الحكومة المصرية ترفض التطرق للمثلية خشية غضب الأغلبية المحافظة

لجنة تحقيق تبحث واقعة تدريس المثلية في مدرسة تدرس المنهج الإنجليزي في القاهرة.
الجمعة 2024/04/19
صرخات لمثليين من خلف القضبان

القاهرة - حمل رد الفعل الخشن من جانب وزارة التربية والتعليم المصرية تجاه اتهام مدرسة دولية بتدريس مناهج تتحدث عن المثلية الجنسية، مؤشرا على الرفض الصارم للتطرق إلى ملف المثلية.

وبدت الحكومة كأنها تخشى من خطورة إعطاء بصيص أمل لمؤيدي المثلية الجنسية من خلال نقاشها تثقيفيا وتعليميا، لأن ذلك قد تكون له عواقب أمنية وسياسية خطيرة، عندما تصطدم مع الأغلبية السكانية المسلمة والمتشددين دينيا.

وكلف وزير التربية والتعليم رضا حجازي لجنة تحقيق لبحث واقعة تدريس المثلية في مدرسة تدرس المنهج الإنجليزي في القاهرة، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة على الفور، حال ثبوت المخالفة التي تم تداولها وأثارت غضبا مجتمعيا واسعا.

عبدالحميد زيد: تعامل البعض مع تلك القضية بالإنكار لا يخفي وجودها
عبدالحميد زيد: تعامل البعض مع تلك القضية بالإنكار لا يخفي وجودها

وأكدت وزارة التعليم الثلاثاء، “رفضها التام لقيام أي مدرسة على أرض مصر بالترويج أو تدريس مواد دراسية تخالف ثوابت الغريزة الإنسانية والعقائد السماوية والأخلاقيات والقيم التي يقوم عليها المجتمع المصري، إيمانا منها بدورها في صناعة أجيال تحمل على عاتقها أمن وسلامة المجتمع”.

وجاء التحرك العاجل عقب قيام بعض أولياء الأمور في المدرسة بتقديم بلاغات إلى النيابة العامة يتهمونها بتدريس ما يحث على المثلية، وتقدم نواب في البرلمان بطلبات عاجلة لسرعة التحقيق في القضية.

وقال بعض النواب إن “المثلية فكر شاذ وهدام ويدعو إلى إتيان الرذيلة وهدم القيم والأخلاق”، ما وضع الحكومة في ورطة واضطرت وزارة التعليم للتحرك وتهدئة الرأي العام الغاضب، بالتزامن مع هجمة سلفية حادة ضد ما يتم تدريسه في المدارس الأجنبية بالبلاد.

وأخفقت المؤسسات التعليمية في تمرير رؤيتها المرتبطة بتدريس مفاهيم التربية الجنسية في المدارس هذا العام، أمام هجمة تعرضت لها من جانب أصوات دينية ومجتمعية رأت في الخطوة دعوة للانحلال الأخلاقي وهدم الثوابت.

ورغم المبرّرات التي ساقتها وزارة التعليم آنذاك، بأن الهدف من وراء تدريس التربية الجنسية حماية الأجيال الناشئة من السلوكيات المنحرفة، لكنها أخفقت في صد الهجمة التي تعرضت لها، واتُهمت بأنها تشعل غرائز الصغار والمراهقين وتقودهم نحو الانحراف والشذوذ الجنسي.

وتدرك الحكومة أن أي اقتراب من ملف المثلية يجعلها تصطدم بالأزهر وأغلبية محافظة، مقابل تحقيق مكاسب زهيدة بنيل رضا الشريحة الأقل التي تدعم حقوق المثليين والإقرار بواقعهم بعيدا عن الاستهداف الأمني والديني والاجتماعي.

ويتمسك الأزهر بأن المثلية جريمة أخلاقية ترقى إلى الإرهاب، ما جعل الكثير من الأسرة في مصر، ولديها ابن مصاب باضطرابات في الهوية الجنسية، تتعامل معه وكأنه ارتكب جرما يستوجب العقاب البدني والمعنوي.

وصنف أحمد الطيب شيخ الأزهر، المثلية الجنسية، على أنها “غزو ثقافي غربي” يستهدف “تقنين الشذوذ والتحول الجنسي” في المجتمعات الشرقية، وأي نقاش حولها تحت دعاوى الحقوق والحريات، أفكار غير مقبولة شرقيا ولا دينيا ولا إنسانيا، ويجب التصدي لها بكل صرامة.

وتدعم شريحة صغيرة في المجتمع المصري تدريس المثلية في المناهج التعليمية بقواعد محسوبة، على أن يقتصر ذلك على التثقيف والفهم لطريقة اكتشاف اضطرابات الهوية الجنسية والتعامل معها من جانب الشخص أو أسرته، لكن الحكومة تتعامل مع تلك الأطروحات برفض صارم.

وهناك رفض لاستمرار الوصاية الفكرية والدينية على كل ما يرتبط بالحداثة والعصرنة والتقارب مع الثقافات الغربية، ولدى هؤلاء تحفظات على استسلام الحكومة لرؤى فقهية وتقاليد مجتمعية كلما جرى طرح قضية تتعلق بالوعي بالجنسي.

ويبني أنصار الفريق المؤيد لتدريس الثقافة الجنسية رؤيتهم على أن التثقيف المراقب في المؤسسات التعليمية أهم وأنفع من المعلومات التي يبحث عنها المراهقون وقد يحصلون عليها بطرق خاطئة من الإنترنت، إذا كانت هناك إرادة حكومية فعلا لتحصين الأجيال الصاعدة.

الأزهر يتمسك بأن المثلية جريمة أخلاقية ترقى إلى الإرهاب، ما جعل الكثير من الأسرة في مصر، ولديها ابن مصاب باضطرابات في الهوية الجنسية، تتعامل معه وكأنه ارتكب جرما يستوجب العقاب

وأشار عبدالحميد زيد الباحث في شؤون الاجتماع السياسي إلى أن هناك حاجة إلى نقاش يرفض المثلية ويتصدى لها بشكل مقنع ليحمي الأجيال الجديدة من الاستقطاب، والمفترض التعامل مع القضية بالبحث الاجتماعي والفكري من خلال دراسة كل الأبعاد وعلاجها علميا.

وقال زيد لـ”العرب” إن أنصار المثلية يبحثون عن انتصار، والحكومة لن تسمح بذلك، وتعامل البعض مع تلك القضية بالإنكار لا يخفي وجودها، ومن المهم تحصين الأجيال الجديدة من هذه الأفكار بطرق وأساليب مرنة تقنع الشريحة المستهدفة.

ويؤكد متابعون للقضية أن التعامل الرسمي الحاسم مع أي طرح يخص المثلية يمكن تفسيره في سياق قطع الطريق على المتشددين للاصطياد في مياه هذه القضايا الحساسة، بالتزامن مع ضيق الشارع من الحكومة بسبب إخفاقاتها الاقتصادية ومحاصرة مصر بتحديات إقليمية معقدة.

وترفض الحكومة أن تجد نفسها طوال الوقت بين مطرقة الاتهام بعدم الحفاظ على الهوية والتساهل مع الانحرافات الأخلاقية وسندان الضغوطات الدولية والاتهامات المتكررة بانتهاكها حقوق الإنسان، أو على الأقل فشلها في حماية المثليين من بطش أصحاب الرؤى المتشددة.

ويرى حقوقيون أن مواجهة قضية حساسة كالمثلية يتطلب نقاشا هادئا بعيدا سياسة الترهيب أو الاستسلام لمصطلحات الغزو والاحتلال، إذا كانت هناك إرادة لدى الحكومة لتحسين صورتها في ملف حقوق الإنسان للأقليات المهمشة، وسوف تظل العبرة في تنحية المؤسسة الدينية جانبا.

2