفقيرة، وهو ما يفسر صدمة الناس من تحريك أسعارها.
وقالت وزارة التعليم إن التسعيرة المحددة هي الحد الأقصى المفترض أن يدفعه الطالب، ويحق لمسؤولي المدارس تخفيضها، وهي نقطة أثارت مخاوف كثيرين لأن الحكومة تركت الأهالي للمؤسسات التعليمية من دون أن تتدخل وتضع أسعارا إلزامية.
ويتحصل المعلم على 80 في المئة من عائد المجموعة المدرسية لتحسين راتبه في ظل عدم قدرة الحكومة على ترضية المدرسين ماديا، والنسبة المتبقية تذهب إلى وزارة المالية ونقابة المعلمين وبعض المسؤولين عن المنظومة التعليمية، ما يدفع البعض إلى فرض تسعيرة أكبر للاستفادة منها.
ويصعب فصل غضب المواطنين عن عدم إيفاء الحكومة بوعودها التي قطعتها على نفسها قبل أيام، وأنها قررت تقليل عدد المواد في مرحلة الثانوية العامة (البكالوريا) لرفع الأعباء عن الأهالي وعدم استنزافهم ماليا بدروس خصوصية، ثم دخلت طرفا في منظومة التعليم الموازي لتتحصل على جزء من كعكة العوائد.
وتلتهم الدروس الخصوصية نحو مليار دولار من جيوب الأسر المصرية سنويا، ويتجاوز إنفاق بعض الأسر على التعليم 60 في المئة من الدخل الشهري، وهو ما يفسر انخراط الحكومة في تلك المنظومة لتتحصل على جزء من العوائد ولا تذهب كلها إلى مراكز الدروس الخصوصية دون أن تستفيد منها.
ويتجاوز الرقم المنتظر تحصيله من طلاب المدارس الراغبين في تحسين مستواهم الدراسي بمجموعات التقوية أيّ مساعدة تقوم بها الحكومة تجاه الأسر البسيطة، سواء بسلع مدعمة أو مبالغ مالية نقدية شهرية، ما يثير تساؤلات غاضبة حول خيارات طلاب الأسر الفقيرة في ظل تدهور وضعية التعليم داخل المدارس.
وأكد مصدر مسؤول بوزارة التعليم لـ”العرب” أن “المدارس سيُسمح لها باستثناء بعض الطلاب ممن لديهم ظروف اقتصادية صعبة، مثل الأيتام، وتقديم تخفيضات لفئات أخرى، مثل أبناء المعلمين، ومن تتحصل أسرهم على مساعدات من برامج الحماية الاجتماعية، وهناك تكليف حكومي بذلك لعموم المدارس”.
ويقول معارضون إن الحكومة تحاول التخلص من مجانية التعليم بطرق ملتوية، كأن تقرر خصخصة المحاضرات المدرسية، مع أن ذلك يتعارض مع الإستراتيجية التي يسوق لها لإعادة بناء الإنسان وتحسين المستوى التعليمي لأبناء الفئات الأكثر احتياجا.
ويعوّل الكثير من بسطاء مصر على تعليم أبنائهم كمشروع استثماري يفتح أمامهم الطريق للهروب بعيدا عن دوامة الفقر، إذا كان لدى كل أسرة ابن متفوق يستطيع انتشال عائلته من الفقر عندما يصل إلى مكانة علمية أو وظيفة مرموقة.
وتوحي تعليقات البعض على الفضاء الإلكتروني بأن الحكومة تلعب على وتر شغف المصريين بتعليم أولادهم، مهما كانت ظروفهم، لتجني مكاسب، لكنها تقترب من الخط الأحمر عند البسطاء الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه إذا فشل الاستثمار في الأبناء.
وأقر محروس مصطفى، وهو رب أسرة لأربعة أبناء في مدارس حكومية، بأنه لم يعد قادرا على توفير الحد الأدنى من متطلبات تعليم أولاده، وكان يعتمد على مجموعات التقوية المدعومة للهروب من ابتزاز المراكز الخاصة.
وأوضح في حديثه لـ”العرب” أن “الحكومة تنصلت من وعودها بمواجهة الدروس الخصوصية وصارت منافسة لها، فلا يوجد تعليم في المدارس الحكومية والأغلبية تعتمد على الدروس خارج إطار اليوم الدراسي، ولا شيء أصبح مدعوما، وهناك غلاء مستفحل، وقد تصبح هجرة التعليم خيارا للبعض”.
وفي مصر نحو 26 مليون طالب في مرحلة التعليم قبل الجامعي، وتجاهد الحكومة لعودتهم إلى المدارس التي صار بعضها خاويا من التلاميذ، لذلك قررت وزارة التعليم تخصيص 40 في المئة من مجموع الطلاب لأنشطة مرتبطة بالقدوم إلى المدرسة، بتقييم أسبوعي أو سلوك وانضباط.
ويصل عدد المتسربين من التعليم في مصر إلى نحو 150 ألف طفل سنويا، وسط مخاوف من زيادة هذا الرقم أمام استمرار المغالاة في تحديد كلفة التعليم وغياب البدائل أمام الناس، ويكمن الخطر في أن هؤلاء قد يصبحون مسؤولين عن تكوين أسر، بما يورث الأمية وتغييب الوعي، ويجعل بعض خطط التنمية التي تنشدها الحكومة عديمة الجدوى.