الحكومة المصرية تحاصر أزمة الكهرباء لتخفيف التململ الشعبي

القاهرة - اتخذت الحكومة المصرية إجراءات عديدة أخيرا للتخفيف من حدة أزمة انقطاع الكهرباء المستمرة للأسبوع الثالث على التوالي، وقدمت معلومات وتبريرات للأسباب التي قادت إلى الأزمة في محاولة لتخفيف حدة التململ الشعبي ولم تحظ بمصداقية عالية لدى المواطنين الذين خاطبهم رئيس الحكومة مباشرة.
وقطعت شركة إيني الإيطالية الجمعة الطريق على تكهنات راجت بشأن توقف إنتاج الغاز في حقل “ظُهر” المصري ما أدى إلى الانقطاع المتكرر للكهرباء، ودعم تأكيد الشركة موقف الحكومة في مواجهة شكوك سادت حول ما أورده رئيسها.
وقرر رئيس الحكومة مصطفى مدبولي منح موظفي الحكومة غير المتعاملين بشكل مباشر مع الجمهور يوما إضافيا للعمل من المنزل بجانب العطلة الرسمية يومي الجمعة والسبت بدءاً من الأسبوع القادم، وإقامة مباريات كرة القدم في كافة المنشآت الرياضية والصالات المغطاة في توقيت مبكر قبل غروب الشمس.
وأشار مدبولي في مؤتمر صحفي عقده الخميس إلى أن حكومته اتخذت قراراً بوقف تصدير الغاز خلال فصل الصيف والاكتفاء بتصديره في الشتاء والخريف والربيع حال تقلص الاستهلاك ووجود فائض للتصدير، واستيراد شحنات إضافية من المازوت لتشغيل محطات توليد الكهرباء، مع استمرار إجراءات تخفيف الأحمال.
ولم يفصح رئيس الحكومة عن موعد انتهاء الأزمة الحالية، وتعمّد إرسال إشارات على أن الأزمة لم تخرج عن السيطرة ولديه بدائل تخفف من حدتها، وأن ما أنفقته الدولة من مليارات الدولارات لتطوير شبكات الكهرباء ساهم في تخفيف حدتها. وفي المقابل يشي أداء الحكومة بأنها مستمرة في أخطائها السابقة، ولا تتسم معلوماتها بالشفافية الكافية في تعاملها مع المواطنين، مع يجعل أيّ بيانات توردها أو الجهات المتعاونة معها محل شكوك.
ولم يف رئيس الوزراء بوعده انتهاء الأزمة خلال منتصف الأسبوع الماضي (الثلاثاء)، وذهب إلى إيجاد مبررات خارجية دون الاعتراف بالأخطاء التي وقعت فيها حكومته وقادت إلى الانقطاع المفاجئ بعد ثماني سنوات من انتهاء إجراءات تخفيف الأحمال.
ولا تنفصل العودة للانقطاعات المتكررة للكهرباء عن البطء في الأداء الاقتصادي بوجه عام، والصعوبات التي تواجهها الحكومة على مستوى وقف تصاعد معدلات التضخم وتوفير العملة الصعبة تتكامل مع أزمة الكهرباء التي تعد من مظاهر الأزمة الاقتصادية التي ترتب عليها التوسع في عمليات تصدير الغاز الطبيعي.
وقال عضو مجلس النواب المصري ضياءالدين داوود إن مدبولي “لم يتحدث بوضوح عن النتائج المترتبة على ما تتخذه الحكومة من إجراءات، ولا يعلم أحد ما إذا كان قرار إبقاء الموظفين يوما إضافيا في منازلهم أمرا يخدم الاقتصاد أم يضر به”. وأضاف لـ”العرب” أن تقدير الحكومة للموقف الراهن غير واضح منذ البداية، والحديث عن زيادة معدلات الاستهلاك يتعارض مع ما جرى الحديث عنه منذ سنوات بشأن رفع معدلات الطاقة الاستيعابية لمحطات الكهرباء والطفرة في إنتاج الغاز.
وأكد أن الأزمة الحالية تتحمل الحكومة مسؤوليتها بامتياز لأن الشعب المصري تحمل طيلة السنوات الماضية توجيه مئات المليارات من موازنات الدولة لتطوير شبكة الكهرباء وزيادة أسعار استهلاكها، وبعد هذا كله الأزمة مستمرة، وإلصاق التهمة بالتغيرات المناخية غير منطقي، وإذا كان ذلك صحيحا فمن المفترض وجود جهات لديها رصد مسبق للأحوال الجوية لتتوقع معدلات الاستهلاك.
ويشير مراقبون إلى أن الإجراءات الأخيرة قد تأتي بعوائد إيجابية على مستوى التخفيف من حدة الأزمة، لكنها لن تأتي بالنتائج المرجوة من جهة ثقة المواطنين في الحكومة، حيث تحمّلها قطاعات كبيرة نتائج السياسات الخاطئة، وعدم وضوح الحكومة ومصارحتها للمواطنين بشكل مستمر سوف يسهم في زيادة الفجوة.
ويقول هؤلاء المراقبون إن الأزمة الراهنة لا تتعلق بتعامل الحكومة مع الانقطاعات المستمرة فهناك اتفاق بأنها أضحت أكثر إيجابية في التعامل مع إجراءات تخفيف الأحمال مع إعلانها مواعيد محددة للانقطاعات، لكن الأزمة تكمن في أن المكتسبات التي تحققت وكانت شاهدة على التقشف وتحمّلها المواطنون يتم الانقضاض عليها.
وأثارت وسائل إعلام محسوبة على المعارضة مسألة وجود مشكلات فنية تسببت في تراجع إنتاج حقل ظُهر في شرق البحر المتوسط، ما تسبب في تراجع معدلات الإنتاج، بما انعكس على الاستهلاك، وهو ما نفته الحكومة ثم شركة إيني. وتعاقدت الحكومة المصرية عام 2015 مع شركة “سيمنز” الألمانية لبناء ثلاث محطات كهرباء عملاقة باستثمارات 6 مليارات يورو لتحسين قدرة الشبكة، وقفزت صادرات الغاز الطبيعي المصرية بشكل غير مسبوق لتبلغ 8 مليارات دولار.
وقالت الكاتبة والمحللة السياسية أمينة النقاش إن الاقتراحات التي قدمها رئيس الحكومة للتعامل مع أزمة الكهرباء ستخفف من حدة التململ الشعبي مع تراجع فترات الانقطاع، لكن المشكلة تبقى في قدرة الحكومة على التعامل مع المعلومات التي تتدفق للرأي العام بشأن مستقبل إنتاج الغاز من الحقول المصرية دون أن يكون لديها ردود مناسبة.
وأوضحت لـ”العرب” أن المواطنين لديهم قدرة على التحمل حينما تكون المعلومات واضحة، غير أن استمرار التعتيم يقود إلى تفاقم المشكلة، خاصة أن الأزمة الحالية تأتي في وقت يئن فيه الناس من تأثير الارتفاع الكبير في درجات الحرارة والمشكلات المعيشية الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وغياب العدالة في إجراءات تخفيف الأحمال التي لم تطل المنتجعات السياحية والتجمعات العمرانية الجديدة.
وتابعت “لا يمكن متابعة الأضواء الضخمة في حفلات الساحل الشمالي وتضغط بشكل كبير على شبكات الكهرباء في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن أهمية الترشيد، ورسالتها لن تصل إلى الجمهور أو تقنعهم بها، والاعتماد على منهج نفي ما يثار من أنباء بلا توضيح منهج عفا عليه الزمن ويخصم من رصيد الحكومة".
وأعرب رئيس الوزراء المصري عن رفضه لما يتردد عن ضرورة قطع الكهرباء عن الأماكن السياحية لأنها تستهلك كميات أكبر من الكهرباء، بقوله “المناطق السياحية مصدر دخل للعملة الصعبة، ولا يمكن قطع الكهرباء عنها، وكذلك المستشفيات والمباني الإستراتيجية.. تخفيف الأحمال سيكون في المناطق السكنية فقط".