الحكومة المصرية تسد ثغرات سياسية بتوفير السلع وتأجيل الدعم النقدي

تشعر الحكومة المصرية بأن المضي قدما في تنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي مغامرة وأن عليها الحذر والتمهل لقيس رد فعل الشارع، وزادت هذه المحاذير بعد التطورات الإقليمية والرسائل التي حملتها لبعض دول المنطقة ومنها مصر.
القاهرة - تتجه الحكومة المصرية نحو اتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية التي تضمن عدم إثارة المواطنين ضدها من بوابة الأوضاع المعيشية الصعبة التي قد تؤثر على فئة من المصريين، مع توقع حدوث ارتدادات سلبية لما جرى في سوريا، ولذلك استعدت لتأمين وجود السلع والمنتجات قبل شهر رمضان، وإرجاء قرارات اقتصادية، في مقدمتها التحول إلى الدعم النقدي الذي قوبل باعتراضات شعبية.
وعقد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي اجتماعا للاطمئنان على توافر احتياطيات كافية من السلع والمنتجات المختلفة، والدولار اللازم لاستيراد بعض السلع، في حضور محافظ البنك المركزي حسن عبدالله، ووزير المالية أحمد كجوك.
ونقل المتحدث باسم الحكومة محمد الحمصاني عن محافظ البنك المركزي تأكيده “استمرار التنسيق بين السياستين المالية والنقدية بما يُسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي، واحتواء الضغوط التضخمية وتوجيه المزيد من التمويل إلى القطاع الخاص لدفع النمو الاقتصادي، وتوفير النقد الأجنبي المطلوب لتوفير السلع المختلفة.”
وتزامن الاجتماع مع حث مجلس أمناء الحوار الوطني الحكومةَ على التمهل في اتخاذ إجراءات بشأن التحول من الدعم العيني إلى النقدي، حتى ينتهي الحوار من مناقشة الفكرة وصياغة التوصيات النهائية.
◙ مجلس أمناء الحوار الوطني يحث الحكومة على التمهل في اتخاذ إجراءات التحول من الدعم العيني إلى النقدي، حتى ينتهي الحوار
وكان من المقرر أن يعقد الحوار الوطني جلساته في ديسمبر بعد استكمال تلقي مقترحات القوى السياسية والأهلية والمواطنين لآليات التحول نحو الدعم النقدي، غير أن جلسته الأخيرة ركزت على ما تشهده الساحة الخارجية من تطورات. ويشير ذلك إلى أن قضية الدعم النقدي ستوضع على الرف إلى حين استقرار الأوضاع، بما لا يوجد فرصة لتوظيف النقاش حولها في تأليب مواطنين على الحكومة.
ولم يعتمد صندوق النقد الدولي بعدُ المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه مصر، والتي سيتمخض عنها منحها شريحة مالية جديدة، وكان من المقرر لها في أكتوبر الماضي، وبعد نحو أسبوعين من المفاوضات بين القاهرة وبعثة الصندوق في نوفمبر الماضي لم يتوصلا إلى اتفاق نهائي حتى الآن.
ويؤشر التأخير على أن هناك مخاوف حكومية من نتائج التمادي في خفض دعم الوقود والكهرباء والمياه، أو تطبيق سعر مرن كبير للجنيه مقابل الدولار، وغير ذلك من القرارات التي يتضمنها برنامج الإصلاح، ما يبرهن على أن التعامل مع الغضب المكتوم جماهيريا اتخذ طابعا أكثر حذرا من جانب الحكومة، التي تخشى توظيف جماعة الإخوان له، مع استمرار تحريضها من الخارج.
وقال رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي (معارض) زهدي الشامي إن منافذ توجيه الانتقادات للحكومة عديدة، وهي بحاجة إلى إدخال تعديلات على سياساتها، والتوقف عن تقديم تشريعات لا علاقة لها بالواقع المصري، وأن تكون أكثر حرصا على عدم تعريض البلاد لأزمات قد تضر بالأمن القومي.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة تواجه أزمات الوقوع في أخطاء إدارية متكررة، ويعبر إصرارها على الاستمرار في نفس التوجهات الاقتصادية عن شيء غير مفهوم، ومن الطبيعي أن تراجع موقفها من إلغاء الدعم العيني في ظل الرفض الواسع له، لأن القرار يستهدف الخبز المدعم الذي يعد الملاذ الأخير للفقراء، وهناك سبل عديدة لمعالجة تشوهات الموازنة العامة بعيدا عن الأموال الموجهة إلى دعم الفقراء.
وأشار إلى أن التعويل ينصب على تدخل العقلاء لإبطاء تصورات الحكومة، وإذا كانت جادة بالفعل في التراجع، فالمعارضة سترحب بذلك مع ضرورة أن تستشعر الخطر الجسيم الذي تسببه سياساتها، ولا أحد في مصر يسعى لخلق سيناريو سوريا، وثمة شعور بالخوف من إمكانية أن يجد الناس أنفسهم أمام خيار الجوع أو الفوضى، وهو مسألة بحاجة إلى تعامل حكيم من الحكومة بما يؤكد أنها عازمة على مراجعة بعض سياساتها.
ودلّ التدخل السريع والحاسم من جانب السلطة للتعامل مع الانتقادات التي وجهت إلى مباني العاصمة الإدارية الجديدة ومنشآتها، وكشفه العديد من الحقائق، على أن هناك استنفارا للتعامل مع الثغرات التي قد تنفذ منها سهام الانتقادات للحكومة، مع عزف القنوات التابعة لتنظيم الإخوان على وتر الاستثمار في الأزمات الداخلية.
كما أن الحكومة تجد نفسها في وضع حرج، لأن العودة من منتصف طريق الإصلاح الذي سارت فيه من خلال البرنامج الذي وضعه صندوق النقد سوف تعرضها لهزات اقتصادية عنيفة، وبذلك تُعيد تكرار ما حدث قبل عامين حينما رفضت استكمال مطالب الصندوق قبل التوقيع على اتفاق جديد في مارس الماضي، ويضعها الاستمرار في مطبات صعبة وعليها تحمل تبعاتها السلبية.
◙ مخاوف حكومية من التمادي في خفض دعم الوقود والكهرباء والمياه، وغير ذلك من قرارات برنامج الإصلاح الاقتصادي
وذكرت المحللة السياسية أمينة النقاش أن مشكلة الحكومة تكمن في تقديم حلول جزئية لمشاكل كبرى، وهو ما عبرت عنه قراراتها الأخيرة، إذ أن مطالب العدالة الاجتماعية التي نص عليها الدستور لا تتمثل في مبادرة تكافل وكرامة فقط، والتي تمنح دعما نقديا للفقراء، لكن الحكومة قصرتها على ذلك، وبعض الحلول التي قدمتها الأحزاب لمعالجة الأزمة لم تأخذ بها الحكومة.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الحفاظ على الأوطان ليس بالشعارات، ومحاولات حماية الجبهة الداخلية بعد الفاجعة السورية تتطلب اتخاذ قرارات وإجراءات أكثر فاعلية يشعر بها المواطنون، وخطابها السياسي قبل الأحداث الأخيرة في دمشق من المهم أن يكون مغايرا لما بعدها، وتلبية احتياجات الناس يجب أن تبقى لها أولوية لدى الحكومة لتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة.
ولفتت أمينة النقاش، وهي قيادية بحزب التجمع اليساري، إلى أن الشعور بخطورة الموقف يختلف عن خطط المواجهة وأن الحكومة تشعر بالخطر مثل المواطنين، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما هي السياسات التي تتبعها لمواجهة الأخطار، بعد أن ثبت أن تصوراتها ربما تقود إلى خطر يهدد الأمن والاستقرار المجتمعي؟
وشددت في حديثها لـ”العرب” على أن سياسات الحكومة يجب أن تتجاوز التركيز على البعد الاقتصادي فقط، لأن انتخابات البرلمان المقررة في منتصف العام المقبل بحاجة إلى توجهات سياسية مغايرة، بعيدا عن الاعتماد على صناعة أحزاب تلعب دور الأغلبية، فالتجربة أثبتت فشلها في الانتخابات البرلمانية السابقة.