الحكومة الكويتية تواجه ورطة البديل الإستراتيجي للرواتب

تواجه الحكومة الكويتية ضغوطا متصاعدة بشأن مشروع البديل الإستراتيجي للرواتب، حيث تطالب نقابات ونواب بالكشف عن تفاصيل هذا المشروع والجهات الحكومية المستفيدة منه، فيما لا تبدو الحكومة متحمسة لعرضه قريبا بانتظار استكمال معالجة جميع الجوانب المتعلقة به.
الكويت - عاد الحديث في الكويت عن مشروع إعادة النظر في سلم الرواتب والمزايا المقدمة للموظفين في الجهاز الإداري للدولة والذي يعرف باسم “البديل الإستراتيجي”، في ظل تردد حكومي وضغط نيابي بدأ يتبلور.
وتبحث الحكومة التي يرأسها الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح عن توليفة يجري بموجبها تحقيق قدر من العدالة والشفافية في الرواتب، لكنها تصطدم بصعوبات من قبيل إثارة حساسيات في بعض القطاعات، فضلا عن تأثير ذلك على الإصلاحات الاقتصادية المفروض الإسراع بها.
وقال وزير المالية مناف الهاجري إن البديل الإستراتيجي للرواتب لا يزال قيد الدراسة ولم تستكمل عناصره التي تحقق أهدافه الأصلية بالشكل الذي يخدم الإدارة العامة في الدولة بشكل خاص والاقتصاد الوطني بشكل عام.
وأوضح الهاجري في تصريحات لوكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا) أن مسألة البديل الإستراتيجي للرواتب نشأت من الحاجة إلى تحقيق العدالة بين موظفي الدولة ومن أجل تحقيق مؤسسات منتجة. وبين أن هذه الأهداف لن تتحقق “إذا تمت المعالجة بتناول الرواتب فقط ودون التطرق إلى قياس الأداء بطريقة عصرية تحفز الموظف على التطور معرفيا ومهنيا”.
وشدد على وجوب “ألا يسبب أي مقترح جديد إعراضا إضافيا عن العمل في القطاع الخاص الذي يعاني حاليا من إعراض شريحة عريضة من الشباب عن العمل فيه، بسبب ساعات العمل الطويلة وتركيزه على قياس أداء الموظف وإنتاجيته”.
وأضاف الوزير الكويتي أن أي معالجة للبديل الإستراتيجي يجب “ألا تؤثر على استدامة المالية العامة للدولة أو على قدرة الحكومة على إطلاق مشاريع ملموسة في قطاعات واضحة كالإسكان والسياحة والنقل وما يتطلبه ذلك من إنفاق رأسمالي أكبر”. وأكد أن “ما يتم تداوله حاليا في وسائل التواصل الاجتماعي عن البديل الإستراتيجي غير دقيق وغير واقعي في أرقامه”.
وكان مصدر حكومي كشف في وقت سابق أنه جرى رفع مشروع البديل الإستراتيجي إلى وزير المالية، بعد إقرار دراسته النهائية من قبل مجلس الخدمة المدنية، وذلك لإبداء الآراء فيه وإجراء بعض التعديلات عليه، أو إقراره كما هو. ونقلت وسائل إعلام محلية عن المصدر قوله إن البديل الإستراتيجي أُدرج في أولويات الحكومة وسيكون على طاولة مجلس الوزراء خلال اجتماعاته المقبلة، وذلك لإبداء الآراء فيه من جميع الجوانب.
ولفت إلى أن هناك تساؤلات عن الفئات التي سيشملها البديل الإستراتيجي من الموظفين، موضحا أنه سيطبق على أصحاب الكادر العام وسيشمل على سبيل المثال المعلمين والمهندسين. أما أصحاب الكادر الخاص فلن يشملهم في بعض الجهات الحكومية مثل القانونيين في البلدية، والفتوى والتشريع.
والبديل الإستراتيجي هو مشروع قديم تم طرحه للمرة الأولى في العام 2014، لكن جرى التراجع عنه بسبب اعتراضات بعض القطاعات على غرار قطاع النفط، التي شنت تحركات احتجاجية، الأمر الذي جعل مجلس الأمة يرفض المصادقة على المشروع في العام 2016.
ووفق التسريبات، فإن المشروع الجديد والذي هو نظام متكامل للخدمة المدنية، سيعمل على زيادة رواتب الموظفين، وينهي الفوارق الكبيرة في الرواتب بين الجهات الحكومية في الكويت.
وسوف يستفيد من البديل الإستراتيجي أي موظف راتبه متدن، بحيث يجعله يتساوى مع الموظفين في الجهات الأخرى ممن تخرجوا بنفس التخصص وبنفس درجته الوظيفية. وتخشى بعض القطاعات، ولاسيما قطاع النفط، من أن يجري استثناؤها من المشروع، وقد استبقت ذلك بالتحذير من أي تمش في هذا الخصوص. ودعا رئيس نقابة العاملين بشركة نفط الكويت عباس عوض قبل فترة الحكومة إلى الإعلان الرسمي عن حقيقة المشمولين بالبديل الإستراتيجي.
وقال عوض في تصريح صحفي إن استفزاز عمال القطاع النفطي بالتسريبات من دون تكذيبها أو توضيحها حول عدم استثناء عمال النفط من البديل الإستراتيجي أسوة بالقطاعات التي تم استثناؤها، يمثل زعزعة لاستقرارهم وسينعكس سلبا على عملهم. وتابع “نقابة نفط الكويت هي حصن عمالها، ولن نتهاون في حقوقهم أو مكتسباتهم”، مؤكدا أن “عمال النفط يمثلون العمود الفقري للاقتصاد الكويتي وندعم أي زيادة لكل القطاعات بعيدا عن انتقاص حقوقنا”.
ويرى خبراء اقتصاد أن حكومة الشيخ أحمد النواف تستشعر أنها ورطت نفسها بإثارة هذا الملف الآن، خصوصا وأن المفروض أن يجري طرحه ضمن ورشة إصلاح كبرى للاقتصاد الكويتي.
ويشير الخبراء إلى أن الحكومة ستكون ملزمة بشمول جميع القطاعات الحكومية في هذا المشروع، لأن خلاف ذلك سيقود إلى سيناريو 2014 حينما عمد العاملون في قطاع النفط إلى خوض احتجاجات وإضرابات أدت إلى شلل في القطاع، الأمر الذي تسبب في خسائر كبيرة، خصوصا وأن الدولة العضو في منظمة أوبك لمنتجي النفط تعتمد على الذهب الأسود كمصدر أساسي لتمويل موازنتها.
ويلفت هؤلاء إلى أن إرضاء جميع القطاعات يبقى أيضا سلاحا ذا حدين لأنه سيعني زيادة أعباء إضافية على كاهل الدولة، في الوقت المفترض أن يجري فيه تخفيض النفقات.
ووفقا لآخر إحصائية للهيئة العامة للمعلومات المدنية، فقد بلغ عدد العاملين في القطاع العام نحو 483.2 ألف موظف، منهم 372.8 ألف كويتي يشكّلون نحو 77 في المئة من الإجمالي، في حين بلغ عدد الوافدين الموظفين في الحكومة نحو 110.4 آلاف. ولا تنحصر التحديات في موقف القطاعات الاقتصادية من المشروع، بل تشمل أيضا موقف نواب مجلس الأمة الذين باتوا يضغطون على الحكومة لتسريع الانتهاء من المشروع وعرضه.
◙ 483.2 ألف موظف عدد العاملين في القطاع الحكومي، منهم 372.8 ألف كويتي
وأعلن النائب فهد المسعود الأسبوع الماضي عن تقدمه مع عدد من النواب بطلبين لمناقشة البديل الإستراتيجي. وقال المسعود في تصريح نشره المركز الإعلامي لمجلس الأمة إن بالرغم من توافق السلطتين خلال فصول تشريعية سابقة على تحسين الظروف المعيشية للمواطنين مع ما يتطلبه ذلك من إقرار حزمة من القوانين والقرارات التنفيذية، لكن التضارب والغموض يكتنفان السياسة الحكومية بهذا الشأن.
وشدد على أن هناك عددا من الملفات التي لا تحتمل التسويف، ومن بينها ما يتعلق بالبديل الإستراتيجي وآلية تطبيقه والشرائح المستهدفة وزيادة رواتب الموظفين ورفع الحد الأدنى لمعاشات المتقاعدين، وغيرها من الملفات التي تتطلب توضيحا حكوميا رسميا.
وقال المسعود إن بناء على ما سبق واستنادا إلى المادة 112 من الدستور والمادة 146 من اللائحة الداخلية، فإنه تقدم مع عدد من النواب بطلب تخصيص ساعتين من جلسة مجلس الأمة المقرر عقدها في الحادي عشر من يوليو الجاري، لاستيضاح سياسة الحكومة في إقرار الاستحقاقات الشعبية التي طال انتظارها.
وأوضح أنه بات من الضروري لنواب الأمة معرفة الأسباب التي حالت دون إنجاز تلك الملفات، والتوقيت المتوقع لتنفيذها، ومدى الحاجة إلى تشريع من قبل مجلس الأمة لإزالة أي معوقات بهذا الشأن. ويرى متابعون أن استعجال النواب للحكومة لطرح مشروع البديل الإستراتيجي للرواتب قد يقود إلى توتر بينهما، خصوصا وأن تصريحات وزير المالية تشي بأن الأخيرة لا تزال في طور دراسة المشروع وجدواه.