الحكومة المصرية تتحاشى تقديم ضمانات سياسية لانتخابات نزيهة

تتحاشى الحكومة المصرية تقديم أي ضمانات سياسية تزيل مخاوف المعارضة من المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وترى أن أقصى ما يمكنها فعله هو مساعدة الهيئة الوطنية للانتخابات في الجوانب الفنية وتزويدها بكل ما تحتاجه من بيانات ومستندات ومعلومات.
القاهرة - ظهرت الحكومة المصرية وكأنها تأبى التعامل مع انتخابات الرئاسة من منظور الضمانات السياسية أولا، وتصر على إظهار حسن نواياها بتذليل معوقات لوجستية تحول دون عقدها بشكل جيد، ومنحت أهمية للتجاوب مع الملف من خلال المزيد من الإجراءات الفنية التي توحي بأن الأجواء العامة يمكن أن تزداد سخونة.
وعقد مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء اجتماعا للوقوف على الإجراءات التنظيمية التي سيتم اتخاذها لتيسير العملية الانتخابية، مؤكدا التزام الحكومة بمساعدة الهيئة الوطنية للانتخابات في كل ما تريده وإجراء الانتخابات على الوجه الأمثل.
وشدد مدبولي على التزام أجهزة الدولة بمعاونة الهيئة الوطنية للانتخابات في أداء مهامها واختصاصاتها الفنية، وتزويدها بكل ما تطلبه من بيانات ومستندات ومعلومات وغيرها من مقتضيات مُباشرة عملها، تنفيذا للقوانين والقرارات المنظمة.
وحاول رئيس الحكومة إرسال إشارة طمأنة للتيارات السياسية بأن انتخابات الرئاسة المقبلة محل اهتمام كبير من قبل النظام المصري، وليس صحيحا أن هذا الاستحقاق مهمش في ظل ما يلاحظ من بطء في الضمانات الواجب توافرها لنزاهة الانتخابات.
ويحاول النظام المصري الإيحاء برغبة في إبداء مرونة سياسية وتوفير شبكة أمان لحث الشارع على التفاعل مع الاستحقاق الرئاسي، وأن البلاد مقبلة على انتخابات مهمة، لكن لا تزال الإجراءات المتخذة غير قادرة على إقناع الناس بذلك، حيث فقدت الحكومة جزءا من مصداقيتها مع تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وعدم وضوح موقفها من مسألة تلبية الضمانات التي طالبت بها بعض أحزاب المعارضة.
ويصعب فصل الاجتماع الذي عقدته الحكومة لمناقشة الإجراءات اللوجستية للانتخابات الرئاسية عن تذمر قوى معارضة من حالة الصمت حيال المطالب السياسية، ما يثير تساؤلات بشأن الغموض الذي يكتنف الموقف الراهن، وعدم حسم الطريقة التي سوف تُجرى بها الانتخابات وموعدها النهائي حتى الآن.
ويقول مراقبون إن الحكومة مقتنعة بأنها فعلت ما بوسعها عندما أقرت استمرار الإشراف القضائي على الانتخابات الرئاسية، وهذه خطوة كافية للخروج بالاستحقاق الانتخابي إلى بر الأمان السياسي، وليس لديها ما تقدمه سوى مراجعة الخطوات الفنية.
وتطالب شخصيات معارضة عقدت العزم على منافسة الرئيس عبدالفتاح السيسي بتوفير ضمانات لنزاهة الانتخابات كي تحسم موقفها بشأن الدفع بمرشح أو أكثر أو مقاطعة الانتخابات، غير أن الحكومة لم تتطرق مباشرة إلى ذلك إلا على استحياء أو بعبارات فضفاضة، ما يربك المشهد السياسي برمته.
وقد يكون صمت الحكومة عن الدخول في جوهر العملية الانتخابية هدفه توصيل رسالة تفيد بأنها غير معنية بما يخص قضية المزيد من النزاهة والشفافية، وأن كل شيء في يد الهيئة الوطنية للانتخابات.
وبعثت الحكومة إشارات إيجابية إلى القوى المعارضة لحثها على تقديم مرشح أو أكثر في انتخابات الرئاسة المقبلة، لكن ثمة تعقيدات تحدّث عنها معارضون تسببت في المزيد من التشويش، بعضها أوحى بأن أجواء المنافسة الحقيقية غير متوفرة.
وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو الشوبكي إن الحكومة مطالبة بتوضيح الشروط الواجبة لضمان عقد انتخابات نزيهة وشفافة، وعدم الاكتفاء بمساعدات لوجستية يمكن تقديمها، فمن المهم للمواطنين والمرشحين والمتابعين وجود خطوات عملية تؤكد أن الانتخابات ليست محسومة سلفا.
وأضاف الشوبكي في تصريحات لـ”العرب” أن “الحكومة إذا كانت معنية باتخاذ إجراءات لتحقيق انفراجة سياسية فعليها أن تبدأ فورا بالإعلان عن عدم وجود قيود على حركة المرشحين وتسهيل لقاءاتهم الجماهيرية وشرح برامجهم للإعلام، فهذا جزء من نزاهة الانتخابات”.
وتسبب المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي في جدل واسع عندما كشف عن منعه من حضور مباراة منتخب مصر وإثيوبيا الجمعة، وهو ما ردت عليه الشركة المنظمة للمباريات الرياضية (تذكرتي) بأن ادعاءاته ليست صحيحة، لأنه لم يكن حاملا للكارت الخاص بحضور المباراة، وهو ما يخالف التعليمات المحددة في هذا الشأن.
وبصرف النظر عن رؤية كل طرف تشير الواقعة إلى أن المرشحين المحتملين يتشككون ويتخوفون من عدم توفير الضمانات اللازمة لحرية حركتهم.
المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي تسبب في جدل عندما كشف عن منعه من حضور مباراة منتخب مصر وإثيوبيا
ويلفت مراقبون إلى أن التعامل مع الطنطاوي يتسق مع الإجراءات التنظيمية، لكنه يعكس غياب الحنكة عند بعض الدوائر الرسمية، لأن الملعب الذي أقيمت عليه مباراة مصر وإثيوبيا لم يكن به سوى العشرات من الجماهير، وحضوره لن يُحدث أزمة ولو خالف التعليمات، لكنه استثمر الموقف للتلويح بأن السلطة تطارده.
ويوحي التعامل مع الطنطاوي الذي دأب على استفزاز السلطة بأنها تعاني من أزمة في إدارة بعض المواقف، وظهر ذلك بوضوح في طريقة التعامل مع الانتخابات، من حيث التلكؤ والغموض وإحساس الشارع بأن القضية أكبر من قدرات الحكومة، مع أن الرئيس السيسي أبدى مرونة وبعث رسائل إيجابية إلى المختلفين معه.
وعلى الرغم من إعلان بعض السياسيين عن خوض الانتخابات الرئاسية، إلا أن الحكومة لا تتفاعل معهم بجدية أو تشتبك بإجراءات تعيد السخونة للمشهد السياسي.
وأعلن نحو ستة من المرشحين عن عزمهم منافسة السيسي، وهم: حازم عمر رئيس حزب الشعب، وعبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد، وأكمل قرطام رئيس حزب المحافظين، وجميلة إسماعيل رئيسة حزب الدستور، وأحمد الفضالي رئيس حزب السلام الديمقراطي، وأحمد الطنطاوي الرئيس السابق لحزب الكرامة.
وربما تكون للحكومة مبرراتها في عدم التطرق إلى ملف انتخابات الرئاسة بعمق، كونها محاصرة بمشكلات اقتصادية جعلت الكثير من المواطنين قلقين من سياساتها.
ويؤكد المشهد الراهن أن الحكومة تتحفظ على إدارة ملف الانتخابات الرئاسية بالطريقة التي تريدها المعارضة، طالما أن هناك مظلة شرعية يمكن من خلالها رفع المطالب والتوصيات إلى السلطة، وهي الحوار الوطني، وما دون ذلك لن تبادر الحكومة بتقديم تنازلات كبيرة أو تتخذ إجراءات قد تضعها في ورطة.
وأصبحت الحكومة مطالبة بالتفاعل مع شواغل الشارع بإتاحة الفرصة كاملة أمام المنظمات الحقوقية والدولية لمشاركة القضاء المستقل في الإشراف على الانتخابات، مع وقف أي قيود مفروضة على تحركات المرشحين المحتملين، لأن السيسي لا يحتاج إلى مناكفة خصومه بأي طريقة بحكم أن فوزه بغالبية مسألة مضمونة.