الحكومة اللبنانية تسلم بانهيار الليرة بحثا عن قاع الهاوية المالية

نقلت الحكومة اللبنانية أعباء أزمتها المالية إلى المواطنين وشطبت معظم قيمة مدخراتهم بالعملة المحلية، بإحراق آخر خيوط ربط الليرة بالدولار، والإقرار بسعر السوق السوداء في محاولة لترقيع الأزمة المالية العميقة.
بيروت - تخلت الحكومة اللبنانية فعليا الجمعة عن ربط الليرة بالدولار المعمول به منذ فترة طويلة، حين حدد مصرف لبنان المركزي سعر صرف لشركات تحويل الأموال يقل بنسبة 58 في المئة عن السعر الرسمي للعملة اللبنانية.
وقال مصدر في المصرف المركزي إن السعر المحدد لشركات تحويل الأموال هو 3625 ليرة لبنانية للدولار ليوم الجمعة، مما يوضح مدى هبوطها في السوق الموازية مقارنة بسر الربط البالغ 1507 ليرات للدولار.
وكشف أن “الأسعار ربما تتغير يوميا وسيتم تحديدها في اليوم السابق” مضيفا أن المعدل يستند إلى السعر الذي سجله الدولار في مكاتب الصرف الأجنبي.
وأشار إلى أنه “في حالة وقوع تقلبات كبيرة خلال اليوم، فإن الأسعار ربما تُحدد مجددا خلال نفس اليوم”.
ويمثل هذا الانهيار “الرسمي” في سعر الليرة شطب نسبة 58 في المئة من القدرة الشرائية لليرة وتقويض مدخرات اللبنانيين بالعملة المحلية، أي أن الحكومة نقلت أعباء أزمتها المالية إلى المواطنين.
ويُطبق سعر الصرف المعلن على تحويلات اللبنانيين الذين يرسلون أموالا لأسرهم في داخل البلاد من الخارج، والتي كانت متاحة في السابق بالدولار في مكاتب تحويل الأموال.
وفي إشارة إلى السعر المحدد لمكاتب تحويل الأموال، قال مصرفي كبير إن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة يخفض فعليا قيمة الليرة رغم أن قيمتها ربما تظل في تقلب.
ويعتبر انخفاض الليرة الحاد في ظل أزمة مالية ومصرفية، أكبر تهديد للاستقرار منذ الحرب الأهلية التي دارت في الفترة بين 1975 و1990، وتزعزع الثقة المتلاشية في الاقتصاد.
ويشير ترك الليرة لمصيرها إلى يأس الحكومة من أي تمويل خارجي أو برنامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي، أو التوصل إلى اتفاق مع الدائنين بعد تخلف بيروت عن سداد سنداتها الدولية في مارس الماضي.
ويعني ذلك أن الحكومة الساقطة في حفرة عميقة ستواصل تعميق الأزمة بطباعة النقود وترك الليرة تتراجع أكثر لمواصلة بقاء التركيبة الحكومية بأي ثمن.
وقال مصرف لبنان المركزي في وقت سابق من الشهر الجاري إنه يجب على خدمات تحويل الأموال أن تصرف النقد بالعملة المحلية “بسعر السوق”، وقال هذا الأسبوع إن عمليات السحب من الحسابات المصرفية الدولارية يجب أن تجرى بالعملة المحلية وفق سعر السوق.
3625 ليرة للدولار السعر الذي حدده المصرف المركزي اللبناني لشركات تحويل الأموال
واصطف أشخاص بمكاتب تحويل الأموال يوم الخميس، والذي كان آخر يوم تصرف فيه التحويلات بالدولار.
وتحاول الحكومة من خلال ذلك الاستيلاء على الدولارات الشحيحة التي تدخل البلاد لمواصل صراعها من أجل البقاء.
وقال فاروق سوسة كبير الخبراء الاقتصاديين للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى غولدمان ساكس “نرى تحركا سريعا جدا نحو إلغاء فعلي لربط العملة، حيث يبدو وكأنه ستكون هناك آلية رسمية في الأسابيع المقبلة لأولئك الراغبين في شراء العملة”.
وذكرت مصادر مصرفية إنها تتوقع أن يكون سعر الصرف المطبق على مسحوبات الحسابات المصرفية قريبا من سعر الصرف الذي حدده المصرف المركزي لشركات تحويل الأموال.
ومن المقرر أن يجتمع تجار الصرف الأجنبي والبنوك، التي كانت قد اتهمت الحكومة بتحميلها أعباء الأزمة المالية، مع البنك المركزي يوم الاثنين لاتخاذ قرار. وما زال السعر الرسمي مطبقا لواردات الوقود والقمح والأدوية في مسعى لإبطاء التضخم المتصاعد في الاقتصاد المعتمد على الواردات. ويبدو أن هناك خلافا كبيرا داخل الحكومة، حيث قال وزير المالية غازي وزني الجمعة إن الانخفاض “لا يمكن شرحه اقتصاديا ولا ماليا ولا نقديا وهو مضاربة قوية وتلاعب في السوق”.
وأضاف أن الأمر “زاد من خوف المواطنين وقلقهم وأحدث زيادة الطلب على الدولار”.
ومن المتوقع أن تؤدي إجراءات البنك المركزي إلى انغلاق تام لودائع وتحويلات المغتربين اللبنانيين، التي كانت مصدرا أساسيا لإدامة الاقتصاد.
ويرى محللون أن انشغال جميع دول العالم بأزمة اقتصادية عالمية كبيرة نتيجة تداعيات تفشي فايروس كورونا المستجد، يفاقم انعدام فرص حصوله على الدعم الدولي.
ويأتي تسليم الحكومة بانهيار الليرة بعد انغلاق جميع الطرق أمام حصول لبنان على دعم دولي، في ظل هيمنة جماعة حزب الله الموالية لإيران على الحكومة، في ظل تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية من قبل معظم الدول الغربية.
وحاول لبنان دون جدوى الحصول على برنامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي، لكن ذلك اصطدم أيضا بمعارضة الدول الكبرى لدور حزب الله في الحكومة واشتراط إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية.