الحكومة المصرية تستفز المواطنين بخصخصة الصيدليات العامة

المقترح أثار جدلا واسعا في الأوساط الطبية والحقوقية المعنية بالملف الطبي، ودفع أعضاء في مجلس النواب إلى تقديم طلبات ضد الحكومة والإعلان عن رفضهم له.
الخميس 2025/03/06
تنصل من المسؤولية

القاهرة – أثار توجه وزارة الصحة المصرية نحو خصخصة صيدليات المستشفيات الحكومية العامة ردود فعل غاضبة ضد الحكومة من برلمانيين وحقوقيين وصيادلة، لأن الخطوة تمهد لتنصل الحكومة من مسؤولية توفير الأدوية بأسعار تتناسب مع الظروف المعيشية الصعبة لشريحة كبيرة من المواطنين.

وتعرضت الحكومة لانتقادات، وقد بدت تتعمد استفزاز الرأي العام في توقيت سياسي حرج مرتبط بتصاعد التحديات الإقليمية، ومحاولة تجييش الشارع خلف السلطة لمواجهة مخطط توطين سكان قطاع غزة في مصر، ما يستدعي تجميد أي قرار استفزازي له علاقة بقطاعات خدمية مهمة، مثل الصحة.

وأعلنت نقابة الصيادلة رفضها تأجير صيدليات المستشفيات الحكومية للشركات الخاصة لأنها تؤثر على مستوى الخدمة المقدمة للمرضى، وقد يتحول سوق الدواء إلى منافسة على حساب المنظومة الصحية والخدمات الطبية ومصلحة المريض.

الحكومة تتنصل من مسؤولية توفير الأدوية بأسعار تتناسب مع الظروف المعيشية لشريحة كبيرة من المواطنين

وأعلنت وزارة الصحة عن الانتهاء من إعداد الشروط المقرر طرحها أمام القطاع الخاص لإنشاء عدد من الصيدليات داخل المستشفيات العامة، ومنحها حق الامتياز التجاري، ما يعني التمهيد لخصخصة الصيدليات العمومية.

ويتحصل المرضى على الأدوية من مستشفيات الحكومة بأسعار مدعمة، ولا تزال تلك الصيدليات تمثّل للملايين من البسطاء الملاذ الأخير للعلاج بكلفة في المتناول أمام الارتفاعات القياسية في أسعار الأدوية، ما يتناقض مع القدرة الشرائية للشريحة الفقيرة التي تضطر إلى الكشف والعلاج داخل مؤسسات طبية مملوكة للدولة.

وأثار المقترح جدلا واسعا في الأوساط الطبية والحقوقية المعنية بالملف الطبي، ودفع أعضاء في مجلس النواب إلى تقديم طلبات ضد الحكومة والإعلان عن رفضهم لمقترح يمثل خروجا عن الدور الأساسي للدولة في تقديم الرعاية الصحية للمرضى المحتاجين، ويشكل تهديدا مباشرا لسوق الدواء والكيانات الصيدلية الصغيرة.

وأكد أمين سر لجنة الصحة بمجلس النواب كريم حلمي أن توجه الحكومة نحو تأجير صيدليات المستشفيات مخالفة قانونية ستفتح الباب على مصراعيه أمام خصخصة خدمة تقديم الدواء، وهو أمر ينذر بعواقب وخيمة، لأن وزارة الصحة ستتحول تدريجيا إلى كيان يدير أعمال القطاع الخاص بدلا من أن تظل الجهة المعنية بتنظيم المنظومة الصحية ومراقبتها.

وذهب نواب آخرون في الطلبات المقدمة ضد الحكومة إلى أن رؤية وزارة الصحة سوف تقود إلى اختلال توازن سوق الدواء بمصر، وستجد الصيدليات الصغيرة نفسها في منافسة غير عادلة مع صيدليات القطاع الخاص داخل المستشفيات الحكومية، التي تتمتع بامتيازات لا تتوفر لغيرها، ما يترتب عليه احتكار خطير في ملف خدمي.

حح

ورأى حقوقيون أن السياسة الصحية التي تحاول الحكومة تكريسها تتضمن مخالفة لنصوص الدستور، الذي كفل لكل مواطن الحق في الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية التي تقدم خدماتها للشعب، ويُجرّم الامتناع عن تقديم العلاج لكل إنسان فى حالات الخطر على الحياة.

وعزز المقترح الحكومي فكرة وجود نوايا للانسحاب بشكل كامل من إدارة المستشفيات التي يفترض أنها ملكية عامة، مقابل منحها للقطاع الخاص للإدارة والتشغيل، وهي النوايا التي بدأت الحكومة تفعيل إجراءاتها مع شهر يونيو من العام الماضي عندما عرضت قانونا يسمح بتأجير المستشفيات لمستثمرين وصادق عليه البرلمان، على الرغم من الرفض الحقوقي والشعبي الواسع.

ويبرر معارضون موقفهم الرافض لتسليم المستشفيات الحكومية إلى القطاع الخاص بأن ذلك مقدمة لمضاعفة الأعباء على المواطنين في قطاع يمس صميم حياتهم، لأن المستثمر لن يخوض تجربة الاستحواذ على مؤسسة علاجية إلا وهو يسعى لجني مكاسب، وسيكون ذلك من جيوب البسطاء ومتوسطي الدخل.

وأكد مدير المركز المصري لحماية الحق في الدواء محمود فؤاد أن المشروع المقترح عبارة عن صراع تجاري بين الحكومة والصيادلة، وهذا خطأ لأنه قد يحول بعض الأدوية إلى سلعة غير مناسبة للبعض، ومخاوف الصيادلة مرتبطة بوجود شبهات احتكار للأدوية من جانب الصيدليات الخاصة في المستشفيات الحكومية، ما يؤثر على سوق الدواء بالبلاد.

وأضاف لـ”العرب” أن الظرفين السياسي والاقتصادي يستدعيان تأجيل أو تجميد أي خطة مثيرة للشكوك، إلى حين مناقشتها مع كل الأطراف والوصول إلى رؤية منطقية ومقبولة وتتوافق مع رؤى الجميع، ثم إن هناك خاسرين في مسألة تأجير الصيدليات، من بينهم خريجو كليات الصيدلة وأصحاب الصيدليات الصغيرة وبعض المرضى، فلماذا تُمرر رؤية لا تطمئن هؤلاء على أنفسهم؟

ودافع مسؤولون في القطاع الصحي عن موقفهم بحجة أن المقترح الحكومي لن يؤثر على حقوق المرضى بقدر ما يستهدف مشاركة كيانات اقتصادية علاجية كبرى في تحسين العلاج بمستشفيات عمومية، وهي حجة تتناقض مع ما سبق أن أعلنته الحكومة من أن هناك توجها لزيادة موازنة الإنفاق على القطاع الصحي كجزء من مضاعفة مظلة الحماية الاجتماعية للبسطاء.

حح

وثمة فريق يؤيد الحكومة في هذا التوجه من منطلق أن دخول المستثمرين المخضرمين في قطاع خدمي حيوي أمر ضروري، لأن القطاع الخاص يمتلك إدارة رشيدة قادرة على تلافي نقص الأدوية الحرجة وبيعها لجمهور غير مرتادي المستشفيات، وتكون هناك حوكمة في عمليات البيع والشراء بما يكبح الفساد المالي والإداري.

وأصبحت أغلبية المصريين تشعر بأن الحكومة تتعامل مع المستشفيات كما لو كانت عبئا اقتصاديا واجتماعيا وجب التخلّص منه، لكن تظل مشكلتها في إدارة مثل هذا الملف الحيوي أنها تتحرك دون حكمة أو عقلانية، ولا تفصح عن التفاصيل الخاصة بالخطط المستهدفة لتشرح الأسباب والدوافع والمزايا التي ستعود على المواطنين بالنفع.

وقاد الغموض في ملفات خدمية مصيرية إلى القول إن الحكومة تفتح بنفسها الباب على مصراعيه أمام تيارات مناهضة اعتادت توظيف غياب الحنكة السياسية في تأليب الرأي العام عليها، لأن قطاعين حيويين مثل الصحة والدواء من الخطوط الحمراء عند المصريين ولا يجوز الاقتراب منهما برؤية تزيد الأعباء في ظرف سياسي حرج.

1