الحكومة المصرية تستثمر سياسيا في حجب جزء من المعونة الأميركية

جهات قريبة من الحكومة تتعامل مع القرار الأميركي وكأنه "مؤامرة" من قبل أعضاء بالكونغرس للنيل من القاهرة التي لم تعد تستجيب لضغوط واشنطن.
الخميس 2023/10/05
تجاذبات لا تؤثر على طبيعة العلاقات

القاهرة- حاولت جهات قريبة من الحكومة المصرية استثمار قرار رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بن كاردين تعطيل مساعدات عسكرية بقيمة 235 مليون دولار، والإيحاء بأن الغرض من الخطوة هو إحراج النظام المصري وهو على مشارف انتخابات رئاسية على أمل تقليص تداعيات التعطيل سياسيا.

ولم تصدر عن القاهرة أي تصريحات رسمية للتعليق على قرار التعطيل، وتركت الباب لإعلاميين محسوبين عليها قللوا من أهمية المساعدات الأميركية، وأكدوا عدم رضوخ مصر لأي ضغوط خارجية، واعتبروا أن توقيتها له علاقة بتقديرات داخلية عقب اتهام رئيس لجنة الشؤون الخارجية السابق بوب مينينديز بتلقي “رشاوى” من القاهرة مؤخرا.

واستند قرار التعطيل الذي تبناه كاردين إلى سجل الحكومة المصرية القاتم في مجال حقوق الإنسان، وضرورة محاسبتها وكل الحكومات على انتهاكاتها.

وحاولت الجهات القريبة من الحكومة المصرية التعامل مع الأمر وكأنه “مؤامرة” أو “تصفية حسابات” من قبل بعض أعضاء الكونغرس للنيل من القاهرة التي لم تعد تستجيب للضغوط الأميركية، ولذلك تتم معاقبتها من خلال الحلقات الضعيفة في منظومة حقوق الإنسان التي تدور حولها علامات استفهام كبيرة.

سعيد صادق: استخدام ورقة المساعدات يتكرر ولم يعد له نفس الزخم
سعيد صادق: استخدام ورقة المساعدات يتكرر ولم يعد له نفس الزخم

وأكد السيناتور عن الحزب الديمقراطي، الثلاثاء، أنّه أبلغ وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأنّه لن يُفرج عن هذه الأموال ما لم تحرز مصر تقدّماً ملموساً في هذا المجال، وتُصدر حكومتها عفواً عن عدد أكبر من السجناء السياسيين، وتوفر مساحة أكبر للمعارضة السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة.

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن الكثير من المسؤولين في الولايات المتحدة تجنبوا التردد على السفارة المصرية في واشنطن بعد فضيحة مينينديز، وابتعدوا عن عقد لقاءات مع أي مسؤولين مصريين خارجها منعا لأي شبهات يمكن أن تطالهم بعد تسليط الضوء الإعلامي والسياسي في الولايات المتحدة على فضيحة رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ السابق وتردد اسم القاهرة على نطاق واسع لرشوته.

وأضافت المصادر أن هذه الأزمة (الفضيحة) من الطبيعي أن ترخي بظلالها على الحكومة المصرية في ملف المساعدات، حيث يريد السيناتور كاردين الذي حل محل مينينديز تأكيد نزاهته المادية والسياسية، وتثبيت التهم الموجهة إلى سلفه.

ووقف السيناتور الأميركي مينينديز أمام المحكمة للرد على اتهامات بأنه استغل منصبه لصالح مصر وتقديم خدمات لرجال أعمال مقابل رشاوى نقدية وسبائك ذهب.

وكشفت السلطات الأميركية أنها عثرت على نحو 500 ألف دولار نقدا وما يزيد عن 100 ألف دولار من السبائك الذهبية أثناء تفتيش منزل آل مينينديز في نيوجيرسي.

◙ القاهرة وصلت مع واشنطن إلى صيغة تفصل العلاقات العسكرية عن السياسية لكي لا تتأثر الأولى بأي رياح عاصفة في الداخل الأميركي وتوازناته

وأجبر مينينديز على التنحي عن منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بعد اتهامه مؤخرا بإساءته استخدام سلطته، والذي قال بأنه “لا أساس له من الصحة”، وهو واثق من أنه ستتم تبرئته.

وشملت لائحة الاتهام الموجهة إلى مينينديز وزوجته نادين تقديم معلومات حساسة للحكومة المصرية، والمساعدة سرا في توجيه المساعدات العسكرية لمصر.

وعلقت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في افتتاحيتها على قرار كاردين بمنع تحويل مبلغ 235 مليون دولار لمصر، وقالت إنها رسالة مهمة للقاهرة، لأنه سوف يسعى إلى حظر المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة المستقبلية، وسلطت الضوء على ما يتردد حول التردي الحاصل في مجال حقوق الإنسان في مصر.

واعتبرت الصحيفة أن إعلان كاردين والبيان الموازي الذي أدلى به العضو الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب غريغوري ميكس يمنعان فعليًا مبلغ 320 مليون دولار عن مصر.

ودرجت الإدارات الأميركية وأعضاء الكونغرس على توظيف المساعدات العسكرية المستمرة منذ عقود لإجبار القاهرة على الاستجابة لمطالب سياسية وأمنية معينة، وإثارة ملف حقوق الإنسان من حين إلى آخر، وهو ما لم تعبأ به الحكومة المصرية كثيرا عقب نجاحها في تنويع علاقاتها الخارجية، وتأزمها من توظيفه في أوقات حساسة.

وقال أستاذ علم الاجتماعي السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة سعيد صادق إن استخدام ورقة المساعدات يتكرر ولم يعد له نفس الزخم، وإن واشنطن تمنح الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية، وهناك قناعة بالأهمية الإستراتيجية للعلاقات مع مصر.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن جماعات الضغط في الكونغرس تمارس نشاطها السياسي، وأن قرار التعطيل إشارة رمزية من الولايات المتحدة إلى عدم توافقها بشكل كامل مع السياسات المصرية، وهو أقصى ما يمكن أن تفعله لإدراكها أن البديل هو المزيد من التقارب بين مصر وكل من روسيا والصين.

◙ بن كاردين قرر تعطيل مساعدات عسكرية بقيمة 235 مليون دولار
بن كاردين قرر تعطيل مساعدات عسكرية بقيمة 235 مليون دولار

وشدد على أن العلاقات المصرية – الأميركية أكبر من أن يؤثر فيها حجب أو تعطيل جزء من المساعدات أو إقدام القاهرة على إلقاء القبض على ناشط أو عدم الإفراج عن آخرين، وتبقى القاعدة الرئيسية مدى التعاون بين وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ونظيرتها المصرية، وهي تحظى الآن بقدر كبير من الاستقرار.

ووصلت القاهرة مع واشنطن إلى صيغة تفصل العلاقات العسكرية عن السياسية لكي لا تتأثر الأولى بأي رياح عاصفة في الداخل الأميركي وتوازناته وتراشقاته بين الحزبين الكبيرين، الديمقراطي والجمهوري، ونسجت المؤسسة العسكرية في مصر علاقات وطيدة مع البنتاغون جعلت كليهما لا يتأثران بأي هزات داخل الكونغرس.

ووافقت وزارة الخارجية الأميركية في سبتمبر الماضي على تقديم مساعدات عسكرية لمصر للعام المقبل بقيمة 1.215 مليار دولار، وهذا ثالث عام على التوالي تتنازل فيه إدارة الرئيس جو بايدن عن بعض القيود التي فرضها الكونغرس على المساعدة العسكرية السنوية المخصّصة للقاهرة.

وتتألّف حزمة المساعدات العسكرية من شقّ لا تسري عليه أيّ قيود قيمته 980 مليون دولار، أما الشقّ الآخر وقيمته 235 مليون دولار فمرهون بإحراز مصر تقدّماً في مجال حقوق الإنسان، وهذا هو الشقّ الذي عطّله السيناتور كاردين.

ولم يقرّ بلينكن بأن مصر استوفت الشروط كي تستفيد من هذا المبلغ، لكنّه مع رفض حرمانها من هذه الأموال بداعي حماية مصالح الأمن القومي الأميركي، وتم حجب 85 مليون دولار وربط الإفراج عنها بإفراج القاهرة عن سجناء سياسيين.

2