الحكومة الكويتية تبحث عن توازن صعب بين الإصلاح واسترضاء النواب

الكويت- تعمل حكومة رئيس الوزراء الكويتي الشيخ محمد صباح السالم الصباح على قطع الطريق أمام إقرار البرلمان لأيّ تشريعات تخالف توجّهاتها لإصلاح اقتصاد البلاد وترتّب أعباء إضافية على المالية العمومية التي قالت إنّها تواجه مخاطر حقيقية، وترغب في الوقت نفسه بتجنّب حدوث صدام مبكر مع مجلس الأمّة من شأنه أن يعود بالوضع إلى مربّع التأزيم وعدم استقرار السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ولم تعلن الحكومة التي لم يمض على تشكيلها سوى بضعة أسابيع عن رفضها الصريح للأجندة التشريعية التي تتضمّن قوانين تتعلّق بزيادة الدعم والمساعدات الاجتماعية للمواطنين، لكنها طلبت تأجيل طرحها للنقاش أمام البرلمان الأمر الذي رآه بعض النواب تحفظا من قبلها على تلك الأجندة.
وفي حل وسط بين منظور الحكومة المطالبة بالتريث، والنواب المتمسّكين بتمرير تشريعاتهم ذات الصبغة الاجتماعية، وافق مجلس الأمة على الطلب الحكومي بتأجيل النظر في زيادة بدل غلاء المعيشة ورفع القرض الحسن للمتقاعدين، وذلك لمدة شهر واحد قال بعض النواب إنّه سيمثّل سقفا أقصى لن يكون بالإمكان تجاوزه.
ويتبنّى رئيس الوزراء الكويتي المعيّن حديثا من قبل أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد منظورا لإصلاح اقتصاد الكويت وماليتها العامّة.
لكنّ عددا من الإصلاحات الجاري الحديث بشأنها تبدو في بعض جوانبها متناقضة مع السياسة الاجتماعية للبلاد والقائمة على تقديم الدولة لامتيازات سخية للمواطنين في إطار نموذج دولة الرفاه الذي يتمسّك به نواب مجلس الأمّة بقوة ويقولون إنّ الدولة قادرة على المضي فيه إلى ما لا نهاية بفعل وفرة عائداتها النفطية.
وانتقد الشيخ محمّد الصباح قبل أيام هذا النموذج مشيرا إلى عدم إمكانية التمادي فيه بالاعتماد على ثروة النفط الآيلة للنضوب.
كما لفت في إطار نقده لهذا النموذج إلى ارتفاع فاتورة الدعوم التي تقدّمها الدولة للمواطنين قائلا إنّها تستهلك أكثر من عشرين في المئة من الميزانية العامة.
جاء ذلك بينما أصدرت الحكومة ضمن وثيقة برنامج عملها تحذيرات بشأن عدم متانة الوضع المالي للبلاد مشيرة إلى مواجهة الكويت لتحدّ استثنائي خطير في ظل تذبذب أسعار النفط واعتماد المالية العامة عليه كمصدر وحيد للدخل.
وقالت إنّ هذا التحدي يهدد قدرة البلد على الاستمرار في توفير الحياة الكريمة للمواطنين واحتياجاتهم الأساسية ويهدد أيضا بعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المحلية والدولية.
وتسعى الكويت التي تعتمد حاليا على إيرادات النفط في تمويل تسعين في المئة من ميزانيتها العامة، لتنويع اقتصادها وتقليل اعتماده على النفط كمصدر شبه وحيد للتمويل.
ولم تفض الجهود والخطط الكويتية السابقة الرامية لتنويع الاقتصاد إلى تحقيق الأهداف المرجوّة، في حين حققت دول خليجية أخرى درجات متفاوتة من النجاح.
وجاء في البرنامج الحكومي أن العجز المتوقع في الميزانية العامة للدولة خلال الخمس سنوات المقبلة قد يتجاوز سقف 194 مليار دولار في حال عدم المضي بالإصلاح الاقتصادي والمالي.
كما تضمّن البرنامج توقّعا بأن تتضاعف متطلبات التمويل الحكومي خلال السنوات العشر المقبلة ما سيتطلب أسعار نفط مرتفعة عند 100 دولار للبرميل.
كما تضمّن تحذيرا من أن استمرار الأوضاع المالية والاقتصادية بالتدهور قد ينتج عنه تعثر الأفراد والشركات والبنوك وارتفاع معدلات البطالة إلى حد خطير وانهيار الخدمات الاجتماعية وتدهور الأمن الاجتماعي.
وكشفت وثيقة البرنامج الحكومي عن توجّه لإقرار قوانين منها أدوات السيولة وضريبة أرباح الأعمال والضريبة الانتقائية خلال الفصل التشريعي الحالي، وهو توجّه لا يتلاءم مع الأجندة التشريعية المطروحة من قبل النواب ما يؤشّر على أنّ الخلافات ستكون عميقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية خلال الفترة القادمة.
وحرصت الحكومة على طمأنة النواب بشأن طلبها تأجيل مناقشة بعض القوانين. وقالت على لسان وزيرها للشباب وشؤون مجلس الأمة إنّ “طلب التأجيل ليس قرارا برفض الخارطة التشريعية وهو دعوة للحوار مع الحكومة الجديدة داخل اللجان البرلمانية وتلمّس رؤيتها حتى نعمل معا كشركاء في معركة التنمية لتحقيق التوازن بين كيفية الحفاظ على استدامة رفاه المواطن واستدامة رفاه الوطن”.
ولم يمنع هذا الخطاب الحكومي المهادن أعضاء في مجلس الأمّة من التشكيك في حقيقة موقف الحكومة من التشريعات التي يطرحونها.
وقال النائب شعيب المويزري عبر حسابه في منصة إكس “أقول للحكومة لم ولن نتخلى عن أي واجب تشريعي لتحسين الظروف المعيشية للشعب وضمان حقوقه ونصيحتي لأعضائها: التفتوا إلى الشعب واتركوا الاتفاقات والتحالفات خلف الكواليس”.