الحكومة المصرية تروّج للانفتاح السياسي من بوابة تنسيقية الأحزاب

الهدف هو أن تلعب التنسيقية دور المعارضة السياسية المنضبطة.
الأحد 2023/12/31
انفتاح في حدود ما بعد الانتخابات

القاهرة - تزايد حضور تنسيقية شباب الأحزاب في المشهد السياسي بمصر الأيام الماضية، وتحديدا عقب فوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بولاية رئاسية ثالثة، وأضحت تمارس دورا متصاعدا في تطبيق سياسة قائمة على مناكفة الحكومة بشكل مغاير للطريقة النمطية التي اعتادت عليها في الترويج لإنجازاتها.

وتركز وسائل إعلام قريبة من الحكومة بشكل واضح على الدور المعارض الذي يقوم به نواب تنسيقية شباب الأحزاب داخل مجلسي النواب والشيوخ، في محاولة لتقديمهم إلى الشارع كجهة تتخذ موقفا مناوئا من بعض المؤسسات الرسمية، وتتناغم مع التذمر الظاهر بين المواطنين ضد بعض سياسات الحكومة.

ولم يعهد على نواب التنسيقية اتخاذ مواقف حادة من الحكومة منذ ظهورهم على الساحة السياسية بعد ولاية السيسي الأولى، في رفض تشريعات تقدم بها مجلس الوزراء إلى البرلمان، أو الاعتراض على تصورات حكومية مثل فرض ضرائب على البورصة أو اتهام مسؤولين بالفشل أو تبني وجهات نظر الشارع حيال ما يتردد حول إخفاق الحكومة اقتصاديا.

وبدا أن هناك توجها داخل النظام المصري لتقوم تنسيقية الأحزاب بدور القوة السياسية المعارضة، على أمل أن تنجح في إقناع المواطنين والمراقبين بفكرة وجود حالة من الانفتاح في الأجواء العامة بمصر، طالما أن الأحزاب القريبة من السلطة لا تستطيع فعل ذلك، ولا قوى المعارضة لديها رؤية للقيام بدور متوازن في هذا الملف.

وتعتقد دوائر سياسية أن الظهور اللافت للتنسيقية في معارضتها للحكومة هو صيغة مقبولة للنظام والرئيس السيسي شخصيا، لأن السلطة أصبحت مقتنعة بأن استمرار الكيانات القريبة منها في ممارسة دور الاصطفاف خلفها على طول الخط سيجلب لها خسائر، ولا بد من وجود كيان معارض شكليا.

مدحت الزاهد: المعارضة الحقيقية موجودة في مصر، والجادة منها صنيعة شعبية بامتياز
مدحت الزاهد: المعارضة الحقيقية موجودة في مصر، والجادة منها صنيعة شعبية بامتياز

ومعروف أن تنسيقية شباب الأحزاب أشرفت عليها جهات حكومية وظهرت على الساحة وهي تتبنى مشروعا داعما للسيسي، ما يجعلها في نظر القوى المعارضة قوة تابعة للسلطة تعارض وتؤيد وتتحرك وتصعد وتهبط وفق خطة الجهة التي شاركت في تكوينها، ومهما خالفت الحكومة فهي تقف إلى جانبها في النهاية.

ويرى معارضون أن الجرأة الظاهرة على توجهات نواب التنسيقية في مواجهة سقطات الحكومة لا تعبر عن انفتاح سياسي عميق في مصر، لأن كل ما يجري على الساحة يمكن اعتباره معارضة موجهة، ويفترض لإثبات حسن نوايا السلطة أن تتاح حرية الحركة للأحزاب المعارضة كي تمارس دورها بما يتفق مع قناعاتها.

وتشير معارضة بعض نواب التنسيقية داخل البرلمان لتشريعات وأطروحات وأفكار يتقدم بها أعضاء في حزب مستقبل وطن، الظهير السياسي للسلطة، إلى وجود تصور يفيد بأن إظهار انفتاح الحكومة سياسيا سيكون أكثر وقعا عندما تخرج المعارضة من جهة قريبة من النظام، لكن هذه الرؤية لم تعد مقنعة للشارع.

وتحاول التنسيقية الترويج لكونها معارضة بناءة، وليس ضروريا أن يعلو صوتها ضد الحكومة طوال الوقت دون الإشادة بها في بعض الإيجابيات، لكن تظل المعضلة الحقيقية كامنة في أن خطابها العام تشوبه لهجة مبايعة للنظام، مقابل التلويح بتهمة التآمر ضد بعض الأصوات التي تنتقده، في تناقض لمبدأ المعارضة.

وتضم تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين أعضاء من أحزاب: الوفد، المصريين الأحرار، الإصلاح والتنمية، الحرية، حماة الوطن، النهضة، الشعب الجمهوري، المؤتمر، مستقبل وطن، التجمع، الغد، الناصري، مصر الحديثة، الجيل، المحافظين، النور، مصر بلدي، الحركة الوطنية المصرية. وكلها خليط من القوى التي تقف أقصى يمين أو يسار الحكومة، أي أن تركيبة أعضائها تختلف عن التوجهات العامة أحيانا.

ولدى الرئيس السيسي رؤية للواقع السياسي ترتكز على أن الأحزاب ضعيفة ومن الصعب التعويل عليها في الترويج لوجود إصلاحات سياسية ولو قررت الحكومة تهيئة المناخ العام لأنها لا ترتبط بالشارع وليست لديها الجذور الكافية التي يمكن البناء عليها، لذلك من الأفضل دمج عناصر من أحزاب مختلفة في كيان كالتنسيقية، لإيجاد تيار قوي يلعب دورا إيجابيا كظهير شبابي للرئيس، ومعارض أيضا لبعض تصورات الحكومة.

ويرى مراقبون أن الحكومة إذا كانت جادة في تهيئة المناخ العام الفترة المقبلة عليها الاستجابة لمطالب المعارضة التي قدمتها خلال الجولة الأولى من الحوار الوطني، والعمل على تهيئة الأجواء أمام الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها للتحرك بين المواطنين وإتاحة انضمام الشباب إلى الأحزاب من دون قيود تبعدهم عن المشاركة السياسية، لكن الإصرار على صناعة معارضة على مقاس النظام لن يخدمه ولن يبعث رسائل متفائلة إلى الداخل والخارج.

ويتفق هؤلاء على أن تجربة وجود كيان يمارس المعارضة المنضبطة، مثل تنسيقية شباب الأحزاب، يفترض أن تقنع الحكومة بأن نقد بعض السياسات والقرارات، من مقربين أو خصوم، لا يثير توترات سياسية بقدر ما يجلب مكاسب للنظام، بدليل أن نواب التنسيقية داخل البرلمان يتخذون مواقف مناهضة بلغة خطاب تبدو حادة أحيانا، لكن الشارع لم يثر ولم تخرج احتجاجات، وليس هناك مبرر لاقتصار ذلك على كيان واحد دون غيره.

◙ توجه داخل النظام المصري لدعم تنسيقية الأحزاب حتى تقوم بدور القوة المعارضة، للإيحاء بوجود انفتاح

وقال مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إن المعارضة الحقيقية موجودة في مصر، والجادة منها صنيعة شعبية بامتياز، كما أن الولاءات تتناقض مع توجهات أي كيان معارض، والمفترض أن تكون لدى الحكومة رؤية قائمة على ترك حرية الرأي والاختلاف للشارع دون تحديد من يحق لهم أن يكونوا معارضين ومن لا يحق لهم ذلك. والانفتاح المنشود له أصوله ومعاييره، لكن الوصول إليه يتوقف على وجود إرادة سياسية.

وأضاف لـ"العرب" أنه لا مانع من وجود التنسيقية في المشهد، لكن المهم أن تتاح فرصة المنافسة أمام قوى المعارضة المختلفة ليختار المواطن أي فصيل يدعم من القوى الموجودة على الساحة، وهذا جزء أصيل من الانفتاح والتعددية التي تستحقها مصر، ويجب على صناع القرار الاقتناع بأن التنوع يعبر عن قوة المجتمع وخلق كيانات تمارس هذا الدور لا يصب في صالح أي طرف.

وإذا استمر الوضع السياسي الراهن في مصر، فسيظل النظام يعاني من فراغ في الكوادر وغياب البرامج الحزبية، وهو ما سينتج عنه تكوين أجيال مشوهة تفتقر إلى المواقف الواضحة ولا تستطيع التعامل مع الأزمات السياسية المستقبلية، ومهما كانت التنسيقية تتألف من أحزاب متعارضة في الرؤى والتوجهات، لن تستطيع القيام بدور المعارضة الحقيقية، طالما بقيت تتحرك وفق الإطار المرسوم لها.

ومن المهم أن تبادر الأحزاب بتطوير نفسها وعدم انتظار صدور قرارات عليا لتقوية دورها والكف عن الدخول في صراعات تكرس تعامل الحكومة معها كقوى هشة بلا تأثير ولا تستطيع التوحد حول رؤية واقعية خلف هدف معين، فمازالت أزمة غالبية الأحزاب تتمثل في كونها تتنظر مبادرة الحكومة بالإصلاح دون أن تقدم هي على تصويب مساراتها حتى باتت تعاني مشكلات غيّبت حضورها سياسيا وشعبيا.

3