الحكومة المصرية تؤسس شركة لتقنين إلحاق العمالة بالخارج

"سفر" توفر حماية أكثر للعمالة المهاجرة رغم مخاوف القطاع الخاص من المنافسة.
السبت 2021/08/28
لا مفر من مواجهة التغيرات

دفعت مشاكل العمالة المصرية في الخارج القاهرة إلى تأسيس كيان حكومي لإلحاق العمالة بالخارج وتنويع أدواتها في تشغيل الشباب والعاطلين وعدم قصرها على الأساليب الحكومية النمطية، فضلاً عن تنمية مهارات العمالة المستهدف إلحاقها للعمل في العديد من الدول العربية لتكون نموذجًا جاذبًا، بعد أن نكأت أزمة العمالة المصرية في الأردن أخيرا العديد من الجراح.

القاهرة - وافق مجلس الوزراء المصري على الترخيص لصندوق تمويل التدريب والتأهيل التابع لوزارة القوى العاملة أخيرا على تأسيس شركة مساهمة مصرية متخصصة في إلحاق العمالة بالخارج، في استجابة للطلب على العمالة المصرية، وبالتزامن مع اتفاقيات تنقل الأيدي العاملة إلى بعض الدول العربية.

وتكمن أهمية وجود شركة “سفر” الحكومية المتخصصة في هذا الشأن في أنها تمثل ضامنا لحقوق المصريين العاملين في الخارج وتحميهم من الوقوع في أزمة العقود “المزورة” التي يتورط فيها البعض من جانب الشركات الخاصة لإلحاق العمالة بالخارج.

وناشدت الإدارة العامة لشؤون شركات إلحاق العمالة المصرية بالخارج بوزارة القوى العاملة، الشباب من التأكد من عقود السفر التي تعرضها الشركات وذلك بالذهاب إلى مقر الإدارة لمنع عمليات الاحتيال التي قد يتعرضون لها.

عبدالرحيم المرسي: الحكومة تحتكر فرص السفر والشركات الخاصة مهددة بالإفلاس

ويفاجأ البعض من الشباب بتغيير تفاصيل العقود فور وصولهم للخارج، سواء من حيث تبديل المهنة أو الراتب، وهنا يرضخون ولا يجدون ملجأ للحصول على حقوقهم، ما يفتح الباب لمزيد من المشكلات التي تتحمل تبعاتها الحكومة.

ويرى خبراء اقتصاد أن تأسيس شركة حكومية يمهد لوجود ذراع للدولة خلال الفترة المقبلة تمهد لإلحاق العمالة المصرية في مجال الإنشاءات بالدول المتوقع أن تشهد إعمارًا الفترة المقبلة ولدى مصر اتفاقيات تتعلق بتنقل الأيدي العاملة إليها.

وتهدف هذه الاتفاقيات إلى حرية مرور العمالة وتسهيل تنقلاتهم وتيسير الإجراءات الجمركية والإدارية، وكل ما يتعلق بجوازات السفر والإقامات، ووقعت مصر اتفاقيات بذلك الشأن مع دول منها ليبيا وسوريا ولبنان، وهي بلدان مقبلة على مرحلة إعمار كبيرة، ما يعزز من أهمية شركة “سفر” لضمان حقوق العمالة.

وجاء إعلان الحكومة تأسيس شركتها كالصاعقة على شركات إلحاق العمالة بالخارج بالقطاع الخاص، حيث اعتبر أصحابها أن الحكومة تزاحمهم في ظروف استثنائية بسبب جائحة كورونا.

وتكبدت الشركات العاملة في هذا الفضاء خسائر كبيرة منذ انتشار فايروس كورونا لندرة فرص التوظيف بالخارج، كما أن وجود شركة حكومية سوف يفاقم خسائرهم، وقد يدفعهم إلى إعلان الإفلاس.

وبحسب شعبة إلحاق العمالة بالخارج بالغرفة التجارية للقاهرة يصل عدد شركات إلحاق العمالة بالخارج المرخصة في مصر إلى 1260 شركة، ويعمل بها نحو 8 آلاف شخص.

ولا تخلو السوق من الشركات الوهمية وغير المرخصة التي بلغت أكثر من 4 آلاف شركة، ورغم شكاوى الشعبة لوزارة القوى العاملة بإيجاد حل لمواجهة تلك الشركات، لكنها أكدت أنها لا تراقبها وغير مسؤولة عنها لأن ذلك من اختصاص وزارة الداخلية.

ووصل عدد الفرص التي وفرتها شركات إلحاق العمالة للمصريين في الخارج إلى نحو 700 ألف فرصة عمل سنويًا في الفترة من 2010 وحتى 2016، بينما تقلصت فرص العمل التي توفرها حاليا إلى 160 ألف فرصة عمل سنويًا بسبب الأزمة الصحية.

شركة "سفر" تمهد لتأسيس ذراع حكومية توفر العمالة عند بدء مشاريع الإعمار في الدول المجاورة
شركة "سفر" تمهد لتأسيس ذراع حكومية توفر العمالة عند بدء مشاريع الإعمار في الدول المجاورة

ووفق شعبة إلحاق العمالة في الخارج، فإن العمالة الفنية والحرفية المصرية الأعلى طلبًا في الأسواق الخارجية، كما يزداد الطلب عليها إلى جانب المدرسين والأطباء.

وتأتي الدول الخليجية في المرتبة الأولى من حيث استقدام العمالة المصرية، حيث ناهزت قبل جائحة كورونا نحو 700 ألف شخص، لأن مواصفات الوظائف ملائمة لهم بعكس المواصفات التي تطلبها دول أوروبية ولا تستقدم سوى العمالة المحترفة.

وعّبر عبدالرحيم المرسي عضو مجلس إدارة شعبة إلحاق العمالة بالخارج بالغرفة التجارية للقاهرة عن اندهاشه من تأسيس الحكومة لشركة إلحاق عمالة بالخارج حاليًا، لاسيما مع عدم استقدام معظم دول الخليج لعمالة مصرية جديدة.

ولا زالت أزمة إغلاق المجال الجوي بين مصر وبعض الدول العربية قائمة وعلى رأسها السعودية، فضلاً عن عدم نشاط الطلب على العمالة المصرية من جانب قطر، واقتصار التأشيرات الجديدة على السياحية فقط من جانب دولة الإمارات.

بسنت فهمي: الخطوة أكثر مصداقية وتعجّل بحل مشكلات العاملين في الخارج

وحذر المرسي في تصريح لـ”العرب” من احتكار الشركة الحكومية لفرص السفر والتوظيف لبعض البلدان، لأن ذلك يتنافى مع القوانين والأعراف، خاصة أنه لم تكن هناك بوادر تُنبئ بتأسيس تلك الشركة.

وتترقب شركات إلحاق العمالة بالخارج موقف شركة “سفر” من الحصول على موافقة التعامل مع السفارة السعودية بالقاهرة، التي اكتفت بالتعامل مع 600 شركة فقط، ولا تقبل شركات جديدة تم تأسيسها منذ أربع سنوات.

كما حذرت شعبة إلحاق العمالة بالخارج من حدوث مجاملات خاصة بالشركة الحكومية في اختيار العمالة الموفدة للخارج، بعكس الشركات الخاصة التي تقوم بجولات خارجية للتعرف على المهن المطلوبة خارجيًا ومقابلة أصحاب الأعمال للاطلاع على المواصفات اللازمة لشغل الوظائف لاختيار الأنسب.

وتأمل الشعبة من الحكومة أن تحدد آلية العمل بين الشركة الحكومية الجديدة والشركات الخاصة على غرار التنسيق القائم بين وزارة الداخلية والشركات السياحية النشطة في موسم الحج والمتعلق بحج القرعة الذي لا يضر بالشركات الخاصة.

وأشار المرسي إلى تراجع الطلب على العمالة بشكل عام في الدول الخليجية بنحو 65 في المئة الفترة الماضية بسبب تقليص المشروعات التنموية لاستمرار جائحة كورونا ومن قبلها هبوط أسعار النفط، ما أدى إلى انخفاض الحاجة إلى العمالة.

ورغم انخفاض عدد العمالة المصرية بالخارج خلال العامين الأخيرين بسبب ما فرضته الجائحة من تغييرات في سوق العمل، إلا أن قيمة التحويلات ارتفعت جراء عودة الكثير من أُسر العاملين بالخارج إلى مصر بعد تعطل الكثير من أنواع العمل في ظل الجائحة، بالتالي يتم تحويل مصروفاتهم المعيشية من ذويهم بالخارج، من هنا ارتفعت التحويلات.

تأسيس الشركة الحكومية يمهد لوجود ذراع للدولة تمهد إلحاق العمالة المصرية في مجال الإنشاءات بالدول المتوقع أن تشهد إعمارًا

وتظهر بيانات البنك المركزي المصري أن تحويلات المغتربين قفزت خلال الفترة من يوليو إلى مايو من العام المالي 2020 /2021 بنسبة 13 في المئة بما يعادل 3.3 مليار دولار، لتسجل 28.5 مليار دولار خلال 11 شهرا، مقابل 25.2 مليار دولار بمقارنة سنوية.

وقالت الخبيرة الاقتصادية بسنت فهمي إن “وجود شركة حكومية لإلحاق العمالة بالخارج أكثر مصداقية وتمنح العمالة حماية كبيرة، فضلاً عن صعوبة التعرض لهم بسوء من أصحاب الأعمال أو مواطني الدول الخارجية، كما حدث في بعض البلدان العربية مؤخرا من حالات تعدٍ على مصريين ومرت دون حساب”.

وتأتي أهمية وجود شركة حكومية لإلحاق العمالة بالخارج من أنه حال تعرض مواطن لمشكلة في بلد ما تتحرك وزارة الخارجية بشكل عاجل لحلها، لأن المواطن يعد ممثلاً للحكومة إذا سافر عبر شركتها.

وأكدت فهمي لـ”العرب” أن مخاوف القطاع الخاص من مزاحمة الشركة الحكومية غير مبررة، لأن مجالات السفر متنوعة، كما أنه يمكن للشركات الخاصة أن تركز على توفير فرص عمل بالداخل في ظل المشروعات القومية الكبرى المتعلقة بالبنية التحتية وتأسيس المدن الجديدة.

10