الحكومة المصرية تستعد لطرح عدد من شركات الجيش للبيع بعد ممانعات

تعتزم الحكومة المصرية طرح عدد من الشركات التابعة للجيش للبيع، بعد تخطي تعقيدات بدت متعمدة، وتعكس الخطوة إدراك المؤسسة العسكرية بأهمية تخفيف قبضتها على الاقتصاد المصري بما يشجع القطاع الخاص على الاستثمار.
القاهرة- نجحت الحكومة المصرية في تفكيك بعض التعقيدات التي أخرت طرح عدد من شركات الجيش للبيع، ويبدو أنها تفاهمت مع المؤسسة العسكرية في هذا الأمر أخيرا، بعد فترة من الممانعات والبيروقراطية المفرطة، والتي خلقت انطباعات بأن الجيش لا يريد تقليص دوره في الاقتصاد المصري، ولن يتنازل عما يحصل عليه من مزايا، مقارنة بشركات قطاع خاص اعترضت على التوسع في هذه الخصوصية.
وأعلنت الحكومة، الأربعاء، عن طرح حصص في مجموعة من الشركات التابعة للقوات المسلحة المصرية، وهي خطوة تنسجم مع مطالب وضعها صندوق النقد الدولي منذ فترة على طاولة الحكومة لاستمرار تفاهماته الاقتصادية معها وتطبيق إصلاحاته، لكنها واجهت عراقيل من قبل الجيش، بسبب الحرص على عدم التفريط في شركات تابعة له، ووجود خلافات إدارية مع بعض المستثمرين الذين اعتزموا شراء حصص فيها، وتراجعوا أو تحفظوا بعد أن لمسوا تعقيدات في بعض الإجراءات.
يقول مراقبون إن إعادة الحديث عن طرح بعض شركات الجيش في هذا التوقيت له علاقة بما جرى من مفاوضات مؤخرا بين القاهرة وصندوق النقد، بدا فيها الأخير مصمما على خطوة خروج الجيش من الاقتصاد، أو على الأقل اتخاذ خطوات تدريجية تؤكد حسن النية في هذا المجال، حيث تقلل هيمنته على بعض مفاصل الاقتصاد المصري من أهمية الإصلاحات التي تتبناها الدولة، وتوفر فرصة للتشكيك في جدواها، وتخلق حالة من اللاتوزان في المنافسة بين شركات الجيش والقطاع الخاص.

مجدي شرارة: على الحكومة أن تجذب تدفقات نقدية واستثمارات جديدة
ويضيف المراقبون أن إعلان الحكومة عن طرح عدد من الشركات يختلف هذه المرة عن إعلانات سابقة في هذا السياق ثم تعطلت أو تم تعطيلها عمدا، حيث جرى الحديث أكثر من مرة عن ذلك ولم يتم التنفيذ في حينه.
ووفرت تبعية شركات كثيرة للجيش انطباعات سلبية لا تتوافق مع دور المؤسسة العسكرية في الحفاظ على الأمن القومي وثقة المواطنين في قيامها بنجاح بهذا الدور، ويعزز التراجع خطوة للوراء بشأن البيع من ثقة رجال أعمال في الحكومة المصرية بعد أن عبروا عن انزعاجهم واستيائهم من هيمنة شركات الجيش، وتهميش دورهم، وقد تفتح الخطوة آفاقا لضخ استثمارات في اقتصاد مصر الذي يواجه تحديات كبيرة.
وشهد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، الأربعاء، مراسم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون بين كل من صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة ومجموعة من المكاتب الاستشارية المتخصصة بشأن إعادة هيكلة وإدارة طرح مجموعة من الشركات التابعة للجهاز.
وتأسس صندوق مصر السيادي عام 2018 بهدف تعزيز شراكات القطاع الخاص والمساعدة في تدفق الاستثمار الأجنبي للشركات المملوكة للدولة المصرية، حيث كانت الحكومة والجيش مترددين في التخلي عن السيطرة على بعض الأصول.
وقال خبير الاستثمار المصري مجدي شرارة إن العوامل التي تساهم في نجاح هذه الخطوة حاليا تكمن في الضغوط الاقتصادية التي تخشى مصر أن تقع عليها الفترة المقبلة، وعلى الحكومة أن تجذب تدفقات نقدية واستثمارات جديدة ووفيرة، ما يجعل بيع حصص في شركات الجيش خطوة ضرورية لتوفير الموارد المالية اللازمة.
وأكد شرارة في تصريحات لـ”العرب” أن هذا الاتجاه سوف يخفف من مطالبات المؤسسات الدولية حول تحجيم تدخل الجيش في الاقتصاد، وهو ما شدد عليه صندوق النقد أكثر من مرة، إذ حث على تقليص دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد، ما دفع الحكومة للاستجابة.

سيد عويضي: القاهرة تسعى من خلال الخطوة لتحقيق الشفافية ودعم الثقة
وبدأت مصر التخارج من أصول مملوكة للدولة في إطار برنامج لتعزيز دور القطاع الخاص اشترطه صندوق النقد لمنح مصر قرضا موسعا بقيمة 8 مليار دولار.
وذكر بيان لمجلس الوزراء المصري أن صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية، الذي تبلغ قيمة أصوله 12 مليار دولار سيتولى إعادة هيكلة وإدارة طرح الشركات.
وأوضح المحلل الاقتصادي المصري سيد عويضي أن القاهرة تسعى من خلال تفعيل الخطوة لتحقيق الشفافية ودعم الثقة عبر طرح شركات تابعة للجيش في البورصة وزيادة مشاركة القطاع الخاص ما يضاعف المصداقية في سياسات الحكومة ويوسع من قواعد ثقة المستثمرين في السوق المصرية.
ولفت عويضي في تصريح لـ”العرب” إلى أن تولي صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية مهمة إعادة هيكلة وإدارة طرح الشركات، سوف يسهم في تحسين أداء هذه الشركات وزيادة جاذبيتها والثقة في جدواها، ما يتماشى مع التزامات مصر في إطار برنامج التطوير، ويقلل من الضغوط الخارجية، ويؤيد استعداد الحكومة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة بجدية كبيرة.
وشهدت العشرات من الشركات المملوكة للجيش حالة من الازدهار منذ أن تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة عام 2014، حيث يولي ثقة كبيرة في المؤسسة العسكرية التي جاء منها إلى رئاسة الدولة، ويراها جديرة بأن يتم توسيع دورها في كثير من المجالات المدنية، بجانب مهامها الرئيسية المتعلقة بالدفاع عن أمن البلاد، ويجد في رجالات الجيش والشرطة نموذجا للانضباط والحسم والصرامة وسرعة الإنجاز.
وأوضح بيان مجلس الوزراء أن الخطوة تأتي في إطار ما تتخذه الدولة من إجراءات لتنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، من خلال طرح العديد من الشركات المملوكة للدولة لمؤسسات القطاع الخاص، لإدارتها وتشغيلها، تنفيذا لوثيقة سياسة ملكية الدولة.
ومن أبرز الشركات التابعة للجيش والمطروحة للبيع: الوطنية للبترول، وشل أوت، وسايلو فودز للصناعات الغذائية، وصافي، والشركة الوطنية للطرق، وسيتم الانتهاء من طرح بعض هذه الشركات خلال العام الجاري على أن يتم استكمالها العام المقبل، وإذا مضت هذه الخطوة بسلاسة وحققت أغراضها لدى الحكومة يمكن أن يتم توسيع دوائر الطرح لتشمل شركات كبيرة تعمل في مجالات أكثر أهمية.