الحكومة المصرية تتخذ إجراءات تقشفية صارمة لمواجهة الأزمة

مصر تقرر وقف المشروعات القومية الكبرى لاحتواء انعكاسات الأزمة الروسية - الأوكرانية على البلاد.
الأحد 2022/03/27
فئات تئن تحت وطأة الأزمة

القاهرة - ضاعف إعلان الحكومة المصرية عن اتخاذ إجراءات تقشفية صارمة لمواجهة الأزمة الراهنة من مخاوف شريحة من المواطنين، فمثل هذا التوجه لا يتم تبنّيه إلا إذا كانت البلاد تعاني من أزمة اقتصادية قد يطول أمدها ما ينعكس سلبا على معيشة نسبة كبيرة من السكان لا تستطيع توفير الحد الأدنى من احتياجاتها اليومية.

وقال مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري في تكليف مرسل إلى الوزراء والمحافظين أخيرا إنه سيتم إعادة هيكلة الموازنة العامة لاحتواء انعكاسات الأزمة الروسية - الأوكرانية على الاقتصاد، داعيا إلى سرعة ترشيد الإنفاق الحكومي وبدء إجراءات التقشف، على رأسها تأجيل أي مشروع جديد لم يتم البدء في تنفيذه بعد.

وطالب رئيس الحكومة الوزراء والمحافظين والمسؤولين في مختلف المؤسسات والهيئات الرسمية بمراجعة تكلفة المشروعات القومية الجاري تنفيذها والزيادات التي تطرأ عليها لعدم تحمل الخزانة العامة للدولة أعباء إضافية في هذه المرحلة، وحظر إجراء تعاقدات أو تنفيذ مشروعات جديدة إلا بعد مراجعة وموافقة الوزير المختص.

وبلغت درجة التقشف أن تقرر حظر السفر إلى الخارج على المرؤوسين بالوزارات والهيئات الحكومية، إلا في حالات الضرورة القصوى لعدم تحميل موازنة الدولة لمبالغ إضافية، مع تطبيق أسس الحوكمة في عملية الإنفاق الحكومي من العملات الأجنبية، في ظل وجود نقص في العملات الأجنبية بالبنوك والحاجة إلى الحفاظ على الاحتياطي النقدي.

الحكومة استوعبت الدرس متأخرا، لأنها اهتمت بالإنجازات القومية على حساب ملفات مرتبطة باحتياجات الشارع

وتركت القرارات الحكومية لدى رجل الشارع انطباعا سلبيا حول مستقبل الوضع الاقتصادي، خاصة أنها تزامنت مع ارتفاع أسعار العديد من السلع وتدني الرواتب وارتفاع معدلات البطالة.

وما أثار حيرة الشارع أن الحكومة أوقفت المشروعات القومية الكبرى التي لم تبدأ فيها بعد، لأن هذا القرار لم يكن ليُتخذ إلا لو كانت الدولة تعاني من أزمة حقيقية في توفير العوائد المالية المخصصة للإنفاق على المشروعات التنموية، فهي التي دافعت عن استمرارها مهما بلغ الشح المالي، باعتبارها نجحت في إعادة بناء الاقتصاد وزادت من معدلات التنمية.

ويرى مراقبون أن قرار تجميد المشروعات القومية خطوة إيجابية من جانب الحكومة، لأن المواطن العادي الذي تعامل مع مثل هذه المشروعات وكأنها الابن المدلل للدولة حيث تنفق عليها بسخاء، سوف تتضاعف ثقته في الحكومة بأنها عندما تقول إن هناك أزمة فهي موجودة بالفعل، أيّ أنها تواجه نفس المعضلة التي يعاني منها الشارع.

كما أن الحكومة لم يكن باستطاعتها تنفيذ أية خطة صارمة للتقشف وتتحرك لرفع أسعار سلع وخدمات أساسية لتوفير عوائد مالية تنقذ الاقتصاد، وفي نفس الوقت تتمسك بتنفيذ مشروعات كبرى تحتاج إلى أرقام مالية كبيرة، ما يؤثر على مصداقيتها في توقيت بالغ الخطورة قد يندفع فيه الناس إلى التذمر والاحتجاج في الشارع.

ويقول المراقبون إن شريحة كبيرة في المجتمع اعتادت النظر إلى بعض المشروعات القومية الكبرى على أنها تعبر عن سوء فهم من الحكومة للأولويات التي يحتاجها الناس، واستمرار تنفيذها وسط هذه الأزمة الطاحنة يعني أنها تمارس العناد معهم، وهذا لم يكن ليمر بسهولة، وقد تكون له تداعيات بالغة الخطورة.

وتعكس مشروعات الطرقات والكباري والجسور العملاقة التي أنفقت عليها الحكومة مبالغ ضخمة مفارقة مجتمعية يبحث المواطنون عن حل شفرتها، فمع أن هناك ملفات أخرى يمكن استهدافها بهذه الأموال مثل تحسين الوضع التعليمي والصحي وزيادة الدعم المقدم إلى الفقراء ومحدودي الدخل، إلا أنها لم تقترب منهم بالدرجة الكافية إلى حين تجاوز الأزمات المتعاقبة من جائحة كورونا إلى الحرب الروسية - الأوكرانية.

المواطن المصري يتكبد العبئ الأكبر من سياسة التقشف
المواطن المصري يتكبد العبئ الأكبر من سياسة التقشف

وأشار الخبير في العلوم السياسية جهاد عودة لـ”العرب” إلى رفض وقف المشروعات القومية الكبرى لأنها فتحت أبواب العمل لمئات الآلاف من العاطلين وحركت الاستثمار المحلي داخل الدولة، لافتا إلى أن خطة الحكومة للتقشف سياسية أكثر منها اقتصادية، حيث تحاول من خلالها إقناع الناس بأنها تتقشف مثلهم.

ولم يغب عن الحكومة أن هناك أصواتا وقوى معارضة اعتادت توظيف الإنفاق على مشروعات قومية متحفّظ عليها شعبيا لتأجيج الغضب ضد النظام الحاكم، فكان من الضروري غلق هذه الثغرة، لأن هذه الأصوات يصعب السيطرة عليها، حيث تمارس الضغط على الحكومة على شبكات التواصل الاجتماعي.

وإذا كانت استراتيجية الحكومة لمواجهة الأزمة مثيرة لمخاوف البعض، لكنها أسعدت مواطنين يتحملون العبء الأكبر من تنفيذ مشروعات قومية كبرى، مثل بناء الجسور والمحاور المرورية في مختلف أنحاء البلاد، إذ تتم إزالة منازلهم وترحيلهم من المنطقة بشكل إجباري لتنفيذ هذه المشروعات مقابل منحهم تعويضات زهيدة.

وترى دوائر سياسية أن التقشف الحكومي رسالة من الدولة للمواطنين العاديين بأن عليهم استيعاب وجود أزمة وما يتم التسويق له حول وجود عجز في العوائد المالية وتحريك للأسعار واقع لا بد منه بدليل أنها عدّلت من خطتها التنموية وقيدت أوجه الإنفاق.

ولا تزال إشكالية الحكومة مرتبطة بكون الخطاب الإعلامي الرسمي مشكوك في مصداقيته ونزاهته وغير قادر على إقناع الناس أن ما تفعله الحكومة من إجراءات يعكس الواقع المتردي، لأن هناك منابر إعلامية تتعمد إظهار نجاحات الحكومة في مشروعات قومية يراها البعض مستفزة، مثل العاصمة الإدارية الجديدة.

الحكومة المصرية تمسكت بتنفيذ مشروعات كبرى تحتاج إلى أرقام مالية كبيرة، ما يؤثر على مصداقيتها في توقيت بالغ الخطورة قد يندفع فيه الناس إلى التذمر والاحتجاج في الشارع

ويرتبط استفزاز الشارع بمشروع قومي كهذا بكون الدولة أنفقت عليه كثيرا، مع أنه كان يمكن توجيه هذه الأموال إلى مشروعات أخرى مثل توسيع الاستصلاح الزراعي وإقامة العديد من المصانع بهدف تقليل الفجوة الغذائية وتحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي من السلع.

وغير متوقع أن تتوقف الحكومة عن استكمال مشروع العاصمة الإدارية الجديدة بعد أن تعطل افتتاحها نحو عامين، لأنها (أي الحكومة) لا تريد الظهور في صورة محرجة أمام الشارع بأنها أخفقت أو كانت رؤية المعارضين لهذا المشروع صائبة في ظل إصرارها على تصدير صورة تعتبرها رمزا للجمهورية الجديدة.

وأوضح جهاد عودة لـ”العرب” أن مشكلة بعض المشروعات القومية أنها ركزت على الاستثمار السكني وأصبحت حركة البيع والشراء متوقفة، وتريد الحكومة الظهور في صورة متقشفة دون أن تطبق ذلك بصورة صحيحة، وعليها أن تتحرك وفق خطة وليس مجرد أن تقول للشارع إنها صادقة عندما تقول إنها تعاني أزمة.

يبدو أن الحكومة استوعبت الدرس متأخرا، لأنها اهتمت بالإنجازات القومية على حساب ملفات أخرى كانت ولا تزال مرتبطة بصميم احتياجات الشارع وعليها أن تعيد رسم أولوياتها بشكل يتناسب مع التحديات الجديدة لتجنب الغضب الشعبي.

وذكر رئيس الحكومة أن الأولوية ستكون لتوفير برامج للحماية الاجتماعية وترتيب الأولويات، في مؤشر يعكس الخوف من تبعات العناد مع الشارع والسير عكس اتجاه المتطلبات الملحة للمواطنين.

ويأتي الخوف من أن تكون الإجراءات التقشفية المعلن عنها مجرد تمهيد لواقع أكثر تشاؤما، كأن تقوم الحكومة برفع أسعار سلع وخدمات ضرورية لامتصاص انعكاسات الأزمة الراهنة، لكن حالة الغضب المتصاعد أمام تدني المستوى المعيشي تنذر بأن الإقدام على هذه الخطوة مجازفة محفوفة بالمخاطر.

4