الحكومة المصرية تشرك الرأي العام في توصيات الحوار الوطني

القاهرة- عكس التقرير الصادر عن الحكومة المصرية بشأن إجراءات تنفيذ توصيات الجولة الأولى من الحوار الوطني وجود توجه رسمي لمشاركة الرأي العام في ما يتعلق بالالتزام بتحويل مطالب القوى السياسية والمجتمعية إلى واقع، بهدف تعزيز مصداقية الحوار، ودحض اتهامات قوى معارضة بأنه أفرغ من مضمونه.
واستعرض رئيس الحكومة مصطفى مدبولي تقريرا تضمن معدلات التنفيذ في كل ملف وقضية وتوصية طُرحت في جلسات الجولة الأولى من الحوار، وتعهدت الحكومة في بيان صحافي صدر السبت، بتقديم تشريعات لمجلس النواب لاستكمال التوصيات، وستكشف كل شيء أمام الرأي العام بشأن ما تم وسيتم تنفيذه.
وأكد مدبولي وجود اهتمام من الرئيس عبدالفتاح السيسي بالعمل على سرعة ترجمة ما تم التوصل إليه من مخرجات وتوصيات إلى خطط تنفيذية تسهم في تحقيق الهدف المنشود، لافتا إلى أن حرص مؤسسة الرئاسة على المتابعة الدائمة لتنفيذ التوصيات يتسق مع التكامل والتنسيق المستمريْن بين الحكومة ومجلس أمناء الحوار الوطني.
وأرسلت الحكومة إشارات بالشفافية التي ظلت غائبة عن بعض الملفات الفترة الماضية، ودعم مصداقية الحوار الوطني وأنها جادة في التغيير، وخلق حالة من الاهتمام المجتمعي الواسع الذي مازال غائبا عن الحوار، حيث ينصب على النخب فقط، ما عرضه لمشكلات نتيجة لامبالاة شريحة من المواطنين بنتائجه.
وترمي الحكومة من إدراج الرأي العام كشريك في متابعة تنفيذ توصيات الحوار إلى إضفاء مشروعية شعبية على توجهات السلطة بدوائرها المختلفة، للتأكيد على أنها تبحث فعليا عن حلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعازمة على التقارب مع القوى والأحزاب والمواطنين.
وتدرك الحكومة أن الرأي العام لا يهتم كثيرا بإجراءات تستهدف تجميل الصورة، بقدر ما يرغب في إحساسه بوجود توجه حقيقي نحو الخروج من الأزمات الراهنة، والاستجابة لرؤى متخصصين وأصحاب خبرة، دون النظر إلى انتماءاتهم السياسية.
وتضمن التقرير المعلن بشأن توصيات الحوار تنفيذ مخرجات مرتبطة بقوانين الانتخابات، وأخرى تتعلق بالأحوال الشخصية والقطاعات الاقتصادية والصحية والتعليمية والسياحية، وماذا نفذت كل وزارة في المطالب المرفوعة إليها، وطبيعة الإجراءات الإدارية التي اتخذتها، والمقترحات المقدمة للقوانين تمهيدا لرفعها إلى مجلس النواب لمناقشتها وتمريرها.
ولم تتطرق الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة إلى غالبية المقترحات السياسية التي تتمسك بها قوى المعارضة إلا ما يرتبط بتشريعات الانتخابات البرلمانية والمجالس المحلية، فيما غاب عن التقرير ما يخص الحبس الاحتياطي وفتح المناخ العام ورفع سقف الحريات، لأن الجولة الأولى من الحوار غاب عنها الاجماع في تلك القضايا.
وتعتقد دوائر سياسية أن هناك توجها داخل الحكومة برفض الاستجابة لمطالب المعارضة دفعة واحدة لكسب المزيد من الوقت وإتاحة الفرصة أمام الطرفين للتفاوض حول التنازلات والترضيات، باعتبار أن السلطة في موقف قوة بينما تعيش قوى المعارضة حالة من التخبط والانقسام وعدم التوافق على رؤية سياسية واحدة.
وترى أصوات معارضة أن تنفيذ مطالب القوى المدنية ملزم للحكومة إذا أرادت الحفاظ على الحوار ولديها نية للإصلاح السياسي، وما لم تتعاط بجدية مع التوصيات التي تمخضت عنها الجولة الأولى للحوار سوف تتسبب في تشويه صورتها.
وقال إكرام بدرالدين، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن مشاركة الرأي العام في تنفيذ تعهدات الحكومة يستهدف التأكيد على أن لديها إرادة سياسية للاستماع إلى المقترحات الجادة، وما يتم تسويقه عنها بأنها تستمع فقط إلى صوتها ليس حقيقيا، بدليل استجابتها لمخرجات طرحها خبراء ومتخصصون في مجالات مختلفة.
وأوضح بدرالدين في تصريح لـ”العرب” أن مشكلة بعض المختلفين مع الحكومة استسهال التشكيك في نواياها والتمسك بمطالب محددة وعاجلة بلا نظر لمعيار الوقت والحسابات السياسية والتحديات التي تواجه الدولة، والكثير من هذه المطالب بحاجة للمزيد من الحكمة عند مناقشتها بما يكرس الأمن والاستقرار ولا يخدم خصوم السلطة.
ويشير مراقبون إلى شبهة تعنت من جانب المعارضة لإحراج الحكومة بشأن حتمية اتخاذ إجراءات فورية تجاه ملفات الحبس الاحتياطي وقضايا النشر والحريات والإفراج عن كل سجناء الرأي، في حين يرى آخرون أن هذه القضايا بحاجة لغطاء تشريعي يتواءم مع الدستور، والجولة الثانية من الحوار ستناقش هذه الملفات.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن الإجراءات التي أعلنتها الحكومة بشأن تفعيل مخرجات الجولة الأولى من الحوار تستهدف الشارع في المقام الأول، بما يخدم رؤية النظام من استكمال الحوار ودعم مصداقيته أمام شكوك بأن السلطة استثمرت الجلسات الحوارية لتهدئة الرأي العام من دون إرادة سياسية للتنفيذ.
ويسعى الرئيس السيسي للحفاظ على أجواء الحوار لأطول فترة وإزالة العراقيل من أمامه وعدم التنصل من تعهداته بالانفتاح على القوى المختلفة والاستجابة لتوصياتها المتفق عليها، ما يقطع الطريق على قوى المعارضة تريد إقناع الشارع بأن هواجسها وتخوفاتها منها كانت حقيقية، والحوار مجرد ديكور سياسي.
وتؤمن دوائر رسمية بأن جذب اهتمام المواطنين ومشاركتهم في تنفيذ مخرجات الحوار مع تخفيف قلق المعارضة من الاستجابة للتوصيات السياسية، يسهل على الحكومة مواجهة التحديات التي تحاصرها وتحتاج إلى توحد القوى الوطنية خلف النظام المصري، بما يخلق بيئة داعمة له في الحفاظ على الأمن القومي للبلاد.
وثمة مخاوف من أن يكون هناك توجه للإبقاء على حكومة مصطفى مدبولي بمنحها مشروعية سياسية عبر تنفيذ مخرجات الحوار، على الرغم من عثراتها الاقتصادية والاجتماعية وتذبذب رؤيتها في الخروج بالبلاد من أزماتها.
ويوجد اقتناع مجتمعي في مصر بأن الحكومة الحالية فقدت الكثير من مؤهلات الصلاحية السياسية التي تمكنها من الاستمرار، ومهما فعلت لن تستطيع كسب ثقة الرأي العام حتى لو قامت بمراجعة تصوراتها الاقتصادية المختلف حولها، بالتالي فالإبقاء عليها فترة طويلة قد يؤثر سلبا على بعض المكتسبات التي تحققت مؤخرا على الصعيد الاقتصادي، وعلى مستوى هدف تعزيز مصداقية الحوار الوطني.